نحن بحاجة إلى منهج تعليم جديد
قال الشيخ مولانا المفتي محمد شفيع – رحمه الله – في إحدى خطاباته:
قبل إنشاء باكستان كانت هناك ثلاثة مناهج تعليم سائدة في الهند (للمسلمين) منهج الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند ومنهج جامعة عليكر ومنهج دار العلوم ندوة العلماء وبعد قيام باكستان لسنا بحاجة إلى نظام التعليم الموجود في عليكر ولاندوة العلماء ولا حتى إلى منهج دار العلوم ديوبند، نحتاج إلى نظام تعليمي ثالث من شأنه أن يدمجنا في تاريخ وأسلافنا
قد يتجهم كثير من الناس عند سماع مثل هذه الكلمات. كيف يمكن لتلميذ دار العلوم ديوبند الحساس ورئيس الإفتاء لها أن يقول : إننا لا نحتاج حتى إلى منهج تعليم ديوبند في باكستان. بل نحن بحاجة إلى نظام تعليمي جديد؟!
غير أن مقال الشيخ شفيع العثماني حق وصحيح من حيث التاريخ والواقع . ونشأ سوء فهم كبير في الأوساط الدينية بسبب عدم إدراك الحقيقة التي صرح بها المفتي شفيع . إذ أن المناهج الثلاثة العلمية التي كانت سائدة في الهند لم تكن منهجا عاديًا ؛ وبل كانت رد فعل على الاتجاه المستوحى من بريطانيا واللجوء إلى وسائل بديلة فقط استجابة لمؤامرتهم وإلا فلن تجد وجود طائفتين مقسمتين تسمى المدارس الدينية والمدارس الرسمية قبل دخول البريطانيين إلى الهند. منذ بداية الإسلام وحتى الفترة البريطانية ، كان هناك في الهند منهح مزيج من التعليم الديني والدنيوي في جميع المدارس ولم تكن المدراس منقسمة كما هي الأن
وإسلامنا أيضا يقول : لا يجب أن يكون كل مؤمن عالماً ، بل هو فرض كفاية. أي أنه إذا تم إعداد علماء بالنسب المطلوبة في منطقة أو في بلاد يكفي هؤلاء العلماء للآخرين. ولكن المعرفة الأساسية للدين فرض عين على كل مسلم. لذلك كان هناك نظام معرفة الإسلام بقدر فرض العين للجميع في المدارس قبل السيطرة البريطانية . لم يكن هناك انقسام. فكان بإمكان كل مسلم أن يحصل على المقدار المفروض من الإسلام ثم يمكن لكل أحد يريد التقدم واكتساب الخبرة أن يفعل هذا ، سواء كان في مجال المعارف الدينية أو المسائل الدينيوية.
تراث الأسلاف في المغرب
لقد زرت المغرب فرأيت هناك في مدينة فاس جامعة باسم "جامعة القرويين" ، أما إذا قمت بمراجعة عن جامعات شهيرة في تاريخ الإسلام ، فإن أربع جامعات ستلفت انتباهك على سبيل الأساس. وفي الصف الأول توجد جامعة القرويين هذه، ثم جامعة الزيتونة بمدينة تونس ثم جامعة الأزهر بمصر ثم الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند، والتاريخ يقوم بترتيب كهذا ـ
على كل، فإن الجامعة الأولى هي جامعة القرويين في فاس بالمغرب، تم تأسيسها في القرن الثالث الهجري، وإنها واحدة من أقدم الجامعات في العالم بأسره ، وليس فقط في العالم الإسلامي. وهذه الجامعة منذ التأسيس تم بها تدريس المواد الدينية مثل القرآن والحديث والتفسير والفقه وما إلى ذلك. وفي نفس الوقت تم تدريس ما نسميه موضوعات دنيوية مثل الطب والرياضيات وعلم الفلك ، وما إلى ذلك ولدينا قائمة طويلة من الشيوخ ، بما في ذلك ابن خلدون وابن رشد والقاضي عياض، الذين كانوا يدرسون في هذه الجامعة. ولا يزال لدي أصحاب هذه الجامعة تاريخ يتحدث عن هؤلاء الأفاضل فيعلمون: أين كان يجلس ابن خلدون وقت التدريس وفي أي مكان كانت تتم درسة ابن رشد والقاضي عياض وابن العربي؟ هذه الجوانب من التاريخ لا تزال محفوظة معهم. إنها أقدم جامعة في تاريخ الإسلام وفيه تم تدريس جميع الكتب الدينية والمادية والغريب أن الجامعة تضم بعض عينات الاكتشافات العلمية في القرنين الثالث والرابع حتى الآن ولدى أبناء هذه الجامعة عينة مما اكتشفوه في الماضي ، بما في ذلك الساعات
تخيل القرن الثالث والرابع ، هذه جامعة ذاك الوقت، من ناحية تم فيها إنشاء فلاسفة مثل ابن رشد ومن جهة أخرى لقد ولد العديد من العلماء العظماء من أمثال القاضي عياض وابن خلدون
أي منهج تعليم كان هناك؟
كان بإمكان كل أحد أن يحصل على معرفة فرض العين أولا ثم إذا أراد أي شخص اكتساب المعرفة حول الدين ، فإنه سيجلس في فصل التعاليم الدينية لهذه الجامعة. أما إذا أراد شخص ما تدريس الرياضيات ، كان له فرصة ذلك أيضا. أما إذا أراد شخص آخر دراسة الطب ، فقد أتيحت له الفرصة. استمرت الإدارة بأكملها على هذا النحوـ
كانت إدارة جامعة الزيتونية في تونس وجامعة الأزهر في مصر مماثلة لإدارة جامع القرويين. هذه الجامعات الثلاث هي تاريخ ماضينا البعيد. هنا تم الحفاظ على نظام التعليم الديني والمادي كليهما ـ
ونحن إذا تصفحنا أوراق التاريخ. فكما سنرى سلوك الإمام القاضي عياض ولبسه ومظهره، سنرى حالة الإمام ابن خلدون في حالاته. لن نلاحظ أي فرق في كونهما عالما دينيا وماديا. الطريقة التي عاشوا بها ، طريقة تحركهم ، طريقة لبسهم ،طريقة تفكيرهم وتحدثهم هي نفسها. ننظر إلى حياة الفلاسفة والعلماء المسلمين المشهورين مثل الفارابي وابن رشد وأبو ريحان البروني وفي الوقت ذاته نلقي نظرة على أزياء الفقهاء ورجال الدين ، سنجد كلا الفرقتين بنفس الطريقة. كلاهما يصلي عالما بموضوعات الصلاة ، إذا عرف عياض مسايل الصيام ، فابن خلدون يعرفها أيضا، كان الجميع يحصل على العلوم المفروضة على كل مسلم في هذه الجامعة ـ
متى بدأ التقسيم في منهج التعليم؟
بدأ التقسيم عندما كان البريطانيون متآمرين في هذا البلد وفرضوا على الشعب نظام تعليم أبعدوه عن الدين وفي ذلك الوقت أسس علماؤنا دار العلوم ديوبند لصالح الحفاظ على العلوم الدينية بقدر فرض العين، أما دار العلوم ديوبند وخدماتها نادرة المثال إلا أن الحقيقة أن تأسيس دار العلوم ومنهجها كان مجرد فكرة بديلة لصالح الضرورة والواقع كان هو نفسه في جامعة القرويين وجامعة الزيتونة وجامعة الأزهر في الماضي فنحن إذا استقللنا عن الاستعمار البريطاني فصرنا بحاجة إلى منهج تعليم جديد ـ
مضار تقسيم منهج التعليم
أولا : لقد خلق نظام التعليم التقليدي اليوم (الموجود في الهند وباكستان وبنغلاديش كما كان في العهد البريطاني بكثير) خلق حتمًا مجموعتين في مجتمعنا. وهناك فرق كبير بين المجموعتين. وبسبب نقص التعليم الإسلامي في نظام التعليم الرسمي فإن معظم الطلاب في المدارس والكليات والجامعات الرسمية لا يعرفون - ما هي الأحكام التي يجب على كل مسلم معرفتها؟
ثانيًا ، تم دفعهم إلى الاعتقاد أنه إذا كنت ترغب في التحسن والتقدم ، فعليك أن تنظر إلى الغرب. تم تغيير حضارة المسلمين وباختصار قيل لهم إنه إذا كنت ترغب في التحسن في هذا العالم ، فعليك أن تتعلم التفكير كما يتفكر الغربيون. إذا كنت ترغب في التقدم، يجب عليك تحقيق حضارتهم في بيئتك
أخي العزيز! إنها نتيجة العبودية المدروسة التي أوصلتنا إلى هذه النقطة ، تم تغيير تفكيرنا ومواقفنا من خلال نظام التعليم التقليدي، وأيضا في البداية كان الغرض من التعليم المشاركة في رفاهية البلاد والأمة. ثم إذا كان هناك بعض سبل العيش من خلال هذا ، سيكون ثانويًا. كان الأساس هو الخدمة الإنسانية
ولكن اليوم أصبح الرأي معاكسًا تمامًا. أصبح كسب المال هو الغرض الرئيسي من المعرفة. الآن النقطة هي ، اكتساب هذا القدر من المعرفة بحيث يمكن انتزاع المزيد والمزيد من المال من جيوب الناس. ستعتبر معرفتك ومعرفتك مثمرة ومفيدة فقط عندما يمكنك كسب المزيد من المال أكثر من الآخرين.
فما دام هذا الوضع موجودًا، ولم نتمكن من استعادة تراث أسلافنا فسوف نعتني تمامًا بمدارسنا الدينية. سوف نحمي مبادئ ومثل دار العلوم ديوبند بنفس الطريقة التي تأسست بها مدارسنا. لكننا نريد لهذه الأمة أن تعود تدريجياً إلى تراثها وتختار منهج تعليم جديد يخلق في الأمة أمثال القاضي عياض وابن رشد وابن خلدون من جديد و من شأنه أن يدمجنا في تاريخ أسلافنا ـ