التعليم عن بُعد .. مشاكل ومتطلّبات
منذ ظهور الحواسيب الشخصيّة المتصلة بالفضاء الشبكي، أخذ العالم يشهد ثورة رقمية قائمة على أساس العلم والتكنولوجيا، وقد مضى على هذه الثورة أكثر من عقدين، وهي مازالت في اتساع وامتداد مستمرين، تمضي قدما نحو إيجاد وسائط تسهّل التواصل وتطوّره أكثر من ذي قبل.
لكن هذه الثورة الرقمية والثقافية لم يتفاعل الجميع مع منتجاتها، فقد كفّت الدول النامية أو ما يسمى بدول العالم الثالث عن التأقلم معها، وبالتالي تخلفت عن مواكبة متطلبات العصر الجديد.
لم تظهر نتائج هذا الكفّ والإحجام من قبلُ كما ظهرت مع انتشار جائحة كورونا وفرض الحجر الصحي وإغلاق المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية، وطرح فكرة التعليم عن بُعد، الأمر الذي لا يمكن إلا عن طريق استخدام منتجات الثورة الرقمية والانسجام معها.
قد ظهر كورونا وغيّر النظام السائد في العالم ودفعه إلى انتهاج سبيل آخر في التعاطي مع ما ألِفه دهرا، ليضطرب الذين لم يروا ضرورة في استخدام الوسائل الإلكترونية بالأمس ويجدوا أنفسهم فجأة خارج إطار العصر ! فقد بدأت دول العالم المتقدم تواصل أعمالها في مختلف القطاعات بما فيها المؤسسات التعليمية، باستخدام منصات التكنولوجيا الحديثة بكل راحة، بل بات الناس يشكرون التكنولوجيا لأنها مكّنتهم من العمل وهم في البيوت، فيما الدول المتخلفة تعطلت فيها الأعمال والنشاطات، وواجهت فوضى في مجال التعليم، نتيجة جهلها بهذه التقنيات.
لم يكن أحد يفكّر أن يظهر شيء ويفرض على المدارس والجامعات ومراكز التعليم نمطا آخر من التعليم! ويقطع الطرق التقيليدية في التواصل بين المدرّس والطالب. كما لا أحد يعرف - غير الله- إلى متى ستستمر هذه الأوضاع، في وقت ظلت معظم المؤسسات التعليمية في البلاد النامية غير مجهزة بهذه الوسائط والمنصات، والتلاميذ والطلاب بل الأساتذة والمعلمون غير مستأنسين بهذا النوع من التعليم.
طبعا، لا ننفي انعدام من يستخدم التقنيات الحديثة في المدارس والجامعات في بلادنا إطلاقا، لكن أن يستخدمها قلة بطريقة تقليدية دون وجود البيئة الملائمة هل يسمن ويغني من جوع؟ ونحن نعلم جيدا أن الانتقال من التعليم الشفاهي إلى وسيط رقمي لا يحتاج إلى الحاسوب والوسائل الإلكترونية والافتراضية فحسب بل هو بحاجة إلى بيئة وسائطية وثقافة رقمية ووعي رقمي ورؤية رقمية.
اليوم يتكلم البعض عن التعليم عن بُعد وإحلال وسيط رقمي محل التعليم الشفاهي في المدارس والجامعات، ولكن هل يتيسر تنفيذ هذه الفكرة في غياب بنية تحتية تكنولوجية ملائمة، وتكوين تربوي وتعلمي جديدي؟ حتى ولو توفرت الإمكانيات التقنية فنحن تنقصنا الثقافة الرقمية والتكنولوجية، إذ لا يأخذ الطالب التعلم الإلكتروني مأخذ الجد بل يسخر منه! وإنما يعتبره استمرارا للإجازة -ريثما يعود إلى المدرسة والجامعة ليتلقى الدروس بالطريقة التقليدية-!
كان علينا التأقلم مع منتجات التكنولوجيا ومتطلبات عصر العولمة وإعداد العدة لمثل هذه الأوضاع الطارئة قبل ظهور الجائحة، إلا أننا لم نفعل وقد فاتنا الاستعداد السابق، فهل توقظنا الجائحة وتدفعنا نحو استقاء العبر والدروس من التجارب الذاتية وتجارب الغير، ومن ثم التفكير والتخطيط والعمل؟ أم أننا ما زلنا ولا نزال نفضّل البقاء خارج العصر، ونريد أن نعيش بذهنية قديمة في بيئة جديدة!
وفيما نحن نأخذ من الغرب الضارّ، فلماذا لا نقتبس منه النافع ؟!