المقامة الكتابية : نظرة على أسماء الرجال وكتب مفيدة

مقامة تمر على أسماء الرجال والأعلام، وكتب الحديث والتفسير والتراجم والأدب

في هذه السطور:
مقامة تجول بالطالب جولة علمية، وتحوم بها على سماء أدبية، فتطير بها إلى عالَم الأسفار، وتكشف ما على التراث العربي من أستار، تسير به سيرا منسَّقا مخبَّباً، مدرَّجا من حيث الفنون مرتَّباً، تمر على أسماء الرجال والأعلام، وكتب الحديث والتفسير والتراجم والأدب مرور الكرام. تدل على الكتاب بأسلوب دقيق، فربما تذكر الاسم وحينا تكتفي بإيماء عميق، بأوله أو تُعكِّس مع بقاء التنميق، حيث تجليه برمز التغميق. 
وتطوف بالقارئ في ربوع الأسلاف السالفين، وتحط الرحال عند آثار المتقدمين الغابرين، الذين كانوا في العلوم والفنون عمدة، وهم في البحث والتحقيق قدوة، فمن جاء بعدهم، حذا حذوهم، واقتفى أثرهم، واتبع خبرهم، فعلى علومهم يعتمد، وعلى جهودهم يستند، فقَمِنٌ بالمسترشد أن يستضيء بنارهم، وأن يهتدي بمنارهم.
وليس لها إيغال في ساحة المتأخرين إلا قليلا، مع أن منهم من يشكر شكرا جزيلا، حاشا وكلا أن يهضم حق ذي حق بهذا الكلام، فيحسبه سوء أدب من لم يفهم المرام، فالقصد ما قاله العالم الرباني، حفيد صاحب الأنساب أبوالمظفَّر السمعاني: «إِنْ أَرَدْتُمُ الصِّدْقَ فَفِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَة، وَإِن أردتم الصَّادِقين فَفِي الْبُيُوتِ الْقَدِيمَةِ، عَلَيْكُمْ بِالْقَدِيمِ عَلَيْكُمْ بِالْقَدِيمِ.» (معجم السفر، لأبي الطاهر السلفي: 1/367، المكتبة التجارية).  
ومما يجب عليه التنبيه، من غير تزكية ولا تمويه، أنها لا تطرح كل غثّ وسمين، بل تنقح فتنطق بما  يعود عليك بنفع مبين. والآن! قد آن الأوان، أن تبدأ  الرحلة العقابية، مع المقامة الكتابية. رحلة سعيدة، مع تعابير فريدة، وأساليب جديدة، إلى فرصة مديدة!

اعلم أن الكتاب أنيس وحشة، صديق غربة، رفيق سفر، زميل حضر. معلمك ما تجهل، منقح لما تعقل، تسبق به التالي، وتدرك به المثالي. يدني لك القاصي، ويجنب عن المعاصي، يقصيك عن الملاهي، ويحذرك من المناهي. يطلعك على الغرائب، ويدلك على العجائب، يرشد إلى الصواب، ويسجل لك الثواب.

فمتى ما فتحت الكتاب، إذا بالعلوم تدخل عليك من كل باب، فلا يشغلنك عنه جليل أو يسير، عظيم أو حقير، تافه أو خطير، قليل أو كثير.

فابدأ يا طالب العلم بالتلاوة، تجد في نفسك لكتاب الله حلاوة، فإن للكلام الإلهي طراوة.

فإذا أردت استيعاب تفسير القرآن العظيم، فللرازي فيه بحر محيط وجهد جسيم، فلا تدعن أبدا صاحب الكبير، ولا يغرنك قول لا يساوي القطمير: فيه كل شيء إلا التفسير، فلا درى قائله ولا تلا، وعن الحق اعتدى، وأما الصواب والسداد فما ابتغى، برأي سوء استقلّ، ولعله بلغه فنقل. وأما ابن كثير: فكيف يخلو تذكار كتب التفسير، وليس فيه حظ وافر أو يسير، للمفسر المؤرخ الشامي ابن كثير.

ثم التزم أحاديث النبي المختار، عليه صلاة وسلام الرب الغفار، فاجعل منها حزب الليل والنهار، كما تردد الأذكار، فإن داومت على هذا التكرار، لا يعسر عليك حفظ عيون الأخبار، وابدأ بأحاديث قصار، فأتقن الصغار، حتى تبلغ الكبار، عندئذ تجمع الأنوار، وتصبح من الأخيار. فتغدو وتروح مع النبي صلى الله عليه وسلم بكلامه، وتزدادُ معرفة لرفيع مقامه.

فالحديث جامع للأخلاق، وبرزت الصحاح الستة كالإشراق، وفيه نور اليقين، وهو خير رسالة للمسترشدين، ومنه تنفجر مناهل العرفان، وبه يتمسك من أراد الإتقان.

فإذا عرفت عن رياض الصالحين، فكن إليها من أول الرائحين. ومما يحمي الفقيه من الخزي والخيبة، ما صنَّفه ابن أبي شيبة، فقد ضم أعمال اليوم والليلة، يستفيد به الشباب والشيبة. ولا تنس الاستفادة مما استدركه الحاكم على الصحيحين، ولا تغفلن عن تصحيح شمس الدين.

ثم ارجع نحو شرح أقوال المصصطفى، وتفسير كلامه المنتقى، واسبق إلى من فتح عليه الله الباري، حتى شرح الجامع الصحيح للبخاري، فقد نوّه بشأنه، وأقرَّ بعلوّ مكانه، نُخبة من أهل الفكر، وإنه لسان ابن حجر، وشرح وتفسير لأحاديث النبي الشفيع، وأتى فيه بالقول المحكم والأسلوب البديع.

وابذل كل ما تطيق من المجهود، في نيل المقصود، حتى يفتح الله عليك الرب الملهم، والإله الرازق المفهم، معارفَ السنن، وعظائم المنن. ولا يفوتن عنك جامع الأصول، فقد عبّد صاحبه طريق الوصول، إلى أمهات كتب الحديث، ويسّر للباعث الحثيث، فكأنه فتح المعقَّد من المغيث، الذي يبتغي أوجز المسالك، إلى الكتب الخمسة ومؤطأ مالك، فقد أفاد ابن الأثير وأجاد، فجزاه الله عن كل من استفاد.

ويا أخي، دُر في أفلاك حياة الصحابة، تصبح على نهج الإصابة، ولو تطلعت إلى ربوع صور من حياة التابعين، فارتع فيها وكن من أسبق الراتعين.

وأحسن تشجيع أن تقلب الصفحات، من صبر العلماء الثقات. فأحط باستذكار البداية والنهاية، وتعرف على أعلام الهداية، فقد فاق صاحبُه في نصب راية العبر، وسرد فأحسن السرد لخبر مَن غبر. وعش مع السعداء، وخالط العظماء، وساير الحكماء، وجالس الأذكياء، عاشر الفقهاء، واسمع الأدباء، بسيرك مع سير أعلام النبلاء! فإنه ميزان الذهبي، يوزَن به الألمعي والأحوذي، ويميَّز به بين الذكي والغبي.

ولا بُدَّ من الآثار انتقاء، وبحاجة إلى أن يُكشف عنها خَفاء، فلا يُهجر كله، وليس في كله شفاء، بل فيها ما بها لعلوم الدين إحياء. ويغني عن حمل الأسفار في الأسفار، تخريجُ العراقي لما في الإحياء من الأخبار، وشكرا لمن نزّه الشريعة المرفوعة، عن الموضوعات الشنيعة، والأباطيل الموضوعة. ثم لا يغيب عنا تقريب النواوي، ونال القبول جهود السيوطي في تدريب الراوي، ورغم ذلك لا يُنكَرُ طول باع السخاوي، في الفصل بين الواعي والراوي، ولا نتغاضى عما تعرّق في تحقيقه المناوي.

ما أفصح حكاياتِ ابن المقفع، أسلوب بديع وكلام منقح، أتى بقصص الفرس في لسان العرب، على الطالب أن يتنسم منها نفحة العرب، فإنها كلام مستطرف، وحديث مستظرف. فأقول: إن لكليلة ودمنة، عظيم إحسان وجليل منة، في رقبة من نطق بالضاد، واتخذ اللغة العربية زادا للمعاد. ألهمك الله – يا عزيزي - سبلَ الهدى والرشاد، إنه ولي التوفيق والسداد.

وفي كتاب الدميري تلمح النوادر والعجائب، وتُدهشك الحقائق والغرائب، ففي كتابه ما يتعلق بالحيوان والأنعام، من الخصائص والصفات والقصص والأحكام، وصدّر كتابه بأُسْدِ الغابة، من عُرفت بشدة المهابة.

وأمعن الإمعان الكامل حتى تصبح كالحافظ، فيما أوحي إلى قلم الجاحظ، ومن أدب المطالعة أن تكون كاتبا، ما كان في الكتاب جاذبا. واصنع كذلك، في كل ما وقع ببالك، فإن الخاطر إذا صِيد من حينه بقي، وإلا فإنه سرعان ما ينقضي. فكن لحديث النفس من شاكر، تكن محمودا بقيد وضبط حاضر.

أسأل الله العظيم في النهاية، أن يمن علي بمزيد الفضل والعناية، إنه ولي التوفيق والهداية. وأن يعفو عن الزلل، وأن يجاوز عن الخلل، وأن يحسن لي الختام، وينفع بهذه السطور الأنام. إنه رب ذو الجلال والإكرام.

محمد حذيفة بن رفيق


مجموع المواد : 24
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024