لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة!!!

وصف الإمام الغزالي رحمه الله حكيم الأمة أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم وطبق بين الأحاديث المتعارضة في أخلاقه الشريفة تطبيقا مناسبا يوافق مزاج الشريعة، وهذا الموضوع ينبغي أن يكتب بماء الذهب، ويعلق على أستار الكعبة.

بيان جملة من محاسن أخلاقه
التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار

فقال[الإمام الغزالي رحمه الله في إحياء علوم الدين(2364)]: كَانَ [رسول الله] صلى الله عليه وسلم أَحْلَمَ النَّاسِ، وأشجع الناس، وأعدل الناس، وأعف الناس؛ لم تمس يده قط يَدَ امْرَأَةٍ لَا يَمْلِكُ رِقَّهَا، أَوْ عِصْمَةَ نِكَاحِهَا، أَوْ تَكُونُ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْهُ.
وَكَانَ أَسْخَى النَّاسِ، لَا يَبِيتُ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ؛ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيهِ وَفَجَأَهُ اللَّيْلُ لَمْ يَأْوِ إِلَى مَنْزِلِهِ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْهُ إِلَى مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط، من أيسر ما يجد من التمر والشعير، وَيَضَعُ سَائِرَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَى قُوتِ عَامِهِ فَيُؤْثِرُ مِنْهُ؛ حَتَّى أَنَّهُ رُبَّمَا احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء.
وَكَانَ يَخْصِفُ النَّعْلَ، وَيُرَقِّعُ الثَّوْبَ، وَيَخْدِمُ فِي مهنة أهله، ويقطع اللحم معهن، وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ حَيَاءً؛ لَا يَثْبُتُ بَصَرُهُ في وجه أحد، ويجيب دعوة العبد والحر، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن، أو فخذ أرنب، ويكافيء عليها، وَيَأْكُلُهَا وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَلَا يَسْتَكْبِرُ عَنْ إِجَابَةِ الْأَمَةِ وَالْمِسْكِينِ، يَغْضَبُ لِرَبِّهِ وَلَا يَغْضَبُ لنفسه، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه.
وعُرض عليه الانتصار بالمشركين على المشركين، وهو في قلة وحاجة إلى إنسان واحد يزيده في عدد من معه فأبى، وقال: "أنا لا أنتصر بمشرك"، وجد من فضلاء أصحابه وخيارهم قتيلاً بين اليهود، فلم يحِفْ عَلَيْهِمْ، وَلَا زَادَ عَلَى مُرِّ الْحَقِّ؛ بَلْ وَدَاهُ بِمِائَةِ نَاقَةٍ، وَإِنَّ بِأَصْحَابِهِ لَحَاجَةً إِلَى بَعِيرٍ وَاحِدٍ يَتَقَوَّوْنَ بِهِ.
وَكَانَ يَعْصِبُ الْحَجَرَ على بطنه مرة من الجوع، ومرة يَأْكُلُ مَا حَضَرَ، وَلَا يَرُدُّ مَا وَجَدَ، ولا يتورع عن مطعم حلال، وإن وَجَدَ تَمْرًا دُونَ خُبْزٍ أَكَلَهُ، وَإِنْ وَجَدَ شِوَاءً أَكَلَهُ، وَإِنْ وَجَدَ خُبْزَ بُرٍّ، أَوْ شعير أكله، وإن وجد حلوًى أَوْ عَسَلًا أَكَلَهُ، وَإِنْ وَجَدَ لَبَنًا دُونَ خبز اكتفى بِهِ، وَإِنْ وَجَدَ بِطِّيخًا أَوْ رُطَبًا أَكَلَهُ، لا يأكل متكئاً ولا على خوان، منديله باطن قدميه، لَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ بُرٍّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ، حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى إِيثَارًا عَلَى نفسه؛ لا فقراً ولا بخلاً.
يجيب الوليمة، ويعود المرضى، ويشهد الجنائز، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس، أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا، وَأَسْكَنَهُمْ فِي غَيْرِ كِبْرٍ، وَأَبْلَغَهُمْ فِي غَيْرِ تَطْوِيلٍ، وَأَحْسَنَهُمْ بِشْرًا، لَا يهوله شيء من أمور الدنيا، ويلبس ما وجد؛ فمرة: شملةً، ومرة: برد حبرة يمانياً، ومرة: جبةَ صوف، ما وجد من المباح لبس. وخاتمه فضة، يلبسه في خنصره الأيمن والأيسر، يردف خلفه عبده أو غيره، يركب ما أمكنه، مرة: فرساً، ومرة: بعيراً، ومرة: بغلة شهباء، ومرة: حماراً، ومرة: يمشي راجلاً حافياً بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة.
يَعُودُ الْمَرْضَى فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ، يُحِبُّ الطِّيبَ، ويكره الرائحة الرديئة، وَيُجَالِسُ الْفُقَرَاءَ، وَيُؤَاكِلُ الْمَسَاكِينَ، وَيُكْرِمُ أَهْلَ الْفَضْلِ في أخلاقهم، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم، لا يَجْفُو عَلَى أَحَدٍ، يَقْبَلُ مَعْذِرَةَ الْمُعْتَذِرِ إِلَيْهِ، يمزح ولا يقول إلا حقاً، يضحك مِنْ غَيْرِ قَهْقَهَةٍ، يَرَى اللَّعِبَ الْمُبَاحَ فَلَا ينكره، يسابق أهله، وترفع الأصوات عليه فيصبر.
وكان له لقاح وغنم يتقوت هو وأهله من ألبانها، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس، ولا يَمْضِي لَهُ وَقْتٌ فِي غَيْرِ عَمَلٍ لِلَّهِ تَعَالَى، أَوْ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِنْ صَلَاحِ نَفْسِهِ، يَخْرُجُ إِلَى بَسَاتِينِ أَصْحَابِهِ، لا يحتقر مسكيناً لفقره وزمانته، وَلَا يَهَابُ مَلِكًا لِمُلْكِهِ، يَدْعُو هَذَا وَهَذَا إِلَى اللَّهِ دُعَاءً مُسْتَوِيًا.
قَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ السِّيرَةَ الْفَاضِلَةَ وَالسِّيَاسَةَ التَّامَّةَ وَهُوَ أُمِّيٌّ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ، نَشَأَ فِي بلاد الجهل والصحارى في فقره، وَفِي رِعَايَةِ الْغَنَمِ يَتِيمًا لَا أَبَ لَهُ وَلَا أُمَّ؛ فَعَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَمِيعَ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ، وَالطُّرُقِ الْحَمِيدَةِ، وَأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَمَا فِيهِ النَّجَاةُ وَالْفَوْزُ فِي الْآخِرَةِ، وَالْغِبْطَةُ وَالْخَلَاصُ في الدنيا، ولزوم الواجب وترك الفضول.

وَفَّقَنَا اللَّهُ لِطَاعَتِهِ فِي أَمْرِهِ وَالتَّأَسِّي بِهِ فِي فِعْلِهِ آمِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

شمس الدين الصديقي

مدرس، طالب، تلميذ، معلم
مجموع المواد : 60
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024