الحكاية تبدأ من ربع كيلو ليمون
منذ مدة وأنا لم أتذوق ليمونا لا في الشائ ولا في الطعام، والأطباء يقولون تحت فوائده أنه يزيل الشحم ويرقق الدم ولا يتركه يتخثر في العروق، فرغبت بتناوله واستعماله في الشائ بعد العشاء لكن من سوء حظي أنني أنسى كل يوم شرائه، فتقريبا كل يوم أتذكره عند ما يحضر الشائ أمامي، وحينئذ لا يمكنني طلبه، فلذا نويت اليوم شرائه بربع كيلو...
فالحكاية تبدأ من ربع كيلو ليمون، فلما فرغت من صلاة العشاء أتيت إلى الصف لكني تذكرت ليمون، فاستدعيت طالبا حتى أطلب به ليمون، فأعطيته مائة روبية وقلت له: اشتر لي ليمون ربع كيلو، فقال لي نعم يا أستاذي، لكني سألته هل فمهت كلامي؟ فأجاب بتحريك رأسه قائلا: نعم يا أستاذي فهمت تماما، فاطمأننت على فهمه...
وكان ينبغي لا أطمئن على فهمه، بل كان يجب علي أن أسأله مرة ثالثة أو رابعة، بيد أنني لم أفعل. فلما ذهب مني فأرسل طالبا آخر سل شيخ ما ذا يريد وأنا لم أفهم ربع كيلو ليمون، فجاءني طالب متنفسا قائلا: يا أستاذي ماذا قلت لذاك الطالب؟ فقلت ناد أين هو، إذا لم يفهم لماذا لم يسألني، المهم أفهمت ذاك الوسيط المبعوث من قبله لكن ذاك الطالب قد خرج إلى السوق خوفا أنني أغضب عليه...
فلما رجع حاملا في يده كيس ليمون، فتبسمت في وجهه قائلا: إذا ما فهمت لماذا ما سألتني؟ فقال لي يا أستاذ أخطأت، وأردف قائلا: يا أستاذ أنت قلت لي اشتر ربع كيلو ليمون، وأنا اشتريت لك نصف كيلو، فدهشت في البداية بأنه ماذا يريد! فسألته مرة أخرى إذن ماذا تريد؟ فقال يا أستاذ نصف كيلو أقل من ربع كيلو...
فمن هنا تدوخ دماغي وللحظة واحدة تعمقت في كلامه، ثم فهمت أنه مسكين إلى الآن لم يفهم كلامي، فقلت: كيف يمكن أن يكون نصف كيلو أقل من ربع كيلو، فقال: يا أستاذ هذا الأمر بديهي ولا يحتاج إلى دليل فربع كيلو أكثر من نصف كيلو...
ثم بعد فكرة طويلة وقعت على مرامه أنه يعتقد ربع كيلو أربع كيلوات، فقلت له بالأردية هل تريد أربع كيلوات، فقال نعم، فضحكت بصوت مرتفع وضحك كل من كان حولي من الطلاب على كلامه، فأنا كنت أناقشه أن ربع كيلو أقل من نصف كيلو، فهذا النقاش قد انتهى بلا نتيجة...
ثم سألت ما ذا قلت لصاحب الخضروات؟ فقال لي: قلت له: أعطني ليمون أربع كيلوات فهو أيضا كان في حيرة بأن المولوي ماذا يريد من أربع كيلوات من ليمون، فقال لي: ما عندي أربع كيلوات وأنت أول زبائن في حياتي جئت لتشتري مني أربع كيلوات من الليمون، فأعطاني نصف كيلو قائلا: إن كنت تحتاج إلى مزيد فأخبرني على الجوال وأنا أطلب لك غدا في الصباح الباكر...
فأنا دوما أقول: إن فكرة طالب علم لا تتعدى عن دفتي الكتب، فإنها تدور بينهما وبين صفحاتها، ولا يفكر ما ذا قال له أستاذه في بعض من الأحيان ولا يسأله مرة أخرى، فيا للسذاجة ضيوف الرحمن...