(السَّنَةُ) و(العَام) في القرآن الكريم
(السَّنَةُ) و(العَام) في القرآن الكريم ناصر عبود قاسم البريد الإلكتروني: naser_altameme@yahoo.com بالرغم من الاختلاف الواضح بين كلمة (سَنَة) و(عَام) في القرآن الكريم إلا أننا لا نفرق بينهما، ونلفظهما حسب الرغبة وكيفما نشاء، كما أن هاتين الكلمتين ليستا قليلة الاستخدام حتى نغض الطرف عنهما، بل نستخدمهما في كل يوم أن لم نكن في كل ساعة، وترددت كثيراً هاتان المفردتان في القرآن الكريم، ولكل منهما معنىً يختلف عن المعنى الآخر، وقد ذكر أصحاب المعاجم اللغوية هاتين الكلمتين ونوها على الاختلاف الكبير الحاصل بينهما. فذكر الفراهيدي في كتابه العين: (السَّنَةُ العامُ القَحْط). وقال ابن منظور في لسان العرب: (العربُ تقول تَسَنَّيْتُ عنده وتَسَنَّهْتُ عنده ويقال هذه بِلادٌ سِنِينٌ أَي جَدْبةٌ). فكلما وردت كلمة (سَنَة) في القرآن الكريم دلت على السَنَة التي حدث فيها جدب وقحط شديد وفقدان للأمن، وعلى العكس منها كلمة (عَام) فهي تدل على عام حدث فيه رخاء وخير وفير وراحة وطمأنينة، فمن الآيات التي دلت على القحط والجدب هي التي ذكرها الله سبحانه وتعالى قائلاً: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} الأعراف/130. قال الطبرسي (رحمه الله) في تفسير مجمع البيان عند تعرضه لهذه الآية: (العرب تقول أخذتهم السنة إذا كانت قحطه ويقال أسنت القوم إذا أجدبوا وإنما قيل للسَنَة المجدبة السَنَة ولم يقل للمخصبة). وقد ذكر السيد الطباطبائي صاحب كتاب تفسير الميزان عند تفسيره لهذه الآية قائلاً: (السنون جمع سنة وهي القحط والجدب، وكان أصله سَنَة القحط، ثم قيل: السَنَة إشارة إليها، ثم كثر الاستعمال حتى تعينت السَنَة لمعنى القحط والجدب). فقد قرن الله سبحانه وتعالى في هذه الآية بين (بِالسِّنِينَ) وبين (وَنَقْصٍ مِنْ الثَّمَرَاتِ) وهذه دلالة واضحة على أن كلمة السَنَة تستخدم للفاقة الشديدة والنقص في الخيرات. وروى العلامة المجلسي في بحار الأنوار عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه دعا على مضر قائلاً: (اللهم اجعلها عليهم سنيناً كسنين يوسف)، أي سنين قحط وغلظةٍ في العيش. وروى أحمد بن حنبل في مسنده أن رجلاً أتى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: (إِلَامَ تَدْعُو قَالَ أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ مَنْ إِذَا كَانَ بِكَ ضُرٌّ فَدَعَوْتَهُ كَشَفَهُ عَنْكَ وَمَنْ إِذَا أَصَابَكَ عَامُ سَنَةٍ فَدَعَوْتَهُ أَنْبَتَ لَكَ)، ومن خلال هذا الحديث أيضاً نستدل على أن السَنَة هي التي لا نبات فيها، وإن الأرض فيها جرداء لا زرع فيها ولا ماء. كما أن الشعر العربي لم يغفل كلمة (السَنَة) دلالة ولفظاً فقد جاء في شعر حاتم الطائي: وَإِنّا نُهينُ المالَ في غَيرِ ظِنَّةٍ *** وَما يَشتَكينا في السِنينَ ضَريرُها وقال الشاعر جَرير: أَبِعتَ بَيتَكَ إِذ عَضَّتكَ مُجحِفَةٌ ***مِنَ السِنينَ عَوانٌ ذاتُ أَضراسِ أما الآية التي تدل على الخير والخصب فقد ذكرها الله سبحانه وتعالى في سورة يوسف قائلاً: {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} يوسف/49. قال الآلوسي في تفسيره (روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني): ({عَامٌ} هو كالسَنَة لكن كثيراً ما يستعمل فيما فيه الرخاء والخصب، والسَنَة فيما فيه الشدة والجدب ولهذا يعبر عن الجدب بالسَنَة... {فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ} أي يصيبهم غيث أي مطر... {وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} من العصر المعروف أي يعصرون ما من شأنه أن يعصر من العنب والقصب والزيتون والسمسم ونحوها من الفواكه لكثرتها). وقد ذكر الله تعالى في سورة العنكبوت كلمتي (سَنَة) و(عَام) في الوقت نفسه حيث قال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} العنكبوت/14. يقول أستاذ النحو في جامعة الشارقة الدكتور فاضل السامرائي حول هذه الآية في كتابه الأسئلة والأجوبة المفيدة: (يقول المفسرون: أنه لبث في الدعوة (950 سنة) مع قومه بشدة وصعوبة وتكذيب له واستهزاء به أما الـ (50 عاماً) فهي ما كان بعد الطوفان حيث قضاها مع المؤمنين في راحة وطمأنينة وهدوء بعيداً عن الكافرين من قومه الذين أغرقهم الله بالطوفان). استطعنا من خلال تلك السطور أن نبين المعنى الصحيح لهاتين الكلمتين والتفريق بينهما، مستندين بالقول على القرآن الكريم وتفاسيره، والسنة النبوية والمعاجم اللغوية، أرجو أن أكون قد وفقت في بيان المعنى ولله الأمر من قبل ومن بَعْد.