بقلم :
أحمد فرحات
يمكنك القراءة في 6 دقائق و 26 ثانية
يعتبر الدكتور محمد أيوب تاج الدين الندوي، أحد رموز الجيل الإسلامي الحديث، المهتمّ باللغة العربية، والأدب العربي، وتاريخ الثقافة العربية في الهند. تؤكّد ذلك مؤلفاته ودراساته وتخصّصه الأكاديمي، فضلاً عن عمله كمدرّس للّغة العربية في جامعة دلهي، ثم لاحقاً، في الجامعة الملّية الإسلامية في نيودلهي، حيث يعمل الآن رئيساً لقسم اللغة العربية وآدابها فيها. ومن مؤلّفاته نذكر: "شعر العرب.. من النهضة إلى الانتفاضة"، "العربية الأساسية" (مجلدان)، "الشعر والشعراء في الأدب العربي الحديث"، "محمد الحسني: حياته وآثاره"، "كتيّب حول نجيب محفوظ"، "المجتمع الإسلامي: بناؤه وملامحه"، "الصحافة العربية في الهند".. وله ما يزيد على خمسين بحثاً ومقالة في العديد من المجلات الهندية والدولية، وبخاصة في بريطانيا والولايات المتّحدة.
في إطار عمله الأكاديمي الجامعي، درّس الندوي الأدب العربي الحديث، شعراً ونثراً، وكذلك الترجمة من العربية إلى الإنجليزية.. وبالعكس. كما درّس قواعد اللغة العربية، والبلاغة، وعلم الأصوات والدلالات والإشارات. كما عمل ترجماناً للبرلمان الهندي، خصوصاً مع الوفود البرلمانية الآتية إلى الهند من دول عربية.
يتمتّع الندوي بعقلية ثقافية موسوعية، ترافق دوماً حراك ما يجري في العالمين العربي والإسلامي، ثقافياً وسياسياً. وكذلك هو يحاضر ويشارك بجدل علمي متفوّق، في مسائل تتعلّق بحوار الحضارات والأديان في العالم، ولاسيّما في الجامعات ومراكز التفكير الأميركية.
على هامش مؤتمر دولي خاص بالمفكر الإصلاحي الإسلامي التركي، بديع الزمان النورسي، عقد في العاصمة الهندية نيودلهي، كان التقى كاتب هذي السطور بالدكتور محمد أيوب تاج الدين الندوي، وقد أهداه العديد من كتبه ودراساته المتميّزة، ومن بينها كتابه: "الصحافة العربية في الهند.. نشأتها وتطوّرها". والكتاب يتألف من بابين مركزيّين: الأول، ويتضمّن نظرة عابرة في نشأة اللغة العربية وتطوّرها في الهند.. والثاني يختصّ بتاريخ الصحافة العربية والصحافة الإنجليزية والأردية في هذا البلد العريق والمتنوّع. كما يتناول المؤلف، وبدراسة تحليلية، الجرائد والمجلات في الهند من مثل: "صوت الشرق"، "دعوة الحقّ"، "صوت الأمة"، "الثقافة"، "الرابطة الإسلامية" وغيرها.. وغيرها.
بداية الصحافة العربية في الهند
نعرف من الكتاب أن الصحافة العربية في شبه القارة الهندية، كانت قد ظهرت متأخّرة، أي بعد ظهور نظيراتها باللغات: الإنجليزية والفارسية والأردية، وذلك لأسباب عدّة منها، أن المسلمين في الهند، كانوا ومازالوا، ينظرون إلى اللغة العربية على أنها لغة مقدّسة، حيث نزل بها القرآن الكريم، وفيها الأحاديث النبوية الشريفة، وكان جلّ اهتمامهم بالتفسير والحديث والفقه وما إليها.. وكان منهم القليل من يتقنها، إلا أنها لم تلقَ رواجاً في الهند، كالفارسية مثلاً، لأنها لم تكن لغة الحكومة والديوان في أيّ وقت. كما لم تكن لغة للعامة أيضاً. ولهذا لم يقدم أحد على إصدار مجلة باللغة العربية إلا بعد ظهور الصحافة الإنجليزية والفارسية والأردية وبعض اللغات المحلّية الأخرى في الهند.
وهناك سبب يتعلّق بالطباعة، فالطباعة العربية ظهرت في الهند مع الطباعة الفارسية والأردية، ولكنّها كانت محصورة في البداية على طباعة الكتب الدينية. وبعد ذلك قام الهنود بإصدار العديد من المجلات والجرائد باللغة العربية. وتعتبر جريدة "النفع العظيم لأهل هذا الإقليم" أول جريدة عربية في شبه القارة الهندية، والتي صدرت في مدينة لاهور. وكان لهذه الجريدة أثر فعّال في انتشار اللغة العربية وتطوّرها في لاهور وما حولها. وقد قام بتأسيس هذه الجريدة شمس الدين عظيم، وشجّعه على ذلك وجود مطبعة لدى والده محمد عظيم. وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 1871 صدر العدد الأول من هذه الجريدة، وكان الشيخ مقرب علي، رئيساً للتحرير فيها.. وكان جي دبليو لايثير (G. W. LAITHIR) المسجّل في جامعة البنجاب من المشرفين عليها.
وكانت هذه الصحيفة تصدر في ثماني صفحات، وبعدما زاد عدد قرّائها، بدأت تصدر في عشر صفحات. وكانت تطبع على الحجر في مطبعة بنجاب في لاهور. وكانت هذه الجريدة تميل لنصح الأديب سيد أحمد خان، خصوصاً في مجال دعوته للتركيز على المقالات التعليميّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة..إلخ، من الموضوعات التي تهتم بتقدم البلاد، علمياً وثقافياً واجتماعياً. هذا بالإضافة إلى اهتمام الجريدة بالتراث الأدبي، حيث كانت تنشر قصائد من الشعر العربي القديم ومقالات عدّة عن الشعراء القدامى المشهورين.
كما كانت تهتمّ بنشر الجديد من الموضوعات، وكانت تستفيد في هذا من الجرائد الإنجليزية التي كانت تترجم بعض مقالاتها الجيّدة، وتنشرها على صفحاتها.
ظلّت جريدة "النفع العظيم لأهل هذا الإقليم" تصدر بانتظام حتى العام 1885، أي عام وفاة محمد عظيم، صاحب المطبعة التي كانت تقوم بطباعتها، ووالد مؤسّسها. وبعدها صارت تصدر بتقطّع إلى أن توقف إصدارها نهائياً قبل نهاية العام 1885. وكان من أهمّ أهداف هذه الجريدة: 1- نشر اللغة العربية حتى يتمكّن الجميع من تفهّم الأحكام الشرعية المدوّنة بهذه اللغة. 2- التعريف بالعلوم العربية باللغة العربية في الأوساط العلمية الهندية. 3- محاولة تعريف رجال الدين المسلمين في الهند بالموضوعات والمشكلات المعاصرة ليدركوا من خلالها مسؤولياتهم.. ولتنفتح كذلك آفاقهم الفكرية. 4- تسهيل تعليم العربية لمسلمي الهند.. هذا علاوة على الأهداف الإصلاحية والتعليمية الأخرى التي كانت تهدف إليها الجريدة.
جريدة مولانا أبو الكلام آزاد
بعد "النفع العظيم لأهل الإقليم"، لم تظهر في الهند جريدة عربية أخرى إلا بعد مدّة طويلة، لا تقلّ عن عشرين عاماً. ففي العام 1902 صدرت مجلة عربية باسم " البيان" من مدينة لكنو، حيث قامت بدورٍ ملموس في إيجاد بيئة مناسبة للكتابة بالعربية في الهند، ونالت قبولاً عاماً في الأوساط الثقافية في البلاد العربية. غير أن السيد سليمان الندوي (المتوفى في العام 1957) يذكر بأنه كانت هناك جريدة عربية في الهند صدرت قبل "البيان" بفترة بسيطة، باسم "الرياض"، إلا أنه توقف إصدارها بسبب تدهور أحوالها المادية.
وذكر الباحث أديب مروه إن أول مجلة في الهند هي جريدة "الهلال"، والتي أسّسها مسعود حسن الزبيدي في العام 1927. غير أن هذا الرأي بعيد عن الصواب، ذلك لأن جريدة "النفع العظيم لأهل الإقليم" كانت صدرت قبلها بكثير، أي في العام 1871، ولم تصدر قبلها أيّ جريدة عربية في الهند. وبناءً عليه نستطيع القول إن جريدة "النفع العظيم لأهل هذا الإقليم" هي أول جريدة عربية صدرت في الهند، بالمعنى التأريخي للكلمة.
في العام 1923 صدرت جريدة رابعة باللغة العربية في الهند باسم "الجامعة" في مدينة كلكتا. وكان يقوم بالإشراف عليها مولانا أبو الكلام آزاد. وقد اهتمّت هذه الجريدة بالنهضة الإسلامية في سائر أرجاء البلاد.. علاوة على الشؤون السياسية والصراعات التي كانت تدور بين الاستعمار البريطاني من جهة وحركات التحرّر في شبه القارة الهندية من جهة ثانية.
وفي العام 1932 صدرت مجلة "الضياء" في مدينة لكنو، وكان لها الدور الأبرز في توطيد العلاقات بين البلدان العربية ومسلمي الهند. كما عملت على إيقاظ الوعي الإسلامي في نفوس مسلمي العالم الآسيوي برمتهم. و"الضياء" عُدّت في ما بعد بأنها رائدة الصحافة العربية في شبه القارة الهندية، بداعي أنها ظهرت حينما كانت اللغة العربية في الهند فريسة الجمود والركود.
وكانت هذه المجلة، كما يقول أيوب تاج الدين الندوي، عبارة عن "مجموعة علم جم، وأدب بارع، ومعرفة واسعة. وكانت طلية الأبحاث، وفصيحة العبارة، وواضحة النهج، وعنواناً من عناوين العروبة الناهضة".
في العام 1950 صدرت مجلة "ثقافة الهند"، وهي فصلية قام بإصدارها المجلس الهندي للعلاقات الثقافية في نيودلهي، واهتمّت بتعريف الشخصيات الهندية ذات المكانة المرموقة، ليس في نفوس أهل الهند فقط، وإنما على مستوى عالمي، ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر: أبو الكلام آزاد، المهاتما غاندي، طاغور، السيد سليمان الندوي، جواهر لال نهرو.. إلخ.
كما كانت المجلة، ولا تزال، تنشر المزيد من المقالات المعمّقة حول آداب اللغات الهندية المختلفة، ومختلف ألوان الفنون الجميلة والمسرح، وتقوم بإلقاء مزيدٍ من الضوء على الثقافة الهندية المتنوّعة عن طريق الترجمة.
وفي العام 1955 أصدر المفكّر والمصلح الديني الهندي محمد الحسني مجلة "البعث الإسلامي"، واسمها يدلّ عليها، وهي لا تزال تصدر بانتظام حتى اليوم، لما لها من أثر فعال في الأوساط العلمية والأدبية في شبه القارة الهندية والبلدان العربية. وتنشر المجلة موضوعات تتنوّع ما بين الأدب والاجتماع والتاريخ والسياسة والدعوة إلى الفكر الإسلامي الصحيح.
هذه هي أبرز المنابر الصحافية العربية التي صدرت، ولايزال بعضها يصدر، في الهند. وكان لها، ولا شكّ، الفضل الذي لا ينكر في نشر اللغة العربية في تلك البلاد المترامية الأطراف.. مع تعزيزٍ بالتأكيد للتراث الديني الإسلامي المشترك بين العرب والهنود.
ولقد أفادت بلادنا العربية من هذه الصحف والمجلات الهندية أيضاً، خصوصاً عندما كانت شخصيات فكرية هندية/عالمية، تنشر فيها مقالات وأبحاثاً تنبّه العرب وحكّامهم من الخطر الأجنبي الذي يدهمهم، وضرورة أن يتنبّهوا له قبل فوات الأوان، وذلك مهما غلت التضحيات وازدادت.. وأولى الأخطار التي نبّه إليها المفكّرون الهنود العرب، هو ما كانت تفعله بريطانيا بحقّ فلسطين والفلسطينيّين، من اغتصاب لأرضهم، وطردهم منها، وإحلال كيان بديل منها: إسرائيل التي هي "ليست عدواً للعرب فقط، وإنما للمسلمين جميعاً على امتداد جغرافيتهم الواسعة" بحسب تعبير أبو الكلام آزاد.
_____
الرابط المختصر للمصدر: http://cutt.us/sarhind