أبو الكلام آزاد ودوره الفعال في الصحافة

هذه المقالة تتحدث عن حياة القائد الهندي الأعظم أبي الكلام آزاد و عن دوره البارز في مجال الصحافة وتحرير الهند من الاستعمار البريطاني .

 أبو الكلام آزاد شخصية بارزة ظهرت في آفاق الصحافة الإسلامية في بداية القرن العشرين وهو من أولاءك الصحفيين الذين أعطوا الصحافة هدفا ساميا ونمطا حديثا مؤثرا في الأسلوب والتوجيه وأصبحت صحافته نموذجا يُحتذى به في أوساط الناس يُضرب به المثال في معظم حياته في خدمة الصحافة.

أصدر عدة دوريات واشترك في هيئات تحرير صحف كثيرة  والدوريات التي كانت له إسهامات فيها هي "وكيل" و"الندوة" و"المصباح" و"دار السلطنة" وأصدر بنفسه "ينرك عالم" و"لسان الصدق" و"الهلال" و"البلاغ" كل جميع هذه الدوريات كانت باللغة الأردية ..

يمكن أن نقسم خدمته في مجال الصحافة إلى فترتين؛ فترة ما قبل إصداره الهلال و فترة الهلال والبلاغ.. أما الفترة الأولى التي أصدر فيها "ينرك عالم" و"لسان الصدق" في دوريات مختلفة كان يغلب علي كتابته في هذه الفترة طابع أدبي وأن الفترة الثانية برز فيها طابع ديني وهدف إسلامي خالص.. والواقع أن أبا الكلام يُذكر لصحافته في جريدتي الهلال والبلاغ..

 كانت مجلة "ينرنك" مجلة أدبية شعرية تحتوي على قصائد وأبيات فحسب. كانت لسان الصدق التي أصدرها بعد، نيرنك عالم تتسم بمسحة اجتماعية دينية أصدرها من كلكتا في 20 نوفمبر عام 1903 م واستمر صدورها إلى مايو  عام 1905 ثم توفقت.. اما مجلة الندوة و جريدة وكيل فإن أبا الكلام له إسهام كبير في رفع مستواهما وتوسيع نطاقهما. ذكر بعض الكتاب أن ابا الكلام آزاد كان قد أصدر مجلة عربية أيضا باسم الجامعة ..وكانت ترمي هذه المجلة إلي توجيه النقد إلي شريف حسين حينذاك ودعم مواقف الأسرة السعودية ولم تدم مدة صدورها...

"الهلال والبلاغ "

كان أبو الكلام قد قام بجولة واسعة في الأقطار الإسلامية  في العشرينات من هذا القرن وبعدما عاد من رحلته خطرت بباله فكرة إصدار دورية يمكن له عن طريقها إقامة الاتصال بالشعب فجاء إلى  كلكتّا وأصدر جريدة أسبوعية في ١٣ يوليو عام ١٩١٢ و سماها الهلال وهو الذي كان يتولى تحريرها.

بعد طلوعها استمر صدور جريدة " الهلال " إلى نوفمبر عام ١٩١٤ م ولكنها أوقفت من قبل الحكومة الإنجليزية بسبب بعض منشوراتها بحجة أنها تسبب الإثارة السياسية ولكنها ولدت من جديد في ۱۲ نوفمبر عام ١٩١٤ م وسماها أبو الکلام آزاد هذه المرة البلاغ ولكن البلاغ لم تستمر بعد ۳۱ مارس عام١٩١٤  م لأن حكومة ولاية بنغال أوقفتها و أجلت صاحبها من ولايتها بحجة  قانون حماية الأمن العام ، ولم يتمكن أبو الکلام آزاد من إعادتها حتى مضى أحد عشر عاما من توقفها لظروف متواترة كانت الهند تمر بها بسبب الحرب العالمية الأولى ولكنه أصدرها مرة ثالثة في ١٠ يونيو عام ۱۹۲۷ وسماها هذه المرة الهلال ولكن للأسف الشديد لم يستمر صدورها أكثر من ستة أشهر لأسباب قاهرة فأفلت الهلال للأبد . والواقع أنهما كانتا جريدة واحدة في المظهر والمحتوى والهدف ولٰكنها صدرت بأسماء مختلفة لبعض الأسباب القانونية المذكورة أعلاه ، ويمكن أن نعتبرها حلقات لسلسلة واحدة.

     كانت جريدة " الهلال " مكتوبا في واجهتها أية القرآن الكريم :{وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحْزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [1] وكانت تشتمل على ۱۷ صفحة تأتي في مقدمتها الكلمة الافتتاحية ثم يليها ركن " فكر و حوادث" ثم يليها ركن الانباء عن العالم الاسلامي ويتعاقبه ركن البحوث و المقالات و يأتي بعد الاسئلة و الردود عليها

         كانت جريدة " البلاغ " مكتوبا على واجهتها آية من القرآن الكريم {هَـذَا بَلَـغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا۟ بِهِۦ وَلِيَعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا هُوَ إِلَـهٌ وَحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـبِ} [۲] وكانت اعمدتها الرئيسية تتكون من الكلمة الافتتاحية والأسوة الحسنة ومقالات وبحوث والمذاكرة العلمية والشئون الاسلامية والتاريخ وباب التفسير والأسئلة والرد عليها ومؤلفات جديدة والمختارات والاثار العتيقة .

       أما الهدف الأساسي من اصدار هاتين الجريدتين فكان الدعوة إلى الاسلام القديم الأصيل كما صرح به أبو الکلام آزاد موضحا هدف إصدار جريدته " الهدف الأساسي من إصدار جريدة " الهلال " هو الدعوة إلى التمسك بكتاب الله تعالى واتباع سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من حيث أن تخضع حياة المسلم كلها لهذا المبدأ . و أنها تستمد موقفها السياسي أيضا من هذا المبدأ، وأنها تؤمن بأن المسلمين اذا استعادوا فيهم الروح القرآني من جديد يلمسون في أنفسهم جوهرهم الأصيل المفقود فإن الوظيفة الأساسية لها هي إحياء رسالة الإسلام ومحاولة جادة لإيجاد دعوة صحيحة له فان كان التوفيق حليف " الهلال " فإنها تدعو المسلمين إلى دعوة قرآنية محضة وتفتح طريق تعاليم حقيقة الأسلام . "(٣)

 الصحافة عند أبي الكلام آزاد وأسلوبه البديع فيها :

 أبوالکلام آزاد قد كانت له غاية أسمى وهدف سام في اشتغاله بالصحافة ولم يرد بطريق صحافته التجارة وكسب المال . بل كانت له نظرة خاصة في الصحافة لا تخرج كتاباته عن هذه الوجهة أصلا؛ فقد كان يعتقد أن الصحافة وظيفتها البناء ودعم المثل العليا ونشر رسالة سامية وخدمة الامة  والوطن.

 أما السياسة فهو كان يعزز موقف المؤتمر الوطني (National Congress)في السياسة الداخلية وخاصة في إجلاء الانجليز عن البلاد وبقي على موقفه طول حياته، وكان دائما يؤيد حركة الخلافة (Khilafat Movement)، وكان له دور فعلی في إنشاء اتفاق بين حركة الخلافة وحزب المؤتمرالوطني. وأما في السياسة العالمية فكان يدعم فكرة جمال الدين الأفغاني ودعوته لاتحاد العالم الإسلامي.

 أما اسلوبه في الصحافة فكان من جهابذة الأدب والبلاغة في اللغة الأردية خاصة .وكني عن جدارة بأبي الكلام(Father of Words)وكان أديبا ذا صيت وشاعرا مبرزا وخطيبا ماهرا وكان يعد من أركان الأدب الهندي في ذلك العصر . وكان في كتابته تأثير عجيب فريد ، وكان في معظم الأحيان يحدث اهتزازا في مشاعر المسلمين عبر القارة الهندية بمجرد تحريك ريشة القلم .

 أما خدمات جريدتي " الهلال والبلاغ " فأذكرها موجزة فيما يلي :

  إنشاء تذوق القرآن الكريم

     من أهمها إنشاء تذوق القرآن الكريم وحثٌّ على الإقبال عليه وقامت بدور فعال مؤثر في هذا المجال في حين أن الشباب كانوا في ابتعاد عن المصادر الأصيلة للإسلام،  وكانت البلاد منجرفة في تيارات الحضارة الغربية العلمانية الكافرة.

 ففي مثل هذه الظروف الصعبة جاءت صحافة " الهلال " ونادت بهم للعودة إلى الاسلام والاطلاع المباشر على نافورته الأولى . وكانت هذه الدعوة مؤثرة فعلا وتلقت قبولا فوق المتوقع من الشباب.

الرد على البدع والمحدثات

ومنها الرد على البدع والمحدثات ، لعبت الجريدتان دورا ناجحا في مجال محاربة البدع والخرفات | التي سارت في المجتمع الإسلامي ، وكان قد فتح أبو الکلام جبهة مستقلة في صفحات جرائده لمكافحة البدع والخرفات السائدة في الأمة الإسلامية . يكتب عبد المنعم التمر بهذا الصدد ما نصه :

" الهلال " ومن على مثيرها يدعو المسلمين إلى التحرر العقلي والسياسي ويوقظ الروح الدينية ويبين للمسلمين حقيقة دينهم ونظرته للحياة وتشريعه الكامل لكل أحداثها

محاربة الاستعمار

 ومنها محاربة الاستعمار والسعي لتحرير البلاد، أبو الکلام آزاد كان قد كرس دورياته لكتابات صريحة ضد الإنجليز وضرورة السعي لطردهم من البلاد وكانت كلماته المؤثرة بمثابة الهيب في الهشيم إذ تعم ناره البلاد كلها من أدناها إلى أقصاها في وقت قصير جدا لعبت هاتان الجريدتان دورا فعليا في إيجاد التقارب بين سكان البلاد على اختلاف دياناتهم وكان مولانا آزاد يرى بضرورة التقارب والتحالف بين المسلمين و الهندوس ليكونوا  يدا واحدة في وجه الكيان الأجنبي وتلقت دعوته التي لم يزل ينشرها عبر دورياته قبولا عاما في أوساط المسلمين وزادتهم إقبالا على المشاركة في السعي لتحرير البلاد وطرد الإنجليز عن الهند.

بعض المنشورات الشهيرة في جريدتي " الهلال " و " البلاغ "

(١) الجهاد في الاسلام

(۲) حادثة استشهاد مسجد كانبور

(٣) الدين والسياسة

(٤) المدارس الاسلامية

(٥) حكومة الشورى والاسلام

بعض كتاباته البديعة :

(١) مرة قال موضحا نظام الحياة الاسلامي :

" الإسلام جد أبي في مبدأ التوحيد ولن يرضى الاتباعه الذين خضعوا على عتبته أن يتسولوا على باب غيره ، أما حياة المسلمين كانت دينية أو اجتماعية أو سياسية أو غيرها فيقدم كل جوانبها قانونا کاملا مستقلا ومن وضع يده في يد الله عز وجل استغنی عن غيره تماما"

(۲)  يكتب مرة مبينا أهمية القرآن :

لم ينزل القرآن الكريم لان يفسر للمسلمين أحكام الوضوء والصلوة فحسب بل جاء كنظام كامل يضمن لأتباعه الفوز والفلاح ولا يخرج عن دائرة الخضوع ای جانب من الحياة البشرية فان ای موقف من مواقف المسلمين اذا لم يكن قائما على التعاليم القرآنية فإنه لن يحقق لهم الفوز والفلاح "[5]

وكتب في أحد اعداد " الهلال": 

" تنوء من في أن كل فكر مستورد و غير مستمد من القرآن الكريم كفر صريح "[6]

وهذه الأمثلة قد نقلت من الأردية لبيان أسلوبه في الكتابة ولكن الحقيقة أن الترجمة تفقد الكلمة وروعتها البلاغية وتكون قاصرة في تمثيل أسلوب الكاتب لذا من المعترف أن اسلوبه البديع أكثر بلاغة وأعلى رتبة مما قد ذكر أعلاه

________

(۱) آل عمران : ۱۳۹

(۲) ابراهيم : ۰۲

(٣) جريدة الهلال : عدد ۲۲ ستمبر عام ۱۹۱۲ م

(٤) جريدة الهلال : عدد ۸ عتمبر عام ۱۹۱۲ م

(٥) جريدة الهلال : عدد ۲۳ أكتوبر عام ۱۹۱۲ م

(٦) جريدة الهلال : عدد ۱ ستمبر عام ۱۹۱۲ م

مصادر أخرى:

(١) الصحافة الاسلامية في الهند تاريخها و تطورها :  سلیم الرحمن خان الندوی

(۲) المسلمون في الهند لأبي الحسن علي الحسني الندوي

ظهير الحسن الصديقي

طالب في كلية الطب سلجر، آسام؛الهند
متخرج في في أصول الدين من الجامعة الاسلامية دار العلوم بديوبند،الهند
مجموع المواد : 1
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025