هل ينقصك مثلما ينقصني!؟
إن من أجمل الأمور لدي في هذه الدنيا هو الصراحة في الكلام، فإن الصراحة تجمل كلاما ظاهرا وباطنا، والمجاملة تجمل الكلام ظاهرا، لكنها تدمره باطنا، فهي صفة ممدوحة، ومستحسنة، يجب على الناطق اختيارها في مقاله، وفي منطقه، فإذا جعل صفة كلامه الصراحة، فكأنه وصف نفسه بأجمل صفة، ويصبح صريحا، أما لو جعل صفة كلامه مجاملة، فكأنه وصف نفسه بالمجاملة، ويصبح هو مجاملا، فإنها صفة ممدوحة أم غيرها؟ إن هذا القرار لا يقوى أحد بأخذه مباشرة، وذلك لأن الأمزجة مختلفة، فالبعض منها يقبل كلاما مجملا كصفة ممدوحة، والبعض الآخرون لا يقبلونه قطعا، بل يضعونه في محل ذم، وقد يتجاوزون في وضعه حيث يقولون: إن المجاملة في الكلام في الحقيقة خدعة، وكأنهم يقولون بألسنتهم: إنه من جامل أحدا في كلامه، فكأنه خدعه، فهذا رأيه، أما رأيي فهو بين بين...
الخلاف في الآراء من حسنها وجمالها، ما دام الخلاف مجرد خلاف دون أن يتعدى إلى شجار عنيف، ومناقشة ساخنة، وإنني أميل إلى صراحة في الكلام، وأفضله على المجاملة فيه، والسبب في ذلك أن الصراحة تعلم المقابل ما ينقصه من أمور دون خوف، فيتعلم منها المقابل ما ينقصه، ويصلح أحواله، وعلى العكس المجاملة، فإنها تشعر المقابل ما ينقصه، بل تشعره بأنه إنسان كامل، ولا ينقصه شيء، فمن هنالك يدخل في مسيرة الهلاك، حيث إنه يعتقد أنه ليست له أية حاجة إلى أي عمل، يتداركه، فيبقى كما هو، فلذا أحب الصراحة دون المجاملة...
ثم في الصراحة راحة أيضا، فإنني دوما أحاول أن أتدارك ما ينقصني في مجالات شتى، ولا أحب أن أتظاهر بما ليس عندي، فلما تفكرت فيما ينقصني من الأمور، فإني أعددت قائمة طويلة من أمور تنقصني، وأحاول كل يوم آخذ واحد منها ،وأتدارك به، ثم بعض الأمور منها لم تكتمل في يوم واحد، بل تحتاج إلى وقت أطول، فأطول، وينبغي لكل واحد أن لا ييأس فيها، بل ينوي ويعزم ويحاول عمليا، فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ يوفقه، وينصره، ولا يستعجل في ثمارها مبكرا، فإن ثمارها تنضج بعد تعب شديد، وتستغرق وقتا في نضجها...
فلما أخذت تلك القائمة والتي سميتها قائمة الأمور التي تنقصني، فعلمت أن ما ينقصني من بينها هو عدم معرفة اللغة الإنجليزية كما ينبغي، وفي تلك الساعة ما كان عندي عمل، فأحببت ملأ ذلك الفراغ بعمل ينفعني، فأخذت صفحة وقلما، وبدأت التفكير في كتابة جملة باللغة الإنجليزية، فتفكرت في أي يوم أنا، فكان ذلك اليوم هو يوم الاثنين، فكونت جملة باللغة العربية من كلمة يوم الاثنين، حيث قلت: بداية الأسبوع من يوم الاثنين" فنقلت هذه العبارة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية كاتبا: (The Beginning of the on Monday) ثم نطقت هذه العبارة في وجوه أكثر من عشرة رجال، وكلما كنت أرددها، وأنطقها بلساني، فكانوا يسألوني ترجمتها مباشرة، فكنت أترجمها لهم باللغة العربية قائلا: ترجمتها هي بداية الأسبوع من يوم الاثنين" ولم أكن مباليا بأن الترجمة التي قمت بها هي ترجمة صحيحة أما أنها خاطئة؟
ثم لم أكتف بنطقها، بل وجهت بالغ اهتمامي إلى كتابتها أيضا، فكتبتها بحروف إنجليزية أكثر من ثلاثين مرة، والتي هي حسب ظني لا شيء لمتعلمها، بل يجب عليه تكرار كتابتها، حتى يتقنها ويحفظها حفظا، ثم كلما يحتاج إلى هذه العبارة ينطقها دون أن يلجأ إلى التفكر فيها، ولا أقصد بأن لدي رغبة فيها أكثر من رغبتي بتعلم اللغة العربية، فإني أصارح الجميع بأن هدفي ومقصدي هو إتقان اللغة العربية، وقد جعلتها وسادتي ولحافي في حياتي، فلا ولن أتخلف من هدفي هذا، أما اللغة الإنجليزية فهي أتعلمها قدر الضرورة، حتى أفهم كلام الناس، فإن معظمهم يذكرون في كلامهم كلمات إنجليزية، فمثلي لا يفهمها مباشرة، فلذا بدأت أتعلمها، ووضعت لتعلمها خطة محكمة، وهي أنه يجب علي كل يوم تعلم عبارة جديدة كتابة ونطقا، حتى أصطاد صيدين بحجر واحد، والنتيجة سوف أنالها ولو بعد مدة...