الإجازة السنوية .. كيف نستفيد منها ؟
جرت العادة في الجامعات الإسلامية والمعاهد الشرعية في بلادنا بانتهاء العام الدراسي من أواخر شهر رجب إلى أواخر شوال، فيتوقّف العمل التعليمى المقرّر في مدارسنا ثلاثة أشهر، وهي تعدّ أيام إجازة للمدرسين والطلاب وإن شئتَ سمّها أيام العطلة.
بهذا تتاح للمدرسين والطلبة فترةٌ مقدارها تسعون يوما وليلة، يمكن إنجاز الكثير من الأعمال خلالها، وما يؤسفنا أنّ هذه الأيام قد تضيع بلا استفادة مع أنها تعدّ من عمرنا وحياتنا، وبإضاعتها قد أضعنا قسطا كبيرا من الحياة كما أننا باغتنامها قد وفّقنا لاغتنام جزء كبيرء من العمر والحياة.
ولنعم ما قال الشاعر:
حياتُك أنفاسٌ تُعدُّ فكلّما
مضى نَفَسٌ أنقصتَ به جُزءًا
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: «نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِیهِما کثیرٌ مِن النّاس: الصِحَّه و الفراغُ». (رواه البخاري)
وقد قال بعضُ السلف: "من استوى يوماه فهو مغبون".
إنّ الوقت هو الحياة، وإن أهميته لا تخفى على أحد. وكل ما نراه من أعمال مفيدة وإنجازات كبيرة فهي ثمرات لجهود قوم اغتنموا الوقت واستفادوا منه. ولم يضيّعوا ساعات الحياة ودقائقها ولحظاتها، كما أنّ كل ما نراه من خيبة و خسران فهى من تبعات الغفلة وإضاعة الأوقات.
فالأوقات والفرص هي من نعم الله التى يمنحها لكل إنسان، ولها أهميّتها وقيمتها لدى كل عاقل بصير.
امّا أنتم أيها الطلاب الأفاضل، ينبغي لكم أن تعرفوا قيمة الوقت والزمن أكثر من أي طبقة وشريحة أخرى. كيف وإنكم بناة المستقبل وهداة الناس ومخرجوهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم.
ألاترون الفتن تزداد وتحيط بنا إحاطة السوار بالمعصم. ألا ترون الغزو الحضارى والفكري الذى يستهدف جيلنا المعاصر؟ ألا ترون التحديات السافرة التى تهدّد كيان المجتمع الإسلامى وتريد أن توهِن وتقوِّض دعائم الأخلاق والقيم في أمتنا؟ ألا تشاهدون النشاطات الهدّامة للأعداء التى لا تتوقف ولا تنقطع ولا تتخفف. فإذا كان الأمر كذلك فهل من مبرّر للتكاسل والغفله وتضييع الأوقات والاشتغال بما لا يعني ولا يفيد؟ ألا تكفينا وإياكم الإنذارات من المفكرين والناصحين والمصلحين. فهل من مدّكر، وهل من واعٍ، وهل من رجل رشيد؟!
انطلاقا من هذا ينبغي أن نجدّد النظر في أوضاعنا وأعمالنا ونبحث عن مواطن الضعف في جميع شؤوننا، ونعرف الداء معرفةً دقيقة ثم نبحث عن الدواء بحثا جادّا لعلنا نجد حلولا ناجعة لحاضرنا ومستقبلنا.
يجدر بنا أن نستخدم هذه الفرصة (الإجازة) لجبر ما فاتنا من العلم والعمل وإصلاح نفوسنا، وتحسين أوضاعنا. وهو ما يتطلب منا العزم والإخلاص والبرمجة والاستعانة بذوى الخبرات من المشايخ والأساتذة والزملاء.
ولعل الاهتمام بما يلى يسبّب تغييرا إيجابيّا فينا وفي المجتمع. والله وليّ التوفيق:
١. الخروج في سبيل الله والاتصال بعامة الناس وخاصتهم ودعوتهم وتذكيرهم وإنذارهم، لعلهم يحذرون.
٢. المشاركة في الدورات التدريبة لكسب المهارات اللازمة للعلماء والدعاة.
٣. ملازمة المشايخ المربّين ومجالستهم لإصلاح الأعمال والسلوك وتزكية النفوس.
٤. مدارسة كتب مفيدة في موضوع السيرة والتاريخ وحاضر العالم الإسلامى وحياة الصالحين مع شباب الأسرة والقرية والبلد.
٥. حفظ القرآن الكريم والعناية بالتجويد.
٦. مساعدة الوالدين وخدمتهما والحصول على دعواتهما، إذ يكمن في ذلك من الخير والبركة ما لا يعلمه إلا الله.
٧. القيام برحلات علمية داخل المحافظة وخارجها.
٨. مطالعة الكتب المفيدة التي صدرت من أقلام الأعلام والمفكرين وكتابة المقالات النافعة.
٩. الاهتمام بالعبادة والتلاوة والدعاء والاعتكاف في شهر رمضان المقبل.
١٠. اجتناب التوغّل في مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والأفلام والمسلسلات والبرامج المسلّية. وتحذير أفراد الأسرة والأصدقاء من هذا.
ولعلّ اللهَ يُحدِثُ بعد ذلك أمرًا. وهوالمستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الشيخ المفتي محمد قاسم القاسمي