من المسؤول عن فشو ظاهرة الإرهاب والتطرف في البلاد الإسلامية؟
يتأرجح العالم الإسلامي اليوم بين الغلو والإهمال، بين الإفراط والتفريط، بين القوة والضعف، بين الخطاب الذي يدعو إلی نبذ كل ما يمت إلی الإسلام بصلة، ويحرض علی الإباحية والانفلات الديني، والخطاب الذي يرفض كل ما يتصل بالجديد والحديث ويكفر كل من يعارض هذه الفكرة ويتحين الفرص لقتله وإبادته. وفي غضون ذلك غاب الخطاب الديني المعتدل الذي يأخذ بالرفق أكثر من العنف ويعطي كل ذي حق حقه بحيث لا تطيش كفة علی حساب أخری.
أصبحت قضية الإرهاب والتطرف اليوم حديث المجالس والشغل الشاغل للحكومات والشعوب، تعقد المؤتمرات وتكتب المقالات وتؤلف الكتب لتحديد مفهوم الإرهاب والتطرف وتقديم حلول للحد من تنامي العنف والتطرف. لم يقتصر التهديد في البلاد الإسلامية التي أصبحت ضحية هذه الظاهرة في القرن الأخير فحسب، بل أصبحت دول الغرب تعاني من ويلات التطرف والإرهاب.
إن ظاهرة التطرف أخذت تنتشر وبسرعة فائقة في كثير من الدول انتشار النار في الهشيم، وبدأت تأكل الأخضر واليابس، وتهدد أنماط حياة الأمة وخيراتها ومستقبلها. وقد استغل كثير من الدول الطامحة والطامعة لخيرات الأمة وثرواتها والمتآمرة علی قيم الأمة هذه الظاهرة، فاصطادت من الماء العكر أكبر عدد من الأسماك، وحققت ما لم تحققه خلال قرون وأعصار. والحقيقة أن هذه الظاهرة خدمت الاستعمار الغربي خدمة غير مسبوقة، بل وقدمت هدايا وتحفا علی طبق من ذهب لكل حاقد ومتآمرعلی إقصاء المسلمين عن مسايرة الركب البشري.
وإذا نظرنا إلی التاريخ الإسلامي نری أن العالم الإسلامي قد عانی الكثير من هذه الفكرة في تاريخه الطويل المليء بالحوادث والكوارث، والتاريخ الإسلامي يؤشر أن هذه الفكرة كانت خنجرا في ظهر الأمة طيلة القرون والأعصار.
وفي العصر الحديث ظهرت الفكرة أول ما ظهرت في مصر جراء الاضطهاد الديني والمظالم التي ارتكبته الحكومة الديكتاتورية الناصرية بشأن الجماعات الإسلامية، فطفق بعض الشباب المتحمس اليائس من الإصلاح والتغيير، يتتبع ظواهر النصوص والآيات القرآنية لتكفير كل من لم يحكم أو يأمر بما أنزل الله للإطاحة بالحكم المستبد والانتقال إلی حكومة إسلامية راشدة.
إن الكثير من هؤلاء المتطرفين من الشباب المتحمسين والمخلصين الذين يحترقون لما يعانيه العالم الإسلامي من انحطاط وتدهور، ولما يرونه من جور وظلم من الأنظمة المستبدة، وتحاكمها للقوانين الوضعية وإلغاء الشريعة أو إقصاءها عن العمل، كل ذلك يدفعهم للانتفاضة والتحمس لقلب الأوضاع، فيقعون بأيدي المتآمرين ويساء استعمالهم.
غياب الفهم الصحيح للدين والعمل بظواهر الآيات والأحاديث وعدم تلقي العلم عن العلماء المتضلعين وسوء التربية وقلة الأدب والطعن في أئمة الهدی وجعلهم في خانة الضلال والتأويلات الخاطئة لآراء بعض المفكرين المعاصرين والإعجاب بالرأي وحب الظهور والشهرة، والأهم من ذلك غياب العلماء المتضلعين المعتدلين الذين ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين؛ كل هذه وغيرها من أهم العوامل التي أدت إلی فشو ظاهرة التطرف في العصر الحديث.
والسؤال الذين يطرح نفسه من وراء هذه العناصر ومن يدعمها ويغذيها ويقويها ويوفر لها العدد والعتاد والأجهزة؟
لا شك أنه ليس بإمكان عامة الشعب دعم أو إنشاء مثل هذه المجموعات إذ لا يملك العامة سلاحا ولا عتادا. إذن يبدو أن وراء هذه العناصر المتطرفة أيدي قوية من الحكومات والقوی العالمية، تدعمها وتستغلها وتستعلمها لصالحها، وفي مقدمتها الدول الغربية وبخاصة أمريكا. وقد استطاعت الدول الإسلامية التي يحكمها النظام المستبد والطغمة العلمانية أن تستغل هذه الفكرة وتستعملها علی حساب الجماعات الإسلامية المعتدلة والمؤسسات الدينية، أو علی حساب الدول الأخری المنافسة.
فالمسؤول الأول للتطرف والإرهاب هي الحكومات والدول نفسها إما مباشرة أو غير مباشرة، فبعض الدول تنمّي هذه الفكرة وتدعمها وتقويها لمصالحها الخاصة مثل كبت الجماعات الإسلامية، واستغلال ثروات الأمة والتدخل في شؤونها وفي قراراتها والهيمنة علی تلك الدول كما تفعل الدول الأوربية وأمريكا وبعض الدول الإسلامية الطامحة، وهذه الدول تتخذ من السذج سلما للوصول إلی أهدافها فتصب الزيت علی النار لتوسیع الفکرة وربما تجعل من الذرة جبلا وتضخم العناصر المتطرفة ولو كانت في مكان لا يذكر. وبعض الدول لا تدعم الفكرة ولكن سياساتها الاستبدادية وتصرفاتها القمعية إزاء الجماعات الإسلامية والوقوف في وجهها بعنف وحصر نشاطاتها تولّد هذه الفكرة وتنميها، وتجعل من هذه الجماعات قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أية لحظة.
إذن الخطوة الأولی لإخماد نيران التطرف هي وقوف الحكومات والدول بإخلاص في وجه الفكرة المتطرفة، ودعم الجماعات الإسلامية والجهادية المعتدلة التي تطالب بحقوقها عبر المفاوضة والحوار. والخطوة الثانية دخول العلماء في الساحة ونشر الوعي الديني والفكر الإسلامي الصحيح المعتدل بين عامة المسلمين عبر الوسائل المستجدة والمتاحة. لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا. وما ذلك علی الله بعزيز.