كيف نطالع كتاب (الهداية) ونستفيد منه؟
كثيراً ما يسأل الأساتذةَ تلاميذُهم، كيف نطالع الهداية في الفقه الحنفي؟ وكيف نستفيد منه؟ وبأي شرح نستعين في حله وفهمه؛ فنستطيع تطبيق أحكامه في زماننا هذا؟
فاعلم أيها الطالب العزيز – وفقك الله – أن ((الهداية)) كتاب في الفقه المقارن. قارن فيه المؤلف بين مذاهب الفقهاء من حيثُ النقلُ والعقلُ، فيجب علينا أن نطالع متنها بتأنٍّ وتفكّرٍ، ونفهم معانيه ومطالبه، ونهضم ما فيه من المسائل والأحكام، ثم نحل دلائله النقلية على ضوء أصول الحديث ووجوه الاستدلال، ودلائله العقلية على ضوء أصول الفقه.
نطالع لحل الكتاب وفهم معانيه ومطالبه ((حاشية الهداية)) للإمام اللكنوي رحمه الله تعالى، المطبوعة بهامش الهداية من النسخة الهندية، وكذا ((الكفاية)) للشيخ جلال الدين الخوارزمي رحمه الله تعالى، و((العناية)) للعلامة أكمل الدين البابرتي رحمه الله تعالى، وهما من أحسن شروح الهداية فقهاً، و((البناية)) للإمام بدر الدين العيني رحمه الله تعالى، وهو من أنفع شروح الكتاب حلاً لغوامضه، ثم جمعاً بين أبحاث الفقه وأبحاث الحديث. ولكن شيخ الإسلام العلامة المفتي محمد تقي العثماني حفظه الله تعالى أدرج ((البناية)) في الكتب الغير المعتمدة التي لا يجوز الإفتاء بمسائلها؛ لأنه وإن كان متداولاً بين الناس لكن نسخه مليئة من الأخطاء المطبعية بما تعسر منه فهم المراد، وربما ينقلب المعنى. (انظر: أصول الإفتاء لشيخ الإسلام، صـ 181، و 2/84 من شرحه ((المصباح)) لكمال الدين الراشدي)
ونطالع للاطلاع على الدلائل ووجوه الاستدلال والنقد والتبصرة على الدلائل ((فقح القدير)) للعلامة المحقق ابن الهمام رحمه الله تعالى، وهو من أمتن شروح ((الهداية)) وأبرعها.
ونطالع لتخريج الأحاديث ((نصب الراية)) للعلامة المحدث جمال الدين الزيلعي رحمه الله تعالى، و((الدراية)) للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى، و((منية الألمعي فيما فات من تخريج أحاديث الهداية للزيلعي)) للعلامة قاسم بن قطلوبغا رحمه الله تعالى. هذا وينبغي لنا أن نطالع مع هذه التخاريجِ الكتبَ التي عُنيت بذكر أدلة الحنفية من الأحاديث والآثار، مثل ((عقود الجواهر المنيفة)) للعلامة الزبيدي رحمه الله تعالى، و((آثار السنن)) للعلامة ظهير أحسن النيموي رحمه الله تعالى، و((إعلاء السنن)) للشيخ ظفر أحمد العثماني رحمه الله تعالى، أو ((جامع أحاديث الأحكام)) وهو متن إعلاء السنن طبع من مصر مفرداً، و((فقه السنن والآثار)) للمفتي عميم الإحسان المجددي البنغلاديشي رحمه الله تعالى، و((أدلة الحنفية)) للشيخ عبد الله بن مسلم البهلوي رحمه الله تعالى، و((الفقه الحنفي وأدلته)) للشيخ أسعد محمد سعيد الصاغرجي، و((الفقه الحنفي في ثوبه الجديد)) للشيخ عبد الحميد محمود طهماز، و((خلاصة الآثار)) للأستاذ عبيد الله الفاروق حفظه الله تعالى، وما إلى ذلك.
ونطالع لتطبيق مسائل ((الهداية)) – غير مسائل العبادات – بمقتضيات العصر الراهن وأحوالها ((عطر الهداية)) واسمه الكامل ((تطهير الأموال في تحقيق الحرام والحلال)) للشيخ فتح محمد اللكنوي رحمه الله تعالى، ((أنوار الهداية)) – بالأردية – للمفتي كمال الدين الراشدي حفظه الله تعالى، وغير ذلك من الكتب للمؤلفين المعاصرين في قضايا فقهية معاصرة.
وبما أن الإمام المرغيناني رحمه الله تعالى يذكر في كتابه أقوال الأئمة الثلاثة الحنفية – أبي حنيفة وصاحبيه – وغيرهم، هناك يسأل بعض الطلبة، بأي قول نأخذ؟ وعلى أي قول نعمل؟ وما هو القول المفتى به؟ والجواب أن صاحب ((الهداية)) كان نفسه من أصحاب الترجيح، كما عدّه منهم ابن كمال باشا. وقد ذكرنا في بحث آداب الإمام المرغيناني وعاداته في كتابه أنه يؤخر دليل المذهب الذي هو المختار عنده، كذا في ((النهاية)) في آخر كتاب أدب القاضي، وفي ((العناية)) في باب البيع الفاسد، وفي ((فتح القدير)) في كتاب الصرف، وفي ((نتائج الأفكار)): من عادة المصنف المستمرة أن يؤخر القوي عند ذكر الأدلة على الأقوال المختلفة؛ ليقع المؤخر بمنزلة الجواب عن المقدم، وإن كان قدّم القوي في الأكثر عند نقل الأقوال. انتهى. وهذه علامة خاصة لمعرفة القول الراجح. ولكن الإمام المرغيناني رحمه الله تعالى رجّح في بعض المواضع ما هو خلاف القول المفتى به، فلذا يجب علينا أن نراجع إلى شروح ((الهداية)) مثل ((فتح القدير)) لابن الهمام و((البناية)) للعيني))، وإلى كتب الفقهاء المتأخرين، مثل ((البحر الرائق)) لابن نجيم و(رد المحتار)) لابن عابدين الشامي وغير ذلك.
ثم إنه اعتنى بعضهم ببيان الأقوال الرجحة في المسائل المختلفة بين الأئمة الحنفية، فقد طبع حديثاً كتاب في ذلك، اسمه ((ترجيح الراجح بالرواية في مسائل الهداية)) بتحقيق الشيخ المفتي غلام قادر النعماني.
ومن الجدير بالتنبيه أن بعض إخواني الطلبة يكتفون في حل الكتاب بحاشية الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى، وفي تخريج الأحاديث بالدراية لابن حجر رحمه الله تعالى؛ لأن مطابع ديارنا طبعت هذه الحاشية وذلك التخريج بهامش ((الهداية))، ولكن هذين الكتابين لا يكفيان لحل الكتاب وتخريج الأحاديث. فإن الإمام اللكنوي رحمه الله تعالى وإن كان أعلم أهل عصره بأحاديث الأحكام، إلّا أن له بعض آراء شاذة لا تقبل في المذهب، واستسلامه لكتب التجريح من غير أن يتعرف دلائلها لا يكون مرضياً عند من يعرف ما هنالك، كما قال ذلك فيه العلامة زاهد الكوثري رحمه الله تعالى. (انظر: مقدمة نصب الراية للكوثري، صـ 49)
والحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى لخّص ((نصب الراية)) وسمّاه ((الدراية))، لكن الحافظ رحمه الله تعالى – على ما قاله الإمام أنور شاه الكشميري رحمه الله تعالى – ما أجاد في تلخيصه، كما كان يُرجى من براعته في التنقيح والتحرير، وعلوّ كعبه في التلخيص، وغادر كثيراً من غرر النقول التي ما كان يحرى تركها. (مقدمة نصب الراية للعلامة يوسف البنوري، صـ 12)
(هذا جزء من كتابي ((الإمام المرغيناني وكتابه الهداية)) الذي لم يُطبع بعد، أسأل الله سبحانه وتعالى أن ييسر لي أو لأحد من خلقه طبعه، والله الموفق.)
___________
محفوظ أحمد: كاتب إسلامي، خطيب في لندن.