أختي، حياؤك حياتك
الحياء حياة امرأة صالحة، أمر به الشرع، وهو من الصفات المطلوبة لدى كل امرأة طيبة، وهو من الأخلاق الرفيعة التي أمر بها الإسلام، والحياء رأسمال كل امرأة مسلمة، فيه عزها و كرامتها، وفيه شرفها وعظمتها، قال عليه الصلاة والسلام: إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا، وَخُلُقُ الْإِسْلَامِ الْحَيَاءُ، رواه ابن ماجه.
قال ابن القيم رحمه الله، الحياء مشتق من الحياة، فإن القلب الحي يكون صاحبه حيا فيه حياء، يمنعه عن القبائح، فإن حياة القلب هي المانعة من القبائح التي تفسد القلب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، إِنَّ الْحَيَاءَ مِنْ الْإِيمَانِ، رواه البخاري.
قال ابن حبان، فالواجب على العاقل لزوم الحياء؛ لأنه أصل العقل، وبذر الخير، وتركه أصل الجهل، وبذر الشر.
ولكن كثيرات منا لايهتممن بالحياء، يخرجن وحدهن إلى حيث شِئْنَ، وفي أي وقت شئن من أوقات الليل والنهار، ويتخذن مَنْ شئن من الفِتْيَان وزُمَلاَء العمل والدراسة أصدقاءَ لهنَّ، ويحببنهم من غير زوجهن، يفكرن فيهم، وينشغلن بهم، يعرضن عن زوجهن وشريك حياتهن. وقد يدفعهن ذلك إلى ما لا يحل شرعا من النظر والخلوة، واللمس، وقد يؤدي ذلك كله إلى ما هو أكبر وأخطر، ويتجملن بكل نوع من مستحضرات التجميل و يتطيبن بعطور قوية الرائحة مسترعية لانتباه المارة، فهذه الحالات تثير القوى الشبابية الكامنة في الرجال، فلا يستطيعون من أن يقعوا في معصية الله تعالى، إلا منْ عصمه الله، ثم يحدث ما يحدث، يطول بذكرها الكلام.
وإنه لا يخفى على أحد له إلمام بأوضاع العالم الراهنة أن النساء يخرجن في هذه الأيام في ثياب رقاق خارجة عن المألوف والعادة الشريفة، تصف مفاتنهن ومحاسنهن وتستر بعض بدنهن وتظهر بعضه وتنافي القيم الإسلامية والأنوثية. ويمررن بين الرجال والشبان عاريات، مائلات مميلات، مكشوفة الصدر،بادية النحر حاسرة الذراعين، كأنهن أحرار في أجسامهن، يصدق عليهن قوله عليه السلام، رب كاسية عارية، أخرجه البخاري في كتاب العلم 1/22 وقد ثبت في حقهن ﷺ أنه قال: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا. أخرجه الإمام أحمد في المسند، والإمام مسلم في الصحيح.
ولابد لنا أن نعلم أن المرأة إذا خرجت، فإنها تُدَغْدِغ الغرائز الجنسيّة، وتشعل نار الشهوات للرجال والشباب، فيتسبب ذلك في انتشار جريمة التحرش، ولا أفهم كيف يقبل الزوج خروجَ زوجته في لباس ينظر إليها الرجال بشهوات، يريدون منها ما هو أعز عليها من كل شيء ، يريدون عفافه الذي به تشرف، وبه تفخر، وبه تعيش. كيف يقبل الوالدان خروج بناتهم بهذه الملابس الخليعة الوضيعة التي تظهر مفاتنها؛ وتفصل جسمها كأنها لا تلبس شيئا ؟ كيف يقبل الرجل على نفسه أن يكون من الذين لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ؟ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ، ثَلاثَةٌ لا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ وَمدْمِنُ الْخَمْرَ وَالْمَنَّانُ عَطَاءَهُ وَثَلاثَةٌ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: العاق بوالديه والديوث والرجلة؛ ولقد نهانا الله عن التبرج فقال تعالى، وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى، الأحزاب، 33.
اعلمي أيتها الأخت، أن الحياء سياج يصون كرامتك، ويحفظك مما يضر ما تمتلكين من أعز شيء في الدنيا، وقد قيل في الحكم، من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه. وقال أبو حاتم، إن المرء إذا اشتد حياؤه، صان عرضه ودفن مساوئه ونشر محاسنه. قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول، من كسي الحياء ثوبه, لم ير الناس عيبه.
وعندما تلتزمين بالحياء والعفة يثني عليك الله عز وجل، كما قال تعالى، فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا، فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ القصص الآية 25.
أنظري أيتها الأخت إلى ما جاء عن فاطمة بنت محمد صلى االله عليه وسلم ـ عندما قالت لأسماء بنت عميس، يا أسماء, إني أستقبح ما يُصنع بالنساء, يطرح على المرأة الثوب فيصفها, تقصد إذا ماتت ووضعت في نعشها. فقالت أسماء رضي الله عنها: يا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ألا أريكِ شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعتْ بجرائد رطبة، فحنتها ثم طرحت عليها ثوباً. فقالت فاطمة رضي الله عنها، ما أحسن هذا وأجمله, يعرف به الرجل من المرأة, فإذا أنا مت فاغسليني أنت وعلي رضي الله عنه , ولا تدخلي عليَّ أحداً.
وكذلك تفكري في حياء الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها ، عن أم المؤمنين عائشة ـرضي الله عنها , قالت، كنت أدخل بيتي الذي دفن فيه رسول الله وأبي, واضعة ثوبي, وأقول، إنما هو زوجي وأبي, فلما دفن عمر رضي الله عنه, فوالله ما دخلته إلا مشدودةً عليَّ ثيابي حياءً من عمر رضي الله عنه رواه الحاكم، وصححه، وصححه الهيثمي.
و ورحم الله امرأة فقدت ابنها، فعن ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقَالُ لَهَا، أُمُّ خَلَّادٍ وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ تَسْأَلُ عَنْ ابْنِهَا وَهُوَ مَقْتُولٌ، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ،جِئْتِ تَسْأَلِينَ عَنْ ابْنِكِ وَأَنْتِ مُنْتَقِبَةٌ؟ فَقَالَتْ، إِنْ أُرْزَأَ ابْنِي فَلَنْ أُرْزَأَ حَيَائِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ابْنُكِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ، فقَالَتْ، وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ، لِأَنَّهُ قَتَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ رواه أبو داود وغيره.