مدينة (تتة) بباكستان، وقصة رحلتي إليها
سافرت مع زميلي في شهر يناير من هذه السنة (1439هــ -2018م) إلى مدينة التته، التي هي إحدى مدن إقليم السند، فوقفت في طريقي على بعض الأمور لا تخلو من فوائد أحببت أن أنشرها في شبكة المدارس الإسلامية لكي يطلع عليها من لم يعرف تلك المدينة فأقول:
قبل عام كان السفر مع طلاب المدرسة إلى المنتزه "كهارو" الذي يبعد من كراتشي على بعد مسافة ستين كلومتر، فشاهدنا خلال السفر الأمور الشاقة لما كان الطريق تحت الإنشاء. أما اليوم فلقد تم إنشاء الطريق الواصل إلى تهته بل سمعت أنه واصل إلى محافظة "بدين".
ركبت على الدراجة النارية مع زميلي، وذلك صباحا في الساعة السابعة والربع، فواصلنا السير حتى نزلنا نحو الساعة الثامنة صباحا إلى محطة البنزين، فعبأت البنزين وقلت لزميلي: حان دورك في السياقة، فأخذ دوره.
فلما عبرنا كراتشي على الدراجة النارية فرأينا عند بوابة كراتشي إحدى السيارات قد اصطدمت فكان الجرحى مضطجعين على الرصيف، منتظرين للإسعافات الأولية، فاقشعر جلدي عند سماع الآنات والآهات من الجرحى، فلم يمض وقت قليل إلا وقد اجتمع حوله جم غفير من الناس، فكل من كان يشاهد ذاك المنظر مباشرة كان ينزل من السيارة كي يطمأن على الجرحى.
فلما سألت أحد المارين عن سبب الاصطدام، فأخبرني أن السيارة قد فشل كابحها، فلذا اصطدمت، المهم، قدر الله ماشاء، فبدأنا السفر من جديد باهتمام أدعية السفر كي يكون الوصول بسلامة، وقد لا يكون كما شاهدناه.
ثم واصلنا السير حتى وصلنا مدينة كهارو" نحو الساعة التاسعة ، فنزلنا في مطعم لتناول الفطور، فكان المطعم نظيفا وواسعا، فالفطور أيضا كان لذيذا، فأنا اكتفيت بفطيرة وبيض، أما زميلي فبما أنه كان يحتمي من الأطعمة الدسمة طلب فطيرة جافة مع القشدة، ثم شرب كوب اللبن فوقه، أما أنا فحسب العادة شربت كوب الشائ.
ثم بدأنا سفرنا من جديد، فلما شاهدت الطريق الواسع المزدوج فقلت في نفسي: ليت الحكومة تسعى إلى إنشاء طريق واسع لسلامة الركاب والسيارات.
فنزلنا نحو تمام الساعة العاشرة صباحا في مقبرة "مكلي" التي تقع قرب مدينة "تته"، وهي تغطي حوالي ثمانية كيلومترات من مساحة، وهي مدفن للعديد من الملوك والملكة والعلماء والنفايات والفقه والجلالة والشعراء والمغول والفلاسفة والجنرال. فبناء تلك القبور فيها يعكس الثقافة التاريخية ويدل على مهارة الفنانين في ذاك الوقت، وتنقسم المقابر الموجودة هنا إلى فترتين تاريخيتين. فالفترة الأولى التاريخية هي من 1352م إلى 1520م، والفترة الثانية من 1556م إلى 1532م.
ولا أتردد هاهنا في ذكر بناء تلك المقبرة، فإنها قوية جدا، إضافة إلى أن المواد الإنشائية المستخدمة فيما أرى بنوعية عالية جدا، ولذا بعد مضي مدة طويلة من الزمن لا يزال باقيا.
لا شك أن صفحات التاريخ قد طوت في طيها تاريخ هذه المقبرة الثقافية التاريخية، وكل عام الآلاف من الناس يأتون إلى هذه المقبرة لرؤيتها، وهي أكبر مقبرة في آسيا.
خلال زيارة هذه المقبرة رأينا أحد الإخوة جالسا على الأرض، وأمامه سلة مغطاة، وبجنبه كان الحيوان مربوطا، يدعى النمص، فهو عرض علينا عرض العراك بين الحية والنمص بخمسين روبية، فقبلناه، وشاهدناه أول مرة في حياتي، فالعراك لم يستمر مدة أطول، بل في عدة ثوان قضى النمص على الحيَّة نهائيا.
ثم انطلقنا نحو مسجد "شاهجان" فتاريخه أيضا محفوظ في صفحات التاريخ، فإنه قد بناه الملك المغول شاه جان عام 1647-49ـ وقد بنيت 93 قبة في هذا المسجد، ولقد تم بناءه بطرية يرتجّ صوت الإمام في المسجد كله دون أي جهاز مكبر الصوت، ويتميز بالحسن والجمال وبالهندسة المعمارية في بناء القبة، ولا يزال تحفة مثيرة فنية من الهندسة المعمارية.
ثم توجهنا إلى مقبرة الشيخ مخدوم محمد هاشم التتوي رحمه الله رحمة واسعة، فزرنا مقبرته، وعثرنا على لوحة جدارية مكتوب عليها عن الشيخ مخدوم محمد هاشم التتوي، فأحببت أن أنقل نفس العبارة إليكم:
"بسم الله الرحمن الرحيم
حجة الإسلام والمسلمين حجة الله في الأرضين قطب العارفين ملجأ الفقهاء والمحدثين الشيخ الكبير العلامة الفهامة السيد المخدوم محمد هاشم بن عبدالغفور السندي التتوي الحنفي القادري- المتوفى 1174ه الموافق 1760م، -روَّح الله روحه وأفاض علينا فتوحه ونور الله مرقده- ولو قيل لي: من في الرجال مكمل لقلت الهادي إلى الله المخدوم أبو عبدالرحمن. لقد كان بحرا في الشرائع راسخا ولا سيما في علم الفقه والتفسير والسنن، وحاز علوما لا تحصى في حيطة قلم، وهل يحصر الكتاب ما حاز من فنن، فيا رب السر الذي وهبته تمن علينا بالمواهب والفطن".
وأحببت أن أزور المكتبة التي تدخر مخطوطاته، لكن من سوء الحظ لم أتمكن من زيارتها لسبب ما، وهو أن ذاك اليوم كان يوم الجمعة، فكنا أيضا مستعجلين نوعا ما حتى ندرك الجمعة في مسجد الطريق، فخرجنا وعدنا من حيث جئنا أعني من المقبرة إلى الطريق، وواصلنا السفر.
ثم بدأنا سفر العودة إلى كراتشي وفي الطريق شاهدنا اصطداما آخر وهو أننا رأينا سائق الدراجة النارية طريحا على الأرض، ولعل سيارة ما قد ضربته، لكنه بفضل من الله ومنه قد نجا من الموت، ومن الجرح العميق، أما الخدوش فقد أصابته.
ثم عند العودة أثناء الطريق بدأ بطني يقرقر فقلت لزميلي: ما رأيك نتغدى في مطعم ما ثم نرجع إلى المدرسة، فنزلنا مرة أخرى في مطعم بجنه مسجد، فصلينا صلاة الظهر ركعتين لما كنا مسافرين شرعيين، فطلبنا الطعام، لكن هذه المرة زميلي أثبت اقتصاديته حين طلب صحن خضروات وصحن لحم دماغ جاموس، فتناولنا ثم أنا بمفردي أردفت كوب الشائ.
ثم انطلقنا مرة أخرى حتى بدأت مباني عالية وعمارات فخمة وكنا نمر من بين زحمة السيارات على الطريق إلى أن وصلنا بسلامة وعافية إلى المدرسة، فهذا كان سفري اليوم مع زميلي.