الفقيد الراحل الشيخ محمد عبدالوهاب ـ نور الله مرقده ـ

لكن في النهاية إن الدنيا هذه فانية كما يقال: إن الدنيا ليست وفية، فإن تركتها وأنت فيها فجيد، وإلا سوف تتركك قبل أن تتركها، فحزنت لما تلقيت نبأ وفاة ذاك الذي أفنى حياته كلها في سبيل إحياء الدين في العالم كله، وأعد رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا للقيام بجهد إحياء الدين في العالم كله، وقد توفي ـ رحمه الله تعالى فجر اليوم التاسع من ربيع الأول عام 1440هــ الموافق 18 /11/2018م، فبكيت...

لا شك أن البقاء في هذه الدنيا ليس إلا لله سبحانه وتعالى، وإن كل من جاء إلى هذه الدنيا فمجيئه لم يكن للبقاء الأبدي، وإنما جاء ليستظل شجرة الدنيا كمسافر، عدة لحظات، ثم يرحل إلى منزله الذي لن يرجع منه المسافرون أبدا إلى هذه الدنيا، لكن خاب وخسر ذاك المسافر الذي رجع صفر الأيدي دون أن يحصل هدفه، فنحن كذاك المسافر، ما جئنا إلى هذه الدنيا إلا لنزرع أعمالا صالحة لآخرتنا، فمن أتعب نفسه في زرعها وهو في الدنيا يجد راحة الآخرة وهو في قبره...

وهدف قدومنا إلى هذه الدنيا لم يكن لأجل الدنيا، وإنما كان لأجل الدين حيث أن الله سبحانه وتعالى قال في كلامه المجيد: فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز" فكل واحد منا يتمنى أن يكون مزحزحا عن النار، فلذا يتعب نفسه في سبيل أن تكون حياته ناجحة في دنياه و آخرته...

وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت..." والذي فهم هذا الحديث وقضى حياته وفق هذا الحديث فوالله هو الذي نجح في دنياه وفي آخرته، فالله سبحانه وتعالى ببركة دينه يمنحه دنياه فوق تصوره، فيعزيه من بين أوساط الناس، ويرفع من شأنه وهو في هذه الدنيا الفانية...

فماذا رأيك ذاك الذي عمل لما بعد الموت طوال حياته، وليس هذا فحسب، بل أفنى حياته في سبيل أن يجعل الآخرين يتمكنون من زراعة شجرة تثمرهم بعد وفاتهم وهم في قبورهم! فطبعا إنه أفضل بكثير من الذي يعمل لأجله، ولم يكن عنده فكرة للآخرين...

إنه هو الشيخ محمد عبد الوهاب ـ رحمه الله تعالى ـ الذي لم يكن ولادته في باكستان، وإنما ولد في دلهي بالهند عام 1922م، ولقد صاحب منذ شبابه الشيخ محمد إلياس (ت: 1944م) رحمه الله تعالى، واستفاد منه استفادة كاملة، ثم بعد وفاته لازم ابنه الشيخ محمد يوسف (ت: 1965م) واستفاد منه أيضا، وقد ظل طيلة حياته ينشر علومه ومعارفه، ثم صحب الشيخ إنعام الحسن (ت: 1995م).

فكان من أجل خلفاء الشيخ عبدالقادر رايبوري (ت: 1965م)، فمنذ استقلال باكستان بدأ الشيخ عبدالوهاب جهد الدعوة في باكستان عام 1947م، ولقد أفنى حياته كلها في هذا الجهد المبارك، وضحى تضحيات كبيرة حتى انتشر جهد الأنبياء على يديه في جميع أنحاء العالم... حيث بدأت الجماعات تخرج من مركز الدعوة والتبليغ رائيوند إلى أنحاء العالم كله...

والذي أدهشني هو أنه لم يكن فكرته حول كسب الدنيا، وإنما كانت فكرته دولية حيث أنه دائما كان متفكرا في إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الدين والإسلام، فكم من الناس الذين خرجوا في الدعوة والتبليغ تغيرت وجهة حياتهم، وفهموا مقصد حياتهم في هذه الدنيا...

لكن في النهاية إن الدنيا هذه فانية كما يقال: إن الدنيا ليست وفية، فإن تركتها وأنت فيها فجيد، وإلا سوف تتركك قبل أن تتركها، فحزنت لما تلقيت نبأ وفاة ذاك الذي أفنى حياته كلها في سبيل إحياء الدين في العالم كله، وأعد رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا للقيام بجهد إحياء الدين في العالم كله، وقد توفي ـ رحمه الله تعالى فجر اليوم التاسع من ربيع الأول عام 1440هــ الموافق 18 /11/2018م، فبكيت وأنا جالس وحدي في الغرفة إلا أنني سليت نفسي بقول الله سبحانه وتعالى: فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. فالشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ قد رحل من هذه الدنيا وقضى نحبه، فنحن أيضا يوما من الأيام نرحل من هذه الدنيا...

وسيصلي عليه اليوم الشيخ نذر الرحمن ـ حفظه الله ـ بعد صلاة المغرب يوم الأحد في ميدان الاجتماع العالمي في رائيوند...

أسأل الله تعالى أن يرضى عنه ويرفع درجاته في أعالي الجنان وأن يجمعه وإيانا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وأن يجمعنا تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأن يوفقنا جميعا للقيام بجهد إحياء الدين في العالم كله. آمين.

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 507
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025