ميزات نظام الإرث في الإسلام

سم الله الرحمٰن الرحیم

میزات نظام الإرث فی الشریعة الإسلامیة :
لقد وضعت الشریعة الإسلامیة نظاماً حکیماً عادلاً للتوارث فیما بین الأقرباء، وفصله القرآن الکریم، والسنة المطهرة تفصیلاً دقیقاً، ولم یترکه علیٰ الآراء البشریة، لأنها لا تقدر علیٰ إدراك الحکم البالغة التی لا یحیط بها إلا اللہ سبحانه.
فنریٰ أن أحکام المواریث فی الشریعة الإسلامیة ممتازة عن الدیانات والقوانین الأخریٰ من نواح شتیٰ، ویمکن لنا أن نضبط هذه المیزات بأصول قررتها الشریعة الإسلامیة بالشکل التالی :
(ا) جمیع ما ترك المیت میراث :
إن الأصل فی نظام المیراث الإسلامی : أن جمیع ما ترك المیت من أملاکه میراث للورثة، سواء کان من أشیاء استعماله الشخصیة، کالثیاب، والأوانی، أو من أشیاء یمکن الاسترباح منها، کالأرض، وعروض التجارة، والنقود قررت الشریعة الأسلامیة أن حق الورثة یتعلق بجمیع هذه الأشیاء، صغیرها وکبیرها، نفیسها وخسیسها، ولا یستثنیٰ منها إلا ثلاثة أشیاء، وهی : نفقات التجهیز والتدفین، والدیون، والوصیة الجائزة إلیٰ حد ثلث جمیع الترکة.
وکانت هناك أقوام قبل الإسلام یفرقون فی باب المیراث بین الأشیاء المستهلکة، وبین الأشیاء التی یمکن الاسترباح منها، فلا یحولان إلیٰ الورثة بعد وفاة المالك إلا القسم الثانی فقط، کالأرض والحانوت، والنقود، وأما أشیاء استعماله من الثیاب، والأوانی، والأسلحة، والحلی، فلا ینفذون فیها أحکام الأرث، فکان بعضهم یدفنونها مع المیت فی قبره، زعما منهم بأنه یحتاج إلیها فی حیاته الأخریٰ، وبعضهم یجمعونها فی مکان واحد، ویحرقونها، وبعضهم یقسمونها ثلاثة أقسام : قسم یذهب إلیٰ الورثة، لتکون عندهم کتذکار المیت، وقسم ثان یجهز به الثیاب والحلی للمیت، فتدفن معه فی قبره، وقسم ثالث یحفظ لنفقات الیوم الذی یدفن فیه المیت، فإن النیاحة علیه فی ذلك الیوم کانت لها نفقات خطیرة. وراجع لتفصیل هذه التقالید مقالة «قانون الوراثة» فی دائرة المعارف البریطانیة 13 : 793 .
وکان فی جمیع هذه التقالید ضیاع للأموال، فکانت الأموال القیمة تدفن أو تحرق، أو تنفق فی احتفالات النیاحة، فی حین أن أولاد المیت، وزوجته وأقاربه یحتاجون إلیها غایة الاحتیاج، فحظرت الشریعة الإسلامیة هذه القساوة والجاهلیه، وشرع أن حق الورثة یتعلق بجمیع ما ترکه المیت، حتیٰ بإبرة صغیرة فی متاعه.
(ب) المیراث حق الأقارب، دون الأجانب :
والأصل الثانی فی نظام المیراث الإسلامی : أن المیراث حق لأقارب المیت، ولا مدخل للأجانب فیها، ما دام الأقارب أحیاء، وهنا ك أقوام آثرت الجیران والأصدقاء علیٰ أقارب المیت، فبینما کان جیران المیت وأصدقائه یحوزون أموالاً جمة، یجلس عیاله وذریته بائسین، محرومین عن أموال المیت، بعد حرمانهم عن شخصیته، وفی ذلك ظلم لا یخفیٰ.
وقد ذهب الإسلام فی هذا الأصل إلیٰ حد أنه ألغیٰ المتنبیٰ، وکان العرب فی الجاهلیة یورثون المتنبیٰ، ویزعمونه کالابن النسبی فی المیراث، فألغاه القرآن الکریم، وقرر أن لا ابن فی الشریعة الإسلامیة إلا من ولد للرجل فعلاً، فلا حق لمتبنبیٰ فی المیراث.
(ج) المیراث حق للرجال والنساء، والصغار والکبار :
والأصل الثالث فی نظام المکیراث الإسلامی : أن المیراث یشترك فیه الرجال والنساء، والکبار، والصغار، وکان العرب فی الجاهلیة لا یورثون البنات، ولا النساء، ولا الصبیان شیئاً من المیراث، ولا یورثون إلا من حاز الغنیمة، وقاتل علیٰ ظهور الخیل [۱] کما رواه ابن جریر الطبری رحمه اللہ فی تفسیره 4 : 162 و 163.
جاء الإسلام، فأبطل هذه العادة القاسیة، وأنزل اللہ سبحانه حکم توریث النساء بقوله : ﴿للرجال نصیب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصیب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو کثر نصیباً مفروضاً﴾.
وقد أسند ابن جریر الطبری فی تفسیره 4 : 163 عن عکرمة، قال : «نزلت فی أم کحلة، وابنة کحلة وثعلبة، وأوس بن سوید، وهم من الأنصار، کان أحدهم زوجها والآخر عم ولدها، فقالت : یا رسول اللہ ! توفی زوجی، وترکنی، وابنته، فلم نورث، فقال عم ولدها یا رسول اللہ! لا ترکب فرساً، ولا تحمل کلاً، ولا تنکی عدواً، تُکسب علیها، ولا تکتسب، فنزلت : للرجال نصیب مما ترك الوالدان، الآیة»
(د) الأقربیة معیار للوراثة :
والأصل الرابع فی نظام المیراث الإسلامی أن معیار استحقاق الوراثة هو الأقربیة، فکل من کان أقرب إلیٰ المیت کان أحق بالوراثة من غیره، وإن هذا الأصل مطرد فی العصبات، فالأقرب منهم یحجب الأبعد دائماً، ولیس ذلك بمطرد فی ذوی الفروض، ولکنه ملحوظ فی تعیین أنصبائهم غالباً.
ولکن الرجل فی نظام میراث الإسلامی لا یحجب من فی مرتبته من الأقربیة، لمحض کبر سنه، کما هو معروف عن النصاریٰ، فإنهم یقدمون أقرب أولاد المیت علیٰ غیرهم وفی ذلك ظلم ظاهر علیٰ صغار أولاد المیت، لأنهم یتضررون فی المیراث لمحض أنهم خلقوا بعد إخوانهم الکبار، فأبطل الإسلام هذا الظلم، وسویٰ بیب أولاد المیت، ولم یحدث بینهم فرقاً علیٰ أساس أسنانهم أو أعمارهم.
ثم إن کثرة الاشتراك فی ترکة المیت من العوامل الفعالة فی استئصال الاکتناز، وإحداث التوازن فی توزیع الثروة، ومنع المال من کونه دولة بین الأغنیاء، فکل مال مکتنز فی الإسلام منقسم لا محالة إلیٰ أید متعددة، وذلك بفضل نظام میراثه العادل.
(ه) الوراثة سبب للملك المطلق البات :
والأصل الخامس فی نظام المیراث الإسلامی أن الوراثة تنشئ لکل وارث ملکاً باتاً فی حصته من المیراث، وهذا بخلاف نظام الهنود، وبعض الیونانیین والرومانیین الذین کانوا یلتزمون أحکام الأسرة المشترکة، فکانت الأرض والبنیان عندهم مشترکة بین أعضاء الأسرة لا یستطیع أحد من الشرکاء أن یبیع حصته أو یفرزها من حصة غیره، فتحدث من أجله مشاکل کثیرة، وإن الرجل فی هذا النظام ربما یجلس محتاجاً إلیٰ نقود، ولا یستطیع أن یتمتع بما یملکه من ترکة مورثه، لأنه محجور عن ذلك بسبب اشتراك الأسرة.
وإن الإسلام قد أبطل هذه التقالید کلها، وجعل حق کل وارث منفرداً عن غیره، لمکن له التصرف فی ملکه کیف شاء، ومن أجل ذلك قد حضت الشریعة الإسلامیة علیٰ تقسیم ترکة المیت فی أعجل وقت ممکن بعد وفاته، فإن کثرة الاشتراك یحث النزاعات فیما بین الشرکاء، ویورث بینهم الشحناء.

الشيخ محمد تقي العثماني حفظه الله

نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي بجدة
مجموع المواد : 43
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024