عبقري التعليم والتربية الشيخ أبو طاهر المصباح

إن الشيخ أبا طاهر المصباح هو السراج الذي تنور به العباد والبلاد وتجلت بنوره الأرض والآفاق وإنه نجم ثاقب في السماء المتلألئة نجومها وحالم لاتعرف أحلامه الحدود أما هو للطلاب العاطشين فبمثابة القطرة الهاطلة للزهرات الذابلات في حين أنه للطلاب المهملين كملاح ينقذ الغرقى من الأمواج الهالكة يلعب دورا هاما في الأدبي العربي والبنغالي كليهما في شبه القارة الهندية وبخاصة في بلاد بنغلاديش وها نحن نقدم إلى القراء موجزا يسيرا من ترجمته بالعربية والتي كتبها بالأردية أحد تلامذه الذي لازم الشيخ وصاحبه دهرا من حياته وهوالأستاذ يونس بن أبي طاهر القاسم ونرجو أن تكون المقالة ذات معلومات هامة بالنسبة إلى فضيلة الشيخ ـ 

 

لمحة مختصرة إلى حياته الطيبة

الاسم : أبو طاهر بن المصباح 

اللقب : الأستاذ الأديب (أديب حضور باللغة البنغالية) بما أن سماحة الشيخ جعل حياته موقوفة لأجل نشر اللغة العربية في أرجاء البلاد إلى أن عمَّ نفعُ جهوده الجبارة في بنغلاديش بجميع أنحائها بحيث لا نرى مدرسة دينية ولا معهدا عربيا إلا وتلمح آثار خدماته في سمائها ، ولا شك أنه لا يوجد له نظير في تاريخ العباد والبلاد في الآونة الأخيرة ، مما أسفر عن أن أسماه علماء بلاده ومفكروها بهذا اللقب " الأستاذ الأديب" ، علاوةً على ذلك يُعدُّ سماحةُ العلامة من أبرز أدباء اللغة العربية والبنغالية كلتيهما ، ويسَعُنا أن ندرك عبقرية الشيخ ونباغته بما قاله العلامة السيد أبو الحسن علي الندوي حينما سافر بنغلاديش لأول مرة سنة 1983م ، والقصة تحكي أنه قد وقع اللقاء أثناء هذا السفر بين مفكر الإسلام وهذا العبقري العظيم ، فقال له مفكر الإسلام : بلغني أن حضرتك كما أنه أديب اللغة العربية كذلك أنت أديب اللغة البنغالية أيضا ، فهل نقلت أي كتاب من كتبي إلى اللغة البنغالية ؟ آنذاك اقترح مفكر الإسلام بترجمة كتابه المشهور " ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين " باللغة البنغالية ـ 

المولد : 23 رجب 1375ه الموافق 6 مارس 1956م ـ 

التعليم المبدئي : بالجامعة القرآنية لال باغ داكا ، بنغلاديش 

ختام الدراسة : سنة 1398ه من الجامعة الإسلامية بَتْيَهْ شيتاغونغ بنغلاديش

 

حب العربية من نزعته الفطرية

عندما كان الأستاذ مولانا أبو طاهر المصباح يقرأ كتاب " روضة الأدب " ويواجه المشكلات والمشقَّات في حل ألفاظه الصعبة بدأ سماحة الشيخ من ذاك الحين يشعر بندرة المعاجم وقلتها ، وقد ارتكز في ذهنه منذ ذلك الوقت أن هذه البلاد ولغتها مسيسة الحاجة إلى المعاجم التي تُعين الطلاب في حل عباراتهم ويندفعون إليها للتعبير عما في ضمائرهم إذا دفعتهم الضرورة إليها ، ثم لما بدأ سماحة الشيخ دراسة " المقامات " للحريري قرَّ عزمُه على أن يصنِّف معجما – بنغلا – عربي – في قادم الأيام ، وانشغل بعملياته تحت إشراف معلمٍ له ، إلا أن العمل وسعته وعمقه ودقَّته إنما ظهر له بعد أن شرع المهمَّة ، ولكن الأستاذ لم ينحرف عما أجمع الأمر عليه ، وواظب على الحصول على ما يهدفه شيئا فشيئا إلى أن تم العمل بإذن الله حينما كان هو تلميذ مرحلة التكميل ، ففي نهاية المطاف ظهر في حيز الوجود معجم يحمل اسم " المنار " الذي طبع في 1000 صفحة ، وجدير بالذكر هنا أن للأستاذ معجما آخر باسم " المنار " من العربية إلى البنغالية ، وإن الشيخ هو أول من صنف مثل هذه المعاجم في هذه الديار ـ 

قصة تلميذ يحكيها معلِّمُه

يقول أستاذه المبجَّل رائد الأدب العربي مولانا سلطان ذوق الندوي – أحد أعضاء رابطة العالم الإسلامي مكة المكرمة - : لما جاء مولانا أبو طاهر المصباح إلى الجامعة الإسلامية بتيه للدراسة بمرحلة الفضيلة رأيته منذ ذلك الحين يكمن في سويداء نفسه حبَّ وشغفَ اللغة العربية والبنغالية كلتيهما ، ورأيت فيه من مؤدة اللغتين ما يدل على أن حبهما طبع في فطرته وجبلته ، ولا سيما حينما كان يتكلم معي باللغة العربية تبدو فصاحته وبلاغته مما يختاره من جودة الألفاظ وروائع التعبير ـ 

إن الأستاذ كان مرضي الأخلاق وحسن الخليقة لدى جميع أساتذته منذ زمن دراسته ثم صار مفخرة يعتزون بعظمتها ورفعتها ، حتى أنهم يقولون : إن مولانا أبو طاهر المصباح يتسبب في نجاتنا في المحشر ، وكان الشيخ يعتبر ويُعَدُّ في زمن دراسته نموذجا للحب والمؤدة فيما بين الأستاذ والتلميذ ، إذ الشيخ كان يقضي حياته الدراسية حسب توجيهات الأساتذة وإرشاداتهم والعجب العجاب أنه لم يُتواجد أيُّ تبدُّل في هذا الاقتفاء فيما بعد ـ

إنه يعمل كمجدد التعليم والتربية 

يقول العلامة سماحة المحدث الجليل مولانا عبد المالك – من أبرز تلامذة الشيخ عبد الفتاح أبي غدة وأحد أعلام بنغلاديش وأفذاذها – بأن الأستاذ أبا طاهر المصباح يعمل كمجدد التعليم والتربية في بنغلاديش وبخاصة في الآونة الأخيرة ـ 

الشيخ كما يراه مفكر الإسلام العلامة الندوي

لعل مفكر الإسلام قد فهم من طريقة أعمال الأستاذ ماذا سيقدمه هذا العبقري من نهضات وانقلابات ، ولذا لما وقع لقاء مفكر الإسلام مع مولانا سلطان ذوق الندوي سأله مفكر الإسلام : هل تعرف أنت ذاك العالم الذي ينشر مجلة " اقرأ " ويشيع الكتب المختلفة في فن الأدب العربي ؟ هل أنت تعرفه ؟ فأجابه الأستاذ سلطان ذوق الندوي بما جعل مفكر الإسلام يندهش ويتعجب أكثر مما قبل : إنه قال : أيها الأستاذ المبجل ! إنه تلميذي مولانا أبو طاهر المصباح ، فما لبث أن قال مفكر الإسلام : فحقَّ لك أن أصافحك مرة ثانية ! فقام مفكر الإسلام وصافح وأدنى عنفه إلى عنقه وضمه إلى صدره حبا فيه وتعجبا لما حصل له من سعادة الحظ بواسطة تلميذه أبي طاهر المصباح ـ 

مجلة " إقرأ " بالعربية

أصدر الشيخ مولانا أبو طاهر المصباح مجلة عربية باسم " اقرأ " سنة 1980م للتلاميذ المبتدئين وقد جرت سلسلة هذه المجلة لتفيد الطلاب في مجال الأدب العربي ، وبحسب هذه المعلومة يمكننا أن نقول : إن هذه المجلة هي أول مجلة عربية للأطفال في الهند وباكستان وبنغلاديش ، ولما بلغت هذه المجلة بين يدي مفكر الإسلام السيد أبي الحسن علي الندوي نالت رضاه واستحسنه للغاية وكتب رسالة إلى الأستاذ أبي طاهر المصباح يشكر مهمَّته فيها ـ

مجلة " القلم " بالبنغالية

مثلما أصدر الشيخ مجلة " اقرأ " ليعلم الأطفال اللغة العربية كذلك نشر مجلة " القلم " لتعليمهم اللغة البنغالية وآدابها، ومن المعلوم أن لغة هذه الديار هي البنغالية ولكنه لم يكن علماءها يهتمون بهذه اللغة ولا يعتنون بها ، بل كانوا بمعزل منها بحيث يرون الاقتراب منها ذا عيب ومذمَّة ، ولكن الله رحم على هذه الديار فبدأ مفكرو العصر وعلماءه يحسون بهذا الجانب من الضعف والغبار الذي كان قد غشي علماء البلاد ولغاتها فيما غبر من الزمن ، ومن جراء ذلك قديما قال مفكر الإسلام العلامة السيد أبو الحسن الندوي في إحدى خطباته حينما سافر بنغلاديش : " من ذا الذي قال : اللغة البنغالية ممنوعة المساس؟ من قال : إن هذه لغة الهندوس ؟ من قال : ينحصر الخير في العربية أو الأردية فحسب وليس في البنغالية أي خير ؟ من الذي أفتى : إن في تعلمها شرا وفسادا؟ لا شك أن هذه الفكرة تعني عن الهلاك والانتحار ، أعزائي ! تقبلوا هذا الكلام في سويداء نفوسكم " ـ 

على كل ـ وفي مثل هذه البيئة القصفة حينما كان العلماء يختارون البعد عن هذه اللغة خيرا قام سماحة العلامة أبو طاهر بن المصباح بنشر مجلة " القلم " ، مما أسفر عن تقيظ العلماء وتبديل أحوال الأطفال في مجال اللغة البنغالية ، حتى شكلت عملياته هذه في النهضة والتقدم ، هكذا طار صيت الأستاذ في نهضة اللغة العربية والبنغالية في بلادنا بنغلاديش وقد اتفق على فضله وكماله علماء البلاد ورجالها ـ 

الفكرة المبتكرة في منهج التعليم ببنغلاديش 

لما كان الأستاذ أبو طاهر المصباح طالب العلم شاهد بأم عينيه بأن منهج تعليم هذه الديار تميل إلى الأردية وكأن بيئة المدارس الدينة الأهلية تقول : إن التعلم والتعليم والدرس والتدريس والعلوم والمعارف كل ذلك ينحصر في الأردية مع أن لغة الأم هي البنغالية ، ولأجل هذا عندما كان يجيء أحد طلاب العلوم النبوية ليحصل على العلوم الدينية يحتاج أولا إلى تعلم اللغة الفارسية ثم إلى الأردية ، مع أن هاتين اللغتين من اللغات الأجنبية لهذا التلميذ المبتدئ ، ثم بعد ذلك كان يأتي دور العربية وتعلمها اعتمادا على هاتين اللغتين التين لاعهد له بهما من قبل ، مما يسفر عن أن يحمل الطالب المبتدئ على عاتقه أثقال ثلاث لغات في وقت واحد ، والحقيقة المسلمة لدى كل أحد أن تعلم أي علوم كان إنما هو يكون ذا تأثير وإثمار بلغة الأم لا غير ـ 

أما الكلام الثاني فإن أحدا من طلاب العلم عندما يلتحق بالمدارس يكون ذهنه صافيا شفافا ويكون هو خالي الذهن ، فإذا هو يترسخ في حافظته اللغة التي بدأ تعلمها أولا ، ونظرا إلى هاتين الفكرتين شاور الأستاذ أبو طاهر المصباح مع أساتذته وأكابره ثم بدأ عملياته الميمونة في مجال التعليم بعنوان " المنهج المدني " ، ( من المعلوم أننا نتكلم الآن عن الوقت الذي كان لا يستطيع الطالب فيه أن يترجم القرآن ويفهم معانيه مباشرة من دون الاحتياج إلى لغة أخرى لأجل الضعف في اللغة العربية ، مع أن هذا الطالب قد بذل جهوده الجبارة في سبيل تعلم هذه اللغة ويعتبره الناس بأنه صاحب الكمال والفضائل ومن أصحاب الأهليات والمؤهلات ، وفي مثل هذا البيئة المنحدة والحال المتدلية أصاب الأستاذ قلقه ولم يزل يزداد هذا القلق يوما فيوما إلى أن تقدم الأستاذ في نهاية المطاف وبدأ بما هو ينفع الناس من بدايته ولا يزال على دربه إلى أن شاء الله بعباده الخير ، أما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ـ 

مقاصد " المنهج المدني " المنشودة

(1) يكون أول الكتاب لكل الفن بلغة الأم ، حتى يتمكن الطالب من أن يدخل في الفن الجديد بكل يسر وسهولة ـ 

(2) لا يكون منهج التعليم يميل إلى الأردية ، بل هو يندفع إلى العربية ، كي يقدر كل أحد من طلاب العلم على فهم القرآن والسنة مباشرة بدون أن يحتاج إلى لغة سواها ، - ولا شك أن هذا هو المقصد الأساسي الرئيسي للتعليم في المدارس الدينية ، لا غير - ـ 

واعتبارا لهاتين الفكرتين الأساسيتين قد ألف الأستاذ حوالى 18 كتابا يتداوله الأساتذة والطلاب في معظم المدارس العربية والإسلامية في البلاد ولا يزال الشيخ يصنف كتبا كثيرة على مر الأيام وكر الليالي 

الكتب المطبوعة للمنهج المدني

(1) الطريق إلى العربية ( أما هذا الكتاب فلا ريب في جودته وندرته وإن وفاق المدارس العربية بنغلاديش – كبرى الهيئات التعليمية لهذه البلاد – قد أدخلت هذا الكتاب في الكتب الدراسية لمنهجها ولا شك أن هذا الكتاب ينصر الطلاب ويعينهم في فهم القرآن إلى حد مذكور )

(2) التمرين الكتابي على الطريق إلى العربية

(3) الطريق إلى الصرف

(4) الطريق إلى النحو

(5) الطريق إلى البلاغة

(6) الطريق إلى القرآن ( في أربع أجزاء )

(7) الطريق إلى تفسير القرآن الكريم ( في ثلاثة أجزاء )

(8) الطريق إلى الأردية

(9) الطريق إلى الفقه

(10) تيسير الفقه الميسر

(11) قصص النبين للأطفال مع الترجمة والتعليقات ( في ثلاثة أجزاء )

إبداع عمل قلما يوجد له نظير

بما أن الأستاذ يهدف أن يفهم الطلاب القرآن والسنة بدون الاستغاثة بأية لغة سوى العربية فبالنظر إلى هذه الفكرة الأساسية قد صنف الأستاذ كتاب " الطريق إلى القرآن " ( في أربعة أجزاء ) و " الطريق إلى تفسير القرآن الكريم " ( في ثلاثة أجزاء ) وأحسن الإيجاد ، إضافة إلى ذلك قد أتى الأستاذ في المجلد الثالث والرابع من كتاب " الطريق إلى القرآن " بعمل جسيم بعنوان " ملاحظات حول الترجمة " ، علَّه لا يوجد له نظير في كتب التفاسير المتقدمة قبل هذا التفسير ، وفي الحقيقة إن هذه خدمة جبارة للأمة المسلمة وتحفة عظيمة للمسلمين ، إنه الأستاذ قد بين تحت هذا العنوان أسلوب الترجمة وقارن بين التراجم المختلفة وأيضا صرح بأن أيَّةَ ترجمةٍ تليق بالقرآن وما لا تلائمه ، هكذا ذكر الأستاذ شتى الموضوعات تحت العنوان المذكور كي يتيسر للطلاب فهم القرآن بكل سهولة وعلى وجه البصيرة ـ 

اللهم بارك في حياته الطيبة واجعله في عيشة راضية وأنزل عليه شآبيب رحمتك الواسعة وتقبل مهماته بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا ، آمين !

 

المترجم : معصوم بالله غلزار

أستاذ كلية اللغة العربية بمركز الدراسة الإسلامية داكا

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024