إرهابيون يحاربون الإرهاب
في نحو الساعة الحادية عشرة صباحًا بتوقيت وسط أوربا : في 7/يناير2015م وقع في باريس هجوم عنيف على مقر صحيفة "شارلي إبدو" الساخرة الفرنسية، حيث اقتحم ملثمان مقر الصحيفة، وبدؤوا إطلاق النار من أسلحة كلاشنكوف.أدى هذا الهجوم إلى مقتل 12 شخصاً وإصابة 11 آخرين بمن فيهم رئيس تحرير الصحيفة، وذلك انتقاما من نشر هذه الصحيفة الأسبوعية الساخرة رسوما كاريكاتورية مسيئة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث قامت الصحيفة بنشر رسوم كاريكاتورية سَيِّئَة ومثيرة للغاية مسيئة إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم في عددها الذي صدر يوم الأربعاء 19/ 9/2012م، وصَوَّرَتِ فيها النبيّ – على زعم الرسّام – عارياً إيغالاً في الاستهزاء. وكانت هذه الصحيفة قد نشرت رسوما مماثلة في عام 2011م أيضا؛ ولكن الصحيفة بعد الهجوم بدل أن تعتذر عن نشر هذه الرسوم المشينة التي أفسدت العلاقةَ بينها وبين العالم الإسلامي، ازدادت إيغالاً في انتقاد الإسلام وإثارة المسلمين بنشر نفس الرسوم مُجَدَّدًا في عددها الذي صدر بعد الهجوم بحجة أنّ ذلك هو حرية الرأي التي يتمسّك بها الغرب كمبدء ثابت من مبادئه الدستوريّة الحكوميّة، وكَثَّفَت الصحيفة الإساءةَ إلى الرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم عَبْرَ توزيع أعدادها المحتوية على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وصَرَّحت أن غرضها الوحيد من وراء نشرها هو انتقاد الإسلام، فاحتجّ المسلمون في فرنسا وفي البلاد المجاورة ضدّ موقف الصحيفة الاستفزازي غير الحضاري احتجاجاً صارخاً كاسحاً، حتى اضْطُّرَتْ البلاد إلى اتخاذ تدابير أمنية إضافية حول مراكز حكومية وثقافية مهمة، والجديرُ بالذكر أنّ فرنسا هي الدولة الوحيدة بين دول الاتحاد الأوربي الذي يكثر فيه السكان المسلمون الذين يُشَكِّلون نسبة 10٪ بين مجموع السكّان.
وما إن عَمَّ الخبرُ عَبْرَ الصحف و وسائل الإعلام حتى اشتدّت وتكاثرت واتصلت المظاهراتُ والاحتجاجاتُ والاستنكارات والتنديدات والاعتصامات في شتى أنحاء العالم، ولاسيّما في البلاد الإسلامية عموماً وفي باكستان خصوصاً، وتَسَلْسَلَ ذلك لأيام، وأَشَدُّ الاحتجاجات في هذا الصدد شَهِدْتها دولة نيجر، التي قام فيها المسلمون بمظاهرات احتجاجية عنيفة، وقد أُطْلِقَ الرصاصُ على المحتجين فيها مما أدّى إلى مقتل كثيرين وإصابة كثيرين، وفي عدد من البلاد تعرضت البضائع الفرنسية لسخط المحتجين؛ حيث إن عددًا منها أعلن مقاطعةَ البضائع الفرنسية.
والجدير بالذكر أن الغرب بدأ يحارب الإسلام منذ أمد بعيد بأساليب مختلفة غير مسبوقة، وقد اختار الغرب لذلك طرقا كثيرة، ومن بينها أن يُحدث في قلوب الشباب سوء الظن بالإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام حتى يَتَقَزَّزَ منهما الشباب، واحتضن كلَّ من أَسَاءَ إلى الإسلام تعاليمه ونبيه إساءةً بالغة بأسلوب مثير للغاية واستهزأ بقوله أو فعله، وشمله بعطفه ولطفه وأغدق عليه الجوائزَ والوساماتِ، ورفع قامتَه وقيمتَه بالاحتفال به والثناء عليه، حتى ظهرت في شباب المسلمين ظاهرة خطيرة؛ وهي أن كل أحداث التشدّد والعنف والإرهاب يحمّلون - مثل الأعداء - مسؤوليّتَها المسلمين والإسلامَ، ويقومون بدعايات مكثفة بأن الإسلام دين الإرهاب وأبناءَه إرهابيّون مُتَشَدِّدُون، ويسيرون مقولةَ أن جميع المسلمين المُلْتَزِمِين بالإسلام قد لايكونون إرهابيين؛ ولكن جميع الإرهابيين هم المسلمون الذين لا يقدرون على احتمال غيرهم في أي مكان من المجتمع البشريّ؛ وإن الجمعيّات الخيريّة الإسلاميّة كلّها متعاونة مع الإرهاب والتطرف والتشدّد، وأنها لا تتحرك في مجال الخير إلاّ لتفريخ الإرهاب؛ يقولون أن نبي الإسلام محمدا صلى الله عليه وسلم معلِّم هذه المعاني ومخرج أمته عليها.
يريد الأعداء من خلال هذه الحرب التي بدأت باسم "مكافحة الإرهاب" القضاء على الإسلام والمسلمين، ولأجل إنجاز هذا الهدف هَجَمَ الأعداء بقيادة أمريكا على كل من أفعانستان والعراق وباكستان وعدد من الدول الإسلاميّة والعربية في حرب ساخنة وباردة معاً، وجَعَلَوها جحيماً لا تُطَاق على أهلها، وقتلوا أهلَها بعدد الملايين، وجَرَحَوا عددًا لايُحْصَى، واعتقلوا كثيرا من الشباب الإسلامي المُلْتَزِم ومُلاَحَقَتِه بكل طريقة ممكنة، وزجوا بهم في السجون والمُعْتَقَلاَت، وعذبوهم فيها بأسلوب اقْشَعَرَّتْ منه جلودُ كلِّ الذين شاهدوا بعضَ صور التعذيب التي تمّ تسريبُها وعرضُها على شاشات التلفاز والإنترنت العالميّة، مما أبكى حتى غيرَ المسلمين الذين كانوا لم يفقدوا بقايا من حياة الضمير الإنساني، الذي يرقّ لا محالة للاعتداء الوحشيّ يقع على فرد من بني البشر.
وكذلك زَرَعَوا في ربوعها الخرابَ والدمارَ بشكل غير قابل للتلافي على مدى قرون طويلة، مهما تضافرت الجهود، وتوفّرت الوسائل، وتعاونت المجتمعات البشرية على تلافي الخسائر التي لَحِقَتِ العالمَ الإسلاميَّ من الحرب الأمريكية الغربية الصليبية الصهيونية على ما سَمَّتْه الأعداء بـ«الإرهاب» أي الإسلام، وعلى «الإرهابيين» أي المسلمين ولاسيّما المُلْتَزِمِين، كما زَرَعَ الأعداء من خلال الحرب على الإرهاب بقيادة أمريكا في ديار الإسلام الطائفيّةَ وجرثومةَ الحرب الأهليّة غير القابلة للمكافحة، حتى لايُتَاحَ لها أبدًا الأمنُ والسلامُ والتعايشُ السلميُّ والتضامنُ الشعبيُّ. وكلُّ ذلك باسم زرع الديموقراطيّة التي عَرَّفَها كحجر الفلاسقة لعلاج كل مشكلة تُوَاجِه الشعبَ والبلادَ.
وعلما بأن أمريكا وحلفاءها التي أعلنت الحرب على جميع البلاد الإسلامية بشكل مستور، وعلى بعض البلاد الإسلامية بشكل مكشوف، قد لحقتها خسائرُ لا تُعَوَّض وتؤدّى بها إلى الإفلاس الذي لا تُفْصِح عنه اليومَ اجتناباً افتضاحَها أمامَ العالم؛ ولكن فضاحتها ستظهر قريبا – إن شاء الله تعالى – بشكل تِلْقَائِيٍّ رغمَ محاولتها لإخفاء أمرها، وحينئذ تضطر إلى أن تعلن عنها وليس ذلك الحين ببعيد وبجانب الخسائر المالية تجشمت أمريكا خسائرَ معنوية، وخسائرَ عسكريةً فادحةً.
وما هذه الأعمال إلا إثارة المسلمين وإسخاطهم لأنهم يعلمون جيدا أن المسلمين يحتملون كلّ شيء من خسارة في الأرواح والممتلكات؛ ولكنهم ليس بوسعهم أن يحتملوا الإساءةَ إلى حرمة النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي يحبونه أشدّ وأكثر من حبهم لأنفسهم ولوالديهم ولأولادهم، ويفدونه بمُهَجهم وأرواحهم، ويَرَوْنَ حقًّا أنّه لاقيمةَ لحياتهم ولكل ما في الدنيا إذا انتهك أحدٌ حَرمتَه صلى الله عليه وسلم وفيهم عرقٌ ينبض وعينٌ تطرف؛ ولذلك تَحوَّلَ العالمُ الإسلاميُّ نارًا تتقد.
كلّ ذلك حدث ويحدث بحجة أن إنتاجه ونشره عملٌ بحريّة الرأي، والتنديدُ به عملٌ مُضادٌّ لهذه الحرية التي هي أقدسُ لديه من كل شخص مُقَدَّس إنّ حريّة الرأي شيء عجيب في الغرب لايكاد يدرك كنهَها الإنسانُ مهما كان عاقلاً، حيث يرى أن العالم يحترق، والمخاوف تَتَدَلَّى على رؤوس أبنائه كالسيف المُصْلَت؛ ولكنه لا يرضى أن يَنْبُسَ ببنتِ شفة في الاعتذار عما قام به السفهاءُ من أبنائه من الإساءة إلى ديانة كبرى في العالم مثل الإسلام وإلى أقدس وأعظم شخصيّة لدى المسلمين مثل النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم
كيف هذه الحرية التي تجرح مشاعر الآخرين خصوصا المسلمين، وتسيء إلى أي ديانة ولاسيّما الإسلام،بل إنها وسيلة الإصرار على الإساءة إلى الإسلام بحجة العمل بحرية الرأي.
وفي هذا الوضع نريد من كل البلاد الإسلامية أن تحتج احتجاجاً صارخاً ضدّ البلاد التي تسمح بصدور مثل هذه الرسوم وأن تطالب باعتقال وعقاب جميع المساهمين في مثل هذه الأعمال الشنيعة، أن تأمر بإغلاق المواقع الإنترنيتية التي تسيء إلى الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم. و تعزز العلاقة بين الدول التي تحترم بالأديان وأن تطالب الأمم المتحدةَ بوضع قانون صارم للمنع من الإساءة إلى الإسلام؛ حيث يوجد في الدول الغربية قانون يمنع من الإساءة إلى اليهود وإلى الديانات الأخرى.