مناظرات الامام أبي حنيفه-رحمه الله-
من لا يعرف منا الامام الأعظم أبا حنيفة ومكانته وذكاءه وفقهه ودوره البارز في خدمة الكتاب والسنة والفقه، وأحببت أن أذكر قصتين من مناظراته العديدة والرائعه التي وقعت بينه وبين الخوارج والملاحدة وأهل البدع والهوى وأحيانا بينه وبين زملائه والعلماء المعاصرين،فاستمتعوا بقراءة المناظرتين التاليتين: 1-جاء وفد من هؤلاء الخوارج يريدون مناظرة أبي حنيفة وقالوا له: "هاتان جنازتان على باب المسجد، أما إحداهما فجنازة رجل شرب الخمر حتى كظته وحشرج بها فمات، والأخرى جنازة امرأة زنت، حتى إذا أيقنت بالحبل قتلت نفسها". فقال الإمام متسائلاً: "من أي الملل كانا؟ أمن اليهود؟" قالوا: "لا"، قال: "أمن النصارى؟" قالوا: "لا"، قال: "أفمن المجوس؟" قالوا: "لا". قال: "فمن أي الملل كانا؟" قالوا: "ملة تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله"، قال: "فأخبروني عن هذه الشهادة، أهي من الإيمان ثلث أو ربع أو خمس؟" قالوا: "إن الإيمان لا يكون ثلثاً ولا ربعاً ولا خمساً"، (1) قال: "فكم هي من الإيمان؟" قالوا: "الإيمان كله"، قال: " فما سؤالكم إياي عن قوم زعمتم وأقررتم أنهما كانا مؤمنين". ويمضي الخوارج مع الإمام في الحوار فيقولون له: "دع عنك هذا، أمن أهل الجنة هما أم من أهل النار؟" قال: "أما إذا أبيتم فإني أقول فيهما ما قاله نبي الله إبراهيم في قوم كانوا أعظم جرماً منهما: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم: 36]، وأقول فيهما ما قاله نبي الله عيسى في قوم كانوا أعظم جرماً منهما: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وأقول فيهما ما قال نبي الله نوح إذ: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ (2) وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ، قَالَ وَمَا عِلْمِي بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ، إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ، وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء: 111-114]، وأقول ما قال نوح عليه السلام: {لاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْراً اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ} [هود: 31]". وعندما سمع الخوارج هذا المنطق ألقوا سلاحهم وانصرفوا. 2-يحكى أن الملحدين بالله تعالى طلبوا من الخليفة أبي جعفر المنصور أن يتخير لهم من يناظرهم، فوقع اختياره على الإمام أبي حنيفة، وحدد مكان الاجتماع على شاطئ دجلة، في ساعة معينة، فاجتمع الناس ووصل المتحاورون، وحضر الخليفة إلى المكان ليحضر المناظرة.. مر وقت طويل، ولم يصل أبو حنيفة إلى الموعد، وطال انتظار القوم وبدأ الغمز والهمز واللمز، وقال البعض: لو كان لدى أبي حنيفة حجةٌ أو برهان لما تخلف عن تقديمها!! وأُحرج الخليفة الذي لم يكن يتوقع أن يتخلف أبو حنيفة عن أداء واجب كهذا، وقبيل الغروب أطل أبو حنيفة على المجلس، وانهالت عليه الأسئلة في سبب تأخره، فأجاب: كنت في الضفة الأخرى من دجلة، ولم أجد مركباً يحملني إلى هنا، فانتظرت طويلاً ولم أحصل على مركب، وبينما أنا في انتظاري إذ نزلت خشبة من السماء، وصادفت خشبة في النهر، وحضرت مطرقة ومسامير، وضرب بعضها ببعض، ثم نزل من السماء طلاء وزيت وفرش، واصطف كل في مكانه، واكتمل مشهد قارب جاهز، فتقدم إلي فركبته ووصلت إلى موعدكم هذا متأخراً!! فقال الملحدون: يا أبا جعفر إن رسولك الذي اخترته لنا لمجنون! فقاطعهم أبو حنيفة قائلاً: كيف تنكرون صنع قارب بدون صانع؟ ثم تقبلون أن تكون سماءٌ ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحار ذات أمواج من صنع العبث والوهم والمصادفة؟ فبهت الذي كفر..