التمثال ليس من ثقافة بنغلاديش !
لابد من الاعتراف بأن الإجراءات التي قام بها العلماء في بنغلاديش من مظاهرة نحو تحطيم تمثال "سيدة العدالة" الذي وضع العام الماضي أمام المحكمة العليا ببنغلاديش، شغلت الرأي المحلي العام، وأصبحت حديث الخاص والعام في المجالس الدينية وغير الدينية.
خرج المئات من أعضاء وأتباع مختلف الجماعات الدينية إلى الشوارع في عدد من المدن الكبرى في بنغلادش، للمطالبة بإزالة التمثال، وهدد قادة "حفظت اسلام بنغلاديش"، وهي جماعة تتألف من معلمين، وطلاب مدارس يناضلون من أجل قانون التجديف، بتنظيم مظاهرة في أنحاء البلاد (يوم ১০ آذار/ مارس المقبل)، ما لم يتم إزالة التمثال فوراً.
وطالبت هذه الجماعة الدينية بإزالة تمثال المرأة معصوبة العينين التي ترتدي الساري وتحمل الميزان في يد، والسيف في يديها الأخرى، مشيرين إلى أن التمثال الذي يمثل الآلهة اليونانية ثيميس معاد للإسلام. وقال عزيز الحق أحد قادة الجماعة للمظاهرة التي نُظمت عقب صلاة الجمعة (الجمعة ২৪ شباط/ فبراير২০১৭م) في مدينة شيتاغونغ الساحلية: "نحن لا نمنع الهندوس والبوذيين والمسيحيين من عبادة الأوثان... لكننا لن نسمح أبداً بوجود أي تمثال أمام مبنى المحكمة العليا التي بجانبها المصلى الوطني." وأضاف عزيز الحق، أنه لن يسمح بوجود هذا التمثال، أو الصنم في أي مكان في بنغلاديش ذات الأغلبية المسلمة. ونظمت الجماعة أيضاً، مظاهرة أخرى في العاصمة دكا. يذكر أن أكثر من ৯০ في المائة من سكان بنغلاديش البالغ عددهم ১৬০ مليون نسمة من المسلمين.
وطالب العلماء رئيسة الوزراء شيخة حسينة بإزالة هذا التمثال عندما التقى بها العلماء في حفلة اعتراف المدارس الأهلية. حتى إن رئيسة الوزراء شيخة حسينة تحدثت مع قاضي القضاة في إزالة هذا التمثال، ولكن هناك ضجة استنكار شديد من الملحدين الذين يؤيدون الأصنام والتماثيل في الحوار التلفزيوني على المحطات التلفزيونية. إذ يحاولوا إقناع رئيسة الوزراء بالتوقف عن قرارها في إزالة هذا التمثال الذي يحمل قدسية لدى أتباع "بوذا" في العالم.
وكانت له مكانة تاريخية من قديم، ولكن فشلت المفاوضات، ورفض الجانب الحكومي إلغاء القرار، والتوقف عن هدمه على أساس أنه – قبل كل شيء – صنم يعبد، يقدس، والإسلام ليس فيه مندوحة عن عبادة غير الله، مهما كان ذلك الغير صنما أو وثنا أو إنسانا أو قبرا، يحمل صفحات الطهر والعظمة والقوة والحكم.
أنتج إصرار العلماء والمسلمون العامة على تنفيذ قرارهم غضبة عالمية لدى الملحدين المعادين للإسلام، إلا أن العلماء ثابتون على موقفهم نحو القضية، ولا يحيدون عن قرارهم مثقال ذرة، وسيكملون ما أزمعوا عليه من تحطيم هذا التمثال، وإزالة هذه المعلمة الشركية التي كانت مدعاة إلى الشرك والوثنية، ومشجعا على عبادة غير الله تعالى، وداعيا إلى حضارة الأوثان والأصنام في مستقبل الأيام، ولو على مستوى محدود.
هذه الظاهرة الخطيرة انتشرت في سائر العالم على وجه عام وفي مجتمع بنغلاديش على وجه خاص انتشار النار في الهشيم، نجد الرجل عندما يريد أن يطبل له الناس ويكسب لنفسه شعبية كبيرة يسخر لسانه وقلمه ويده ومنصبه لتوجيه الشتائم إلى الإسلام والمسلمين. ثم يبدأ يزيد المعجبون والمخدوعون به من الناس من طبقات ومستويات وثقافات مختلفة. هذه الظاهرة الخطيرة قد انتشرت وتفشت في مجتمع الملحدين. فهم عندما يريدون أن يتشهروا في المجتمع ويذيع له صيته وشهرته على سائر العالم ينالون من الإسلام وأحكامه وأتباعه، وهذا ليس جديدا، فلا يمر على المسلمين يوم أو ليلة إلا ويقوم فيه الملحدون بالهجوم على الإسلام.
أخيرا نقول : إن الغيرة الإيمانية التي ظهرت من صفوف هؤلاء العلماء في قضية كسر الأصنام، والثبات التي تجلى من خلال موقفهم المتصلب تجاه القضية إن كانت تدل على شيء فإنما يدل على ما يتمتع به العلماء من إيمان راسخ، وعقيدة خالصة عن جميع الشوائب المادية، بعيدة عن كل مصلحة دنيوية، وذلك هو شأن المؤمن الموحد الذي نضج فكره الديني، وكمل عقله الإيماني، ولم يقف في طريقه شيء من المصالح والمطامع، ولم يرض بأي مساومة في هذا الشأن، وتعرضت له مشكلة من هذا النوع تذكر أن الله تعالى قد أمر نبيه محمد صلى الله تعالى عليه وسلم بأن يعلن، ويصرح بأنه لايعبد إلا الله، ويؤكد عبادة الله تعالى في جميع الأحوال والظروف، وذلك بالرغم مما هو معلوم أن ظروف الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة في فجر التاريخ الإسلامي كانت صعبة قاسية، وكانت حكمة الدعوة تقتضي – في ظاهر الأمر – أن لاتكون هناك مجاهرة أو إعلان، ولكن الله سبحانه وتعالى أبى إلا أن يؤكد عبادة الله تعالى، يرفض عبادة غير الله، ويعلن عن ذلك، فأمر نبيه صلى الله تعالى عليه وسلم أن يخاطب الكافرين، ويقول لهم :
"لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد من عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دين".