بقلم :
المفتي محمد شفيع رحمه الله تعالى
يمكنك القراءة في دقيقتين و 49 ثانية
قصيدة المفتي محمد شفيع الديوبندي في رثاء شيخه الإمام الكشميري
نعى بك ناعٍ سُحْرةَ الفجر فانبرى = يضجّ السّما والأرضُ والبدرُ والقُرى
وأبكى الجبالَ الشامخاتِ نَحيبُه = ووبرًا ومدْرًا والفلا ثم أبحرا
وأبكى دروسًا والمدارسَ جمةً = كذلك أقصى مسجدٍ ثُمَّ مِنبرا
نعينا بجَمّاع العلوم وسيّما ال = حديث وقرآنًا كريمًا مفسَّرا
فلم أدر أرثي عالمًا أم عوالمًا = وعلمًا وحلمًا ثم صدرًا مصدَّرا
وفقهًا وتحديثًا ورأيًا وحكمةً = وورْعًا وزهدًا في السماء مشهَّرا
ووجهًا طليقًا باسمًا متهلّلاً = إذا زرتَ زرتَ البدر تِمّاً منوِّرا
أحقًا عبادَ الله أن لست زائرًا = بعينيَ بعد اليوم شَيْخيَ أنورا
بخاريُّ عصرٍ ترمذيُّ زمانه = وزهري وقتٍ لا خلاف ولا مِرا
فلو أنها رزءٌ من الدهر واحدٌ = ولكنه عظمٌ أحاط فأمطرا
فطاب ثرى من راح في الله واغتدى = لنشر علوم الدين قام مشمِّرا
ولم يأل في إعلاء دينٍ ونشره = تراه لوجه الله سيفًا مشهَّرا
فذاك اللّعينُ القادياني إذ بدا = فغادر أرض الله للكفر محورا
وكان رسول الله أخبر أنه = سينزل فيكم ابن مريمَ آخرا
ليملأ أرض الله قسطًا ومعدلاً = كما قد غدا للظلم مأوًى ومفجرا
أتى فادعى أني المسيح وأنني = لمصداق ما قال الرسول وأخبرا
وأني خليلٌ ثم موسى وأحمدٌ = تكاد السما من فِريةٍ أن تفطَّرا
مسيلمة البنجاب دجّال عصره = تنشَّأ في كذبٍ على الله مفترَى
فلما طغى دجلاً وقد طمَّ خطبُه = أتاح له الجبار شيخيَ أنورا
فنادى طواغيت الضلال مهددًا = لينصر دين الله نصرًا مؤزّرا
فشيَّد أركان الهدى وأنارها = ومذّر بنيان الضّلال وبذّرا
وشنَّف آذان الورى بفرائدٍ = فجادت بها الأجفان غدوةَ أدبرا
فَوَيْ لسويعات الوصال وطيبِها = وصفوِ حياةٍ لا يزال مكدّرا
ولله أيامٌ تمليت طيبها = بروض الأماني أخضلاً ثم أخضرا
وعدت به والحمدُ لله فائزًا = وأسعدَ حظًا ثم أربح متجرا
فحسبي به في العلم والدين قدوةً = وحسبي به في مشهد القوم مفخرا
لعل الرؤوفَ البَرَّ يُلحِقني به = وإني لأرجو الله خيرًا وأكثرا
وإلا فما فضل الجدود بنافعي = وإن كنت معزوّا إلى أوثق العُرا
فليس لمن لم ينحُ منحى جدوده = بعزوته في الدين عزًا ومفخرا
فمن صُلب نوحٍ إبنُه غير صالحٍ = وإن خليل الله من نجل آزرا
وذاك أبو جهلٍ أخو الذلّ والعمى = وإن بلالاً فاق أحرار حِمْيرا
عليك بإعمال البصيرة فيهم = وأن تأتسي آثارهم ما تيسّرا
فما عبرتي إلا لذي العين عبرةٌ = ووعظ وإنْ لم تستطع أن تعبِّرا
وماذا لتشكو من زمانٍ وصنعه = إذا كان أمر الله قَدْرًا مقدّرا ؟
وفي سالف الأيام ما فيه عبرةٌ = وفهمٌ لذي عينين رام التبصُّرا
ومن أمعن الدنيا ونضرةَ دمْنِها = يجد نكْرها عُرفًا كذا العرفَ منكرا
إذا أدبرتْ كانت على المرء حسرةً = وإن أقبلتْ صارت همومُك أكثرا
تفكَّرْ تجدْ في كل دارٍ سكنتها = مقابرَ للآمال للخلق منحرا
وسوف ترى ما قد جمعت مكابدًا = ستُسلبُها إلا قميصًا ومئزرا
وأسعد خلقٍ من تدرَّع بالتّقى = وإن كان في دنياه أشعث أغبرا
فواهًا له من رائحٍ حلَّ روضةً = بجنب المصلَّى لا يزال منضَّرا
سقَتْها غوادي رحمةِ الله بُكرةً = فعادت سواريها بليلٍ مكرَّرا
فيا حيُّ يا قيوم لطفًا ورحمةً = وفضلاً به عوَّدت يا ربّ أنورا
بجاه إمام المرسلين محمدٍ = وصحبته الأخيار من جمهر الورى
عليه سلامُ الله ما ذر شارقٌ = بعِدّة من صلى وصام وكبّرا
فيا خيرَ خلق الله صفوة رسله = نبيَّ جميع الأنبياء ولا مِرا
أتيتُكَ لما عِيل صبري وهمتي = وفاقت ذنوبي أن تُعَدَّ وتُحصرا
أتيتكَ إذ ضاقت عليّ مذاهبي = أذلَّ عبيد الله أحقَر أفقرا
فإن لم تُنلني منك فضلاً ورحمةً = شفاعتك الحسنى لكنتُ المخسَّرا
وعدّة أبياتي حسابُ وفاته = ورابع عشر قرنه خذ محررا