هل استيقظت الأمة الإسلامية؟
سماحة الأستاذ المفتي محمد قاسم القاسمي (1)
إن العالم الإنساني بصفة عامة والأمة العربية الإسلامية بصفة خاصة تعاني من المشكلات التي لا تنتهي إلا إلى مشكلات، مشكلة تلو مشكلة، عاصفة إثر عاصفة، أزمة بعد أزمة، حادثة تليها حادثة.
ههنا يتساءل كثير من الذين تهمهم شؤون العرب وأوضاعهم، هل استيقظ العرب بعد هذه المآسي المؤلمة حقا أم لا؟ يرى البعض أن العرب استيقظوا من رقدتهم الطويلة، أما رأيتم الربيع العربي أو الربيع العربي الإسلامي؛ الذي شهده العالم في السنوات الأخيرة.؟ وأما الكثيرون يعتقدون أن العرب لا زالوا نائمين غير واعين، نظرا إلى أكثرهم. وقد قيل: للغالب حكم الكل فلا عبرة بالقليل الواعي. فمتى يستيقظون؟ وما هي العلامات التي إذا تحققت علمنا أنهم قد استيقظوا ووعوا؟
(1) إذا استيقظ علماءهم وصرحوا بكلمة الحق عند الحكام واستغنوا عما في أيديهم وزهدوا في الدنيا وحطامها واتصلوا بالشعب، وعرفوا الأولويات في أمور الدين، ولم يثيروا الخلافات الدفينة في الأمور الدينية، ونصحوا الحكام، واهتمّوا بالجيل المثقف توعية وتربية وتبصيرا .
(2) إذا عرف التجار والأثرياء واجبهم نحو شعبهم وعرفوا أولويات الإنفاق وأدّوا زكوة أموالهم وأخرجوا أموالهم من بنوك أمريكا وفرنسا والبنوك الربوية أو نحوها وأودعوها في البنوك الإسلامية اللاربوية.
(3) إذا اتصل دارسو الجامعات في البلاد الإسلامية والمثقفون بكتاب الله قراءة وفهما وتدبرا وعملا ودعوة، ودرسوا السيرة النبوية وحاولوا التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم واتبعوا بدعوته وابتعدوا من البدع والمحدثات.
(4) إذا أغلق أهل السوق متاجرهم ودكاكينهم إذا سمعوا الأذان وأسرعوا إلى المساجد وحافظوا على الصلوات.
(5) إذا امتنع عامة الناس من ارتكاب الكبائر والمنكرات وتعاطي المسكرات والمخدرات. وابتعد الدارسون والمثقفون عن محاكات الأجانب والانغماس في البرامج الماجنة التي تبثها الكفرة الفجرة لإغوائهم، وتضليلهم.
(6) إذا وطّدوا صلتهم بالأعاجم ولم يتنفروا منهم ولم يحقروهم ولم يستكبروا تجاههم. ومما يؤلم ويؤسف أننا كثيرا ما نسمع من الإذاعات ونقرأ في الصحف والمجلات هذه العبارة: «الأمتين العربية والإسلامية» فيا ترى! هل هناك أمتان أم أمة واحدة، ولو قالوا : «الأمة الإسلامية» ألا تشمل العرب والعجم من المسلمين.
ومما يؤسف ويؤلم أن الأعاجم الذين يعملون في بلاد العرب قد يعاملون معاملة سيئة يأباها الإسلام والخلق الحسن، فترى أناسا أقاموا في البلاد العربية منذ زمن طويل ولم يحصلوا على الجنسية والمواطنة بعد، وترى عمالا راتبهم أقل من راتب رجل عربي وترى أناسا كثيرا يعملون ليلاً ونهارا يدفعون ضرائب باهظة لمن كفّلهم في تلك البلاد، ومما يزيد الأسف أن شخصيات دينية وعلماء كبار لم يستثنوا من ذلك.
(7) إذا استيقظوا وخرجوا دعاة إلى الله وتحولوا في البلاد الإسلامية آمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وخرجوا إلى البلاد النائية يدعون الناس إلى الخير وينقذون العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده كما خرج الصحابة والمسلمون الأوائل في سبيل الله، وبلّغوا رسالات الله إلى الداني والقاصي، وضحوا بأنفسهم، وبالنفيس والرخيص لإعلاء كلمة الله.
(8) إذا استيقظوا من سباتهم السياسي العميق وفكّروا في ماضيهم وقارنوا بين الماضي والحاضر كيف كانوا دولة واحدة يخافها الأعداء ثم مزقوا كل ممزق وانقسموا إلى دويلات وشبه دويلات، ونعم ما قيل: كل جزيرة فيها أميرالمؤمنين وفيها المنبر. نعم، إذا انتبهوا لهذا وعرفوا ماذا خسروا بهذا الانقسام السيء ثم خططوا لتوحيد دولهم ودويلاتهم وجعلها دولة واحدة قانونها واحد، فعند ذلك تتغير خريطة العالم الإسلامي فستنضم إليها الدول الإسلامية واحدة تلو أخرى إن شاء الله. وعند ذلك تكون الأمة أمة واحدة، ويصدق عليها قوله تعالى: «وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون».
وجملة القول: إن الصحوة الإسلامية الحقيقية لا تتحقق في حياة الأمة العربية إلا إذا توفرت فيها هذه الملامح وهذه العلامات.فهل هناك صحوة حقيقية بمعنى الكلمة أو شعارات وهتافات فحسب لا يجني ثمارها إلا أعداء مؤامرون أو رجال متطرفون؟! ولله الأمر من قبل ومن بعد.
_____
(1) أستاذ الحديث ورئيس قسم التخصص والدراسات العليا
بجامعة دار العلوم زاهدان