لماذا لا يطيعك ابنك؟ (حظ الولد في اختيارك للزوجة)

قال حافظ إبراهيم شاعر النيل: 

مَن لي بِتَربِيَةِ النِساءِ فَإِنَّها ** في الشَرقِ عِلَّةُ ذَلِكَ الإِخفاقِ
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها ** أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا ** بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى  ** شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ 

كثير من إخواننا يشتكون من أولادهم، ويتحيرون في أمر أطفالهم، ويتفكرون في كيفية إصلاح أفلاذ أكبادهم، وكل والد يريد أن يكون ابنه أحسن منه، علما ومعرفة وتجربة وأخلاقا، ويعتمد عليه ويمني فيه الأماني، وما إن ترعرع ونبت قرنه إلا ويرى ابنه يتجه غير الجهة التي أراد أن يسلك به، وإذا شب ضاق به ذرعا، وإذا تزوج خاف أنه يدني زوجته ويعق والديه.

فما هو السبب؟ وما الذي جره إلى ذلك؟ وما هي العوامل التي وجهت ابنه إلى جهة لا يرضاه؟ أو بعبارة أخرى: ما هو التقصير الذي فرطه الوالد في حق ولده. لأن الإنسان مهما كان لا تصيبه مصيبة إلا من كسب يده، لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٖ فَبِمَا كَسَبَت أَيديكُم وَيَعفُواْ عَن كَثِير } [سورة الشورى:30]، فما هو الكسب الذي صدر من أيدينا؟

فإذا رجعنا إلى الوراء، وكأن الوالد ينظر في عالم تصوراته أنه قد بشر بولد: ذكر أو أنثى، فلا تسأل عن مدى فرحه، فيحمله الوالد من القابلة، ويذهب يؤذن في أذنه اليمنى، ويقيم في أذنه اليسرى، ويحنكه بمضغ تمرة أو عسل، ثم يناوله والدته لترضعه، ولم يقصر في حق أكل الحلال وإطعام ابنه، خصوصا أمه التي ترضعه، فما إن طلعت شمس اليوم السابع إلا وهو قد أجمع أمره على تسميته، ويختار له اسما حسنا، ثم يذهب يختنه ويحلقه، ثم يسميه باسم حسن ذي معنى، وهكذا دواليك حتى يكبر......

فرأينا أن الوالد كما يبدو لم يقصِّر في حق ابنه حتى يتربَّى تربيةً حسنة، ثم لماذا يتَّجه الولد إلى غير مرام والده؟ لعل له حقا قبل ولادته! ولعل الوالد قصَّر في تحقيقه!

نعم، له حق كبير لولده عليه، وهو أن نختار له أما مناسبا، ذات خلق ودين، حاملة بين صدرها عاطفة جيَّاشة، متحلِّية بالآداب الإسلامية، والأخلاق الربَّانية، غير متهاونة بالشعائر الإسلاميَّة،  تحمل بين جنبيها عواطف مثل عواطفك، توافقك في مزاجك وأساليبك، وهي مع ذلك لا تحمل ابنها على بغاوتك، ولا تغتابك عنده، وتلين في شدة، وتأخذ بالعزم بالإضافة إلى الحزم، فهي تكون أول مدرسة لأبنائك تربيهم تربية والله لا يجدون مثل هذه التربية لا في مدرسة ولا في جامعة: لا دينية ولا عصرية،  ولا يستطيع مشائخ التصوف والسلوك أن يربوا مثل هذه التربية الحسنة، فإن الوالدة هي التي ترضع ابنها مع الحليب تربية إسلامية.

نعم، لا شك أن الإنسان له دور وحاجات في تزويج النساء، فهو يريد أن يتزوج امرأة جميلة، ويريد أن تكون ذات حسب ونسب، ويريد أن تكون ذات أموال طائلة، يستفيد من مالها، ولكن يا أخي الكريم، إن الإسلام لم يمنعك من اختيار المرأة الجميلة أو الحسيبة أو الثرية، إنما الإسلام يرغب في أن تفضل ذات دين على غيرها، ويأمرك أن تبحث عن ذات دين كما تبحث عن ذات جمال أو كمال أو نوال..

فعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: " تنْكح الْمَرْأَة لأَرْبَع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بِذَات الدّين، تربت يداك ". متفق عليه. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَة الصَّالِحَة» . رَوَاهُ مُسلم.  وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ: «مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمْرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سرته وَإِن أقسم عَلَيْهِ أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَاله» . رواه ابْن مَاجَه.

فما رأيك يا أخي لو نجرب؟ ونحمل لواءه؟

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن

اكتب معنا


يمكننا نشر مقالك على شبكة المدارس الإسلامية، دعنا نجرب!

أرسل من هنا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024