رمضان بنكهة أخرى!

جرت العادة لدى المسلمين منذ القديم على استقبال شهر رمضان والاحتفال بحلوله، ذلك الشهر الذي يضفي البهجة على المسلمين أجمعين، صغيرهم وكبيرهم، غنيّهم وفقيرهم، بل المباني والشوارع والأزقة والبطاح والروابي لها أيضا نصيب من هذه البهجة.
ما حلّ الشهر الفضيل إلا والبشائر بالسرور دقّت، والقناديل أوقدت، والشموع أضيئت، والأسمطة مدّت، والموائد بسطت، ورحب الناس به في أمن وسرور وفرح وحبور.
  صارت بيوت الله عامرة بالمسلمين؛ فصلاة وقيام وتلاوة، يعبدون الله تعالى في صفوف طويلة، ساعات متتابعات، متمتعين بسماع القرآن من الحفظة، والكثير من الذين لم يحالفهم التوفيق لدخول المساجد طوال العام، يطرقون أبوابها في هذا الشهر، وأما المعقلّة قلوبُهم بالمساجد فيصبحون أحلاسها، لا يبغون عنها حولا.

لكن في هذا العام حلّ رمضان والعالم واقف أمام مفارقة صعبة صنعتها جائحة كورونا، فاستقبله المسلمون بنكهة أخرى، لأن الجائحة حرمتهم من طقوسهم وأعرافهم، فلا احتفال، ولا مائدة ولا اجتماع، ولا صلاة في المساجد، ولا قيام كما ينبغي، ولا سرور ولا حبور كما عُهد.

تعذّرت وجوه الحيلة على العالمين في ظل كورونا الذي انقضّ عليهم انقضاض العقاب الكاسر، ووقع بينهم وقوع السهم العاثر، قد أصبح الخروج من البيت مقيّدا بساعات محددة، وبهيئة مخصوصة، وزيارة الأقارب والاجتماعات العائلية محظورة، فأحلّ التباعد محل التواصل والتقارب الذي يعدّ من أهم ميزات هذا الشهر.

ههنا نذكر نعم الله وآلائه التي أسبغها علينا، نرتوي من كأسها المترعة مصبوحين مغبوقين، وقد صارت نتيجة طول المعايشة عادية فلا نحسب لها حسابا، وقد قيل: "قدرُ النعمة لا يُعرف إلا بعد الزوال، ولا يتحقّق إلا مع الانتقال".
إنّ الجائحة -رغم ما جلبت علينا من ويل وضيق وحرمان- أتاحتنا فرصة للخلوة مع الذات والتفكير في النعم، والتخطيط للحياة، والتغيير في المناهج، وإعادة النظر في الأساليب، وفعلُ الله لا يخلو من الخير والحكمة.
فلنستفد من رمضان كفرصة لانطلاقة جديدة، ولا يكلّف الله نفسها إلا وسعها. وبعد الكدر صفوٌ وبعد الغيم صحوٌ- بإذن الله- فإنّ مع العسرِ يسراً، ولعلّ الله يرحمنا فيزيل الآفة بهذه الرحمة.

سيد مسعود
إشراقة/ ٧ رمضان ١٤٤١