رسالة الحبّ
إنه يحول الأعداء إلى الأخلاء ويحلّ محلّ البغض والشحناء الصداقة والإخاء، ويجعل من ...
إن الحبّ "إكسير" يذوب فيه الحقد كما يذوب الملح في الماء وعصا سحرية تسخر القلوب المتحجرة الجافة والطبائع المتمردة العاصية وتسوقها إلى أي جهة تشاء.
إنه يحول الأعداء إلى الأخلاء ويحلّ محلّ البغض والشحناء الصداقة والإخاء، ويجعل من الفئتين المنفصلتين المتحاربتين قلباً واحداً وجسداً واحدا إذا اشتكى منه عضو اشتكى سائر الجسد بالسهر والحمى ﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصلت : 34 ، 35)
فإذا استعرضنا المجتمع الإسلامي في القرن الأول وجدناه مشرقا بنور من الحبّ والأخوة والسلام،والتاريخ الإسلامي حافل بأمثلة رائعة من هذه الناحية يندر نظيرها في تاريخ الأمم الأخرى،وإذا فكّرنا اليوم في أحوال المسلمين وأمعنّا النظر في الأوساط الدينية والهيئات الإسلامية واستعرضنا هذه المشكلات التي تعترض الركب الإسلامي في كلّ مكان،رأينا أن سبب ذلك هو عدم العناية بالحبّ والاستهانة بأهميته في الدّين الإسلامي وضرورته للمجتمع الإنساني.
فليتّخذ شبابنا المسلم شعاره الأول "الحبّ والإخلاص" ، ومهمّته الأولى إذاعة الحب بين الناس حتى تنجلى تلك الظلمات الكثيفة التي أحاطت بالمسلمين هذه الأيام،فهو حجر زاوية في بناء الإسلام ، نادى به القرآن العظيم وندب إليه الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- وعمل به المسلمون في القرون الأولى.
وقد تتضاعف أهميته إذا رأيناه من ناحية مصلحة الدعوة وحكمة الدعوة.
أنت لاتستطيع أن تحمل الدعوة الإسلامية بين الناس وتدعوهم إلى الدين الحق وقلبك لم يذق حلاوة الحبّ.
إن المنطق والقانون لايجذبان القلوب ولايقنعان الوجدان، إنهما يهزمان الرجل ويصرعانه وربما يحدثان فيه بعض النقمة وبعض الحقد وبعض المقت تجاه هذه الدعوة،فالشيئ الذي تنجذب إليه القلوب كالمغناطيس وتهوي إليه الأفئدة ويخضع له الجبابرة هو الحب والإخلاص.
إذا تحدثت مع رجل وألقيت عليه ألف دليل وأحرجته بألف سؤال، وشرحت الأمر شرحاً بسيطا، وقلبك جاف غليظ، ولسانك قاطع كالسيف،وكلماتك حادة كالسهام المسمومة، أبعدته عن الهدف وملأت قلبه غيظا، ولو لم يستطع أن يرد عليك جوابا.
وإذا لقيت رجلاً في الطريق وألقيت عليه كلمة خيرواحدة بلا دليل ولا برهان،وبلا مناقشة ولاإسهاب وعلى شفتيك ابتسامة حلوة، وصدرك ممتلئ بالحب وقلبك عامر بالإيمان، كسبت قلبه،وقرّبته إلى الهدف،ولوأنه لم يبد رضاه في هذا الحين وأنكر هذه الكلمة،فإنه سيؤمن يوما من الأيام،لأنك قدغرست في قلبه بذرة ستؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربها.
إن المجتمع الحديث في الشرق والغرب قد أنكر لهذا الحب الطاهر،ولم يعرف قيمته واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، إنه لايعرف حبا أشف وأسمى،وأطهر وأنقى، من هذا الحب المادي ولايعرف هدفه الصحيح.
فإذا رفعنا هذا اللّواء من جديد،وحملنا هذه الدعوة الكريمة إلى الإنسانية أحسنا إليها وأمسكنا بيدها في أشدّ ساعات الحرج، ومنعنا من التفكك والانهيار.
إن هذه الحياة الميكانيكية الجمادية التي تدور كالرحى في كلّ مكان،إن إنسان القرن العشرين الذي رضي بأن يكون ألة صماء تدور ليلاً ونهاراً، يكسب المال لينفقه وينفقه ليكسب أكثر منه، إن الحياة العائلية والاجتماعية التي أصبحت اليوم في الغرب جحيماً لايطاق،إنها كلّها تحنّ إلى قطرة من الحبّ كما تحنّ الأرض المجدبة إلى قطرة من الماء.
فأنجدوها أيّها المسلمون المحبّون بهذا الحبّ الذي آثركم الله به.