دور الانتقاد البناء في نجاح المرء
قد یعتري الکثیرین فيما یقومون به من الأعمال وما يقولون من الأقوال، بعض العثرات و الزلات، وبالتالي هي في أشدّ الحاجة إلی التقويم وإعادتها إلی جادة الصواب. ولسان النقد من اللازم أن یکون لینا مرنا لا یخالطه شیئ من الشدة والفظاظة، حتی یقع موقع قبول من المخاطب. وقبول النقد والخضوع له بوجه طلق أیضا مستحسن إذا کان نقدا بناءاً. إن رسول الله صلياللهعليهوسلم قال - وهو يُسوِّي صفوف الصلاة -: (لِينوا في أيدي إخوانكم)؛ [رواه أبو داود عن كثير بن مرة]، وهو توجيه عامٌّ لا يقصد به الصلاة فحسب، بل ينبغي للمسلم أن يكون سهلًا لينًا مع أخیه المسلم ریثما هو یوجّه إلیه النصح والنقد البناء.
ولا براحَ أنّ تقبّل النقد البناء من أحری مهارات الحياة بالتعلّم، ولا یستغني عنه أي فرد من أفراد المجتمع. والسرّ في ذلک أن قبول النقد البناء وعدم الانزعاج والتحرّج به، یمنح الإنسان القدرة علی التأقلم مع کل الظروف المحیطة وتؤهّله علی التکیّف بها بشکل یسمح له بالمساهمة في تطوير ذاته و بناء مجتمعه. قال مصطفی لطفي المنفَلوطی:
(رأيت كثيرا من عقلاء الأدباء لا يرضون من انفسهم الا اذا انتقد الناقدون مؤلَّفاتهم، بل رأیت من یتوصل إلى بعض الناقدين أن ينتقد مؤلَّفه، بل رأیت من يبلغ به الأمر أن ينتقد كتابه بنفسه بتوقيع منحول! أولئک الذين يعرفون قيمة المنتقدين عندنا وأثّر انتقاداتهم في نفوسنا، أمّا الذين يُغضبهم الانتقاد ويجرح صدورهم، فهم الذين لا يعرفون من هذا ولا ذاك شيئا.) [نظرات المجلد ۳، الصفحة: ۲۲۲]
وبطبیعة الحال یلزمه فعلا تعلّم قبول النقد البناء وعدم الاستیاء منه. ولا یتسنّی ذلک إلا اذا کان النقد البناء بأسلوب سلس مرن یتضمن الحکمة وبعض التدرّج، حتی يؤدي إلی تفادي الوقوع في الأزمات والتغلّب علیها والتعامل معها بکیاسة إذا اقتضت الحاجة. ولنا في فعال رسول الله صلیاللهعلیهوسلم و حباب رضياللهعنه فی أسلوب النقد البناء وقبوله أسوة حسنة:
لقد اعترض وانتقد الحُبابُ بن المنذر نزولَ جيش المسلمين في بدر في المكان الذي أنزلهم فيه رسولُ الله صلیاللهعلیهوسلم، ولكنْ أيُّ نقد؟! لقد استأذن في الكلام أولًا، ثم قال: يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزَلَكَهُ الله، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال: (بل هو الرأي والحرب والمكيدة)، فقال الحباب رضياللهعنه: إني أرى أن هذا ليس بمنزلِ حرب، وأشار برأيه، وأدلى بنقده، وأتبَع بنصيحتِه، فلاقَتِ القَبولَ من رسول الله صلیاللهعلیهوسلم، وتحوَّل بالجيش إلى ما أشار إليه الحباب. [رواه البیهقی في دلائل النبوة]
إذا کنت ترغب في التطور و تحسين نفسک في أي مجال کان، فإن تعلم کيفية تقبّل النقد بصدر رحب ضروري، شریطة أن یکون النقد بناءً لا هدّاماً، والفارق بینهما أن النقد البناء یشتمل في أعطافه علی اقتراحات و حلول حول کيفية تحسين نفسک و ترْقیتک فی عملک، أما الأخیر، فإنه غالبا يشیر إلی عيوبک ویحاول تقعیدک عن العمل والإنجاز، وهو في نادر الأحوال ناتجاً عن فقدان اللباقة و ناجما عن الجهل بالحکمة.
وبما أن النقد بنوعیه قد یسبب استیاءک، فعلیک بالتفاعل أمام النقد البناء والتجاهل أمام الأخیر، وهذا أمر في بالغ الأهمية في السیطرة علی المشاعر السلبية التی ربما تحول دون نشاطاتک الیومیة.
فإننا لا بد أن نقبَل كل نصيحة نافعة، من أي وعاء خرَجت، ولا بد أن تتَّسِع صدورُنا للنقد البنَّاء؛ من أجل إصلاح مسارنا. لکن مع الأسف الأسیف، المعضلة الفكرية في الزمن الراهن التي قد تصاحب الكثيرَ منا، هي الرغبة الجامحة في فضح المخطئ والمسيء، وعلى الطرف الآخر تجد الإصرار على الخطأ، وإلقاء كلِّ نصح ونقد مِن وراء الظهر، فطرفٌ يُجرِّح ويُشهِّر ويفضح، وطرف آخر يدافع عن نفسه بالباطل، ويتَّهم غيره بالجهل!!
لیت شعري متى يلتقي هذا وذاك على كلمة سواءٍ.