طبقات الفقهاء

تلخيص الفصل الثالث من كتاب (أصول الإفتاء وآدابه) للشيخ تقي العثماني حفظه الله تعالى

1 – طبقات فقهاء الحنفية

حصر العلامة ابنُ كمال باشا فقهاء الحنفية في سبع طبقات:

1- المجتهدون في الشرع: كالأئمة الأربعة، الذين يؤسسون قواعد الأصول، ويستنبطون أحكام الفروع من الأدلة الأربعة من غير تقليد لأحد في الأصول أو الفروع.

2- المجتهدون في المذهب: كأبي يوسف ومحمد، وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة حسب قواعد أستاذهم، فيقلدونه في الأصول وإن خالفوه أحيانا في الفروع.

3- المجتهدون في المسائل: كالخصاف والطحاوي والكرخي والحلواني والسرخسي والبزدوي وقاضي خان، لا يخالفون الإمام في الأصول والفروع، ويجتهدون في المسائل التي لا رواية فيها عن صاحب المذهب.

4  - أصحاب التخريج من المقلدين: كالرازي وأضرابه، لا يقدرون على الاجتهاد، ولكنهم لإحاطتهم بالأصول والمآخذ، يقدرون على تفصيل الأقوال المجملة، والمحتملة لأمرين، ومقايستها على أمثالها من الفروع، كما في بعض المواضع من (الهداية): "كذا في تخريج الكرخي"، و "تخريج الرازي".

5 – أصحاب الترجيح من المقلدين: كالقدروي، وصاحب (الهداية) وأمثالهما، يفضّلون بعض الروايات على بعض بقولهم: "هذا أولى"، و"هذا أرفق للناس".

6-  المقلدون القادرون على التمييز بين الأقوى والقوي والضعيف، وظاهر الرواية وظاهر المذهب والرواية النادرة، كأصحاب المتون المعتبرة، مثل الكنز والمختار والوقاية والمجمع، لا ينقلون في كتبهم رواية ضعيفة أو قولا مردودا.

7- المقلدون غير القادرين على ما سبق[1].

العبارة السابقة لابن كمال باشا، أخذ منه كثير من العلماء، ولكن انتقده جمع من العلماء الراسخين، لأن في كلامه ملاحظات من وجوه شتى:

الملاحظة الأولى: عد الصاحبين في المجتهدين في المذهب الذين يقلدون إمامهم في الأصول، فردّ شهاب الدين المرجاني في (ناطورة الحق)[2] واللكنوي[3]بأنهما مجتهدان مستقلان بمرتبة الاجتهاد المطلق، إلا أنهما لحسن تعظيمهما لأستاذهما أصّلا أصله وانتسبا إليه، فهما (والظاهر أن الإمام زفر كذلك) من طبقة المجتهدين المنتسبين، دون المجتهدين في المذهب، وقد ذكر هذا القسم كثيرون غير ابن كمال باشا رحمه الله، واختلفوا في مصداقه، فقالوا: (1) هو مطلق في الحقيقة، ولا يقلد أحدا في الفروع ولا الأصول، ولكنه ينتسب إجلالًا (2) مطلق، ولكنه ينتسب إلى غيره لسلوكه طريقه في الاجتهاد. (3) قسم بين المطلق والمجتهد في المذهب، فيقلد من انتسب إليه في أوجه الاستنباط الأساسية كحجية المرسل وعدمها، والترجيح على أساس صحة الإسناد، أو على أساس فقه الرُّواة، وغيرها من الأصول التي ثبتت بصراحة، وإن كان يخالف إمامه في بعض الأصول التي لم تثبت عنهم بصراحة، وإنما استنبطت من الفروع المروية عنهم، ومثل هذا خالف فيه الصاحبان أبا حنيفة رحمهم الله.

ويمكن أن يعد الطحاوي، وابن الهمام، والكرخي رحمهم الله من المجتهدين في المذهب، وكذا أبو إسحاق المروزي والغزالي الشافعيان، والقاضي أبو بكر بن العربي وابن عبد البر المالكيان، وابن الهادي وابن رجب الحنبليان.

الملاحظة الثانية: المجتهد المطلق، والمجتهد في المذهب، متباينان، وبعض الأقسام قد تجتمع في واحد، كـ (1) المجتهد في المسائل (2) وفي التخريج (3) وفي الترجيح. فهذه أقسام الوظائف لا الأشخاص.

الملاحظة الثالثة: (1) ذكر أن "الخصاف والكرخي والطحاوي، لا يقدرون على مخالفة إمامهم"، وهذا يردُّه النظر في أحوالهم. (2)و ذكر أن "الرازي الجصاص لا يقدر على الاجتهاد مطلقا"، مع أن الحلواني والبزدوي وقاضي خان من المجتهدين في المسائل مع علوه وقدمه وسعة علمه ودقته. (3) لا ينبغي حط القدوري وصاحب الهداية عن قاضي خان، فإن القدوري أجل منه. وصاحب الهداية ليس أدنى منه. ويمكن رفع الإشكال إذا قلنا إن هذه طبقات للوظائف لا للأشخاص، وسبب ذكرهما في الترجيح لكثرة ما في كتبهما من الترجيح.

الملاحظة الرابعة: الطبقة السابعة يريد به مؤلفي الكتب الذين لا يعتمد عليهم في الفتوى، مثل القنية والقهستاني.

 

2 - طبقات فقهاء الشافعية

قسم الشافعية فقهاءهم على خمس طبقات:

1- المجتهد المطلق المستقل: يستقل بإدراك الأحكام من الأدلة من غير تقليد وتقيّد بمذهبِ أحد.

2- المجتهد المطلق المنتسب: ينتسب إلى مجتهد مستقل، لا تقليدا له، بل لأن اجتهادَه وافق اجتهاده في معظم المسائل، ووجد طريقه في الاجتهاد والقياس أسدّ الطرق. أمثال المزني وأبي الثور وابن المنذر رحمهم الله[4].

3- المجتهد المقيَّد: وهو الذي يستقل بتقرير مذهب إمامه بالأدلة، من دون مخالفة أصول إمامه وقواعده فيها. ويكون محيطا بالفقه وأصوله، وأدلة الأحكام، ومسالك الأقيسة والمعاني، يتخذ نصوص إمامه أصولا يستنبط منها الأحكام نحوما يستنبط المستقل بنصوص الشارع، ويكتفى بحكم الإمام ولا يبحث هل لذلك الدليل من معارض؟ ولا يستوفي النظر في شروطه كما يفعله المستقل.

          فوائد مهمة حول هذا القسم:

  • قد يستقل المجتهد المقيد في مسألة أو باب خاص.
  • من وظائفه التخريج على مذهب إمامه، والتخريج له معنيان:
    1. أن يخرج حكمَ مسألة غير منصوصة عليها من قبل إمامه على وفق أصوله، من جنس ما يحتج به إمامه وشرطِه، وقد يخالف تخريجُه تخريجَ أصحابه، فيسمى كلُّ تخريج (وجهًا)، وهؤلاء (أصحاب الوجوه).
    2. أن يوجد من الإمام نصان مختلفان في صورتين مختلفتين، بحيث يمكن أن يخرَّج الحكم اعتمادا على كليهما في الصورة الجديدة، فيختارُ أحدَ النصين ليكون أساس التخريج، فهذا القول يسمى (مخرَّجا). وشرط هذا التخريج عند اختلاف النصين ألا يجد بين المسألتين فارقا،  وإلا لم يجُز له التخريج، ولزمه تقريرهما على ظاهرهما حسب الفارق. وكثير من اختلافات التخريج قائمة على اختلافهم في إمكان الفرق أو لا.
  • العامل بفتيا هذا المجتهد (في مسألة غير منصوصة من إمامه، مخرّجة على أصوله)، يعتبر مقلدا لإمامه حسب اختيار الجويني وابن الصلاح، وخالفهم أبو إسحاق الشيرازي بأن نسبة القول إلى الشافعي غير جائزة.

4- الطبقة الرابعة: لا يبلغ رتبة (أصحاب الوجوه)، غير أنه فقيه النفس حافظ للمذهب وأدلته، قصر عن درجة أولئك لكونه لم يبلغ في حفظ المذهب مبلغهم، أو في أصول الفقه، أو في الارتياض في التخريج والاستنباط، أو في غيرها من العلوم التي هي أدوات الاجتهاد الحاصلة لأصحاب الوجوه والطرق.

5- الطبقة الخامسة: يحفظ المذهب وينقله ويفهمه في جميع المسائل، غير أن عنده ضعفا في تقرير أدلته وتحرير أقيِسته.

 يُعتمد فتواه في: (1)ما يحكيه من منصوصات إمامه وأصحاب إمامه المجتهدين، وأما في غير المنقول (2)فإن كان غير المنقول  في معنى المنقول ومثله جاز له إلحاقه بالمنقول والفتوى عليه. (3)وكذا  جاز إن كان غير المنقول يندرج تحت ضابط منقول ممهد في المذهب.  وعليه الإمساك عن الفتيا في غير ذلك، وهو واقع نادرا.

وهذه الطبقات المذكورة في الحنفية والشافعية تُوجد في المالكية والحنابلة  أيضا وإن لم أجد منهم التصريح بذلك.

_________

[1]- عبارة ابن كمال باشا، نقلها ابن عابدين رحمه الله في (شرح عقود رسم المفتي) عن بعض رسائله، وهي رسالة (وقف البنات) حسب ما ذكر الطحطاوي في أواخر مقدمة حاشيته على الدر(1/51).

[2]- مخطوط في مكتبة دار العلوم كراتشي (ص: 58).

[3]- في مقدمة (الجامع الصغير)، و(عمدة الرعاية).

[4]- المجموع: 1/72


تلخيص: أصول الإفتاء وآدابه

تلخيص كتاب أصول الإفتاء وآدابه للشيخ المفتي تقي العثماني حفظه الله

مجموع المقالات : 3
جميع المواد في هذه السلسلة

أسامة محمود

عضو إداري في شبكة المدارس الإسلامية، متخصص في الفقه الإسلامي، محب العربية والفن، طالب العلم
مجموع المواد : 95
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024