استعن بالله ولاتعجز....!

استعن بالله في الأمور ولا تعجز....!

بينما كنت جالسا في غرفتي يوم عرفة إذ رنّ جوالي، فإذا بشاشة الجوال يلوح عليها اسم استاذي المكرم فضيلة الشيخ المفتي محمد سلمان يسين -زيدت مكارمه- وعندما استلمت الاتصال فكان الشيخ يتكلم معي ويسألني عن أحوالي بصوته الجميل، وإذا به يقول : نظرا إلى غزارة المطر في البلد وتجمع المياه على الشوارع والحدائق والساحات فإن الهيئة الإدارية لمسجد عالمكير قررت صلاۃ عيد الأضحى في المسجد بدلا من الساحة، وكلفتٔ أنا بالإمامة للصلاة، وأرباب الحل يلحون علي بأن نعقد صلاة أخرى بعد ساعة في نفس مسجد عالمكير؛ لتفاقم أمر المطر وقلة الأمكنة للصلاة، قال : فلما استشاروني فيمن يصلي بالناس بالمرة الثانية اقترحت عليهم اسمك، و أثنيت عليك خيرا أمامهم،  فقبلوا ذلك ورضوا بأن تكون إماما لهم للصلاة الثانية يوم العيد، فأخذني من الهم ما أخذني، لا أجد في جعبتي من الكلمات ما تصفه، فأولا ترددت وأردت أن أعتذر إلى الأستاذ بأنه لم يسبق لي صلاة العيد بالناس ولو مرة في حياتي، لكن الشيخ قال متصلا: إن هذا أمر نهائي وٲنت الذي تصلي بالناس والله يسهل لك ويوفقك.... ثم انقطعت المكالمة الهاتفية....فلم يكن لي إلا الرضا والسمع والطاعة، فتوكلت على الله في جميع أمور تهمني بشأن الصلوة بالناس في مثل هذا المسجد الكبير، ولكني تيقنت بأن ربي عزوجل سوف يساعدني ويسهل لي هذا الخطب الجسيم، وتفكرت في الحديث الذي روي عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ لي رَسُولُ اللَّه ﷺ: يَاعَبدَالرَّحمن بن سمُرَةَ، لا تَسْأَل الإمارَةَ؛ فَإنَّكَ إن أُعْطِيتَها عَن غَيْرِ مسأَلَةٍ أُعِنْتَ علَيها، وَإنْ أُعْطِيتَها عَن مسأَلةٍ وُكِلْتَ إلَيْها، فاطمأننت أني كلفت بالإمامة عن غير سؤال فسيعينني الله تعالى. 

فأخذت فى استعداد الصلاة بالناس، ولما كان يوم العيد وقد غص المسجد بالمصلين، فأقيمت الصلاة الأولى خلف أستاذي المبجل، وأنا كنت أستمعها من بيتي حيث كان صوته يدركني ثم لما فرغ الناس من الصلوة الأولى خرجوا من المسجد آمّين حيوانات الأضحية ليضحوها لله سبحانه وتعالى و مكبرين مهللين متهللين بشرا وفرحا وسرورا ، إلى جانب قدوم طائفة أخرى من الناس في المسجد ممن لم يصلوا بعد لعيد الأضحى، وكذلك خرجت من بيتي متعمما لابس الثياب الجديدة،  شاكرا لنعمة الله علي مثنيا بها قابلا إياها متوجها إلى المسجد ويقلقني بدؤ الأمر العظيم، لكني استعنت الله بالدعاء و الحوقلة، ومشيت نحو المنبر قائلا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، فألقيت أولا خطبتي بالأردية محتوية على فضائل الأضحية و الدروس الملتقطة من مشروع الأضحية، وأردفته بكيفية صلوة العيد، ثم صليت بهم ركعتين مع الزوائد من التكبيرات الستة، وقرأت فيهما سورة الأعلى والغاشية، فعندما أنهيت الصلاة بفضل الله وكرمه قمت فيهم خطيبا، وسألت الله تعالى في نهايتها الفرج والنصر للإسلام وأهله كما أني سألته أن يدفع النقمة عن المسلمين المظلومين المضطهدين في كل مكان، خاصة في كشمير وسوريا وأفغانستان، ثم تقدمت بأجمل التهاني والتبريكات إلى الناس الذين صليت بهم بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، وحمدت الله وشكرته على هذه المكرمة التي ليس فوقها مكرمة، والتي كانت من باكورة صلواتي بالناس يوم العيد، فلن أنسى تلك اللحظات الجميلة العبقة إذ كان أصدقائي وأقربائي يتقدمون إلي بتهنئتين بمناسبتين، بمناسبة العيد، وبمناسبة أخرى هي أزكى وأحلى من الأولى، حيث تشرفت في هذه المرة بصلاة العيد بالناس، وما كانت هذه المكرمة وهذا الشرف عن جدارة واستحقاق لي،  بل إنما كان بفضل من الله ثم بفضل أستاذي وشيخي وحبي الذي أحسن الظن بي. 

وهكذا سنة الله تعالى في خلقه حيث لا يوفر فرص الخدمة للدين لمن أراد أن يتقدم، كما أنه من سنته كذلك أن لا يلزم أحدا ما يكرهه وما لا يشتاق إليه، حيث قال:"أنلزمكموها وأنتم لها كارهون"، وهو القائل في كتابه المحكم:" ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا".

فعلينا معشر العلماء والطلاب أن نتقدم كلما تسنت لنا فرصة لخدمة الدين أو الدعوة إليها ولا نعجز مهما صغرت أو عظمت في بادي النظر، ولا نتأخر بإلقاء المعاذير المختلفة الأنواع بشأن خدمة الدين، بل نستمد بالله العون واليسر والقبول ونتقدم، ولنعلم موقنين أن الله غني عنا وعن خدمتنا للدين، إن لم نقم بها عن رغبة وطلب فبإمكانه أن يستبدلنا بمن يقوم بها بكل رحابة صدر و ببالغ الشوق والرغبة، نسأل الله تعالى أن يستخدمنا لدينه المتين بالصدق والعافية والإخلاص في مشارق الأرض ومغاربها حتى يأتينا عليه اليقين.

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن

اكتب معنا


يمكننا نشر مقالك على شبكة المدارس الإسلامية، دعنا نجرب!

أرسل من هنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024