حصار العالم الإسلامي.. والاحتياج إلى الفراسة الإيمانية
فإن المصاب جلل، والخطب هائل، والكارثة فاجعة، والحادثة مؤلمة، والوقعة موجعة، والوضع مدهش، والظروف تُزيغ الأبصار، وتوصل القلوب الحناجر، وتخطر الظنون بالبال ظنوناً، والأمة تُبتلى ابتلاءً عسيراً، وتُزلزَل زلزالاً شديداً، إلى أن كاد يقول بعض المسلمين ضعفاء العقيدة:’’ إن الله تعالى لم يعدهم بالفوز والفلاح والنصرة على الأعداء إلا غروراً....... فإنا لله وإنا إليه راجعون !!!
الأمة مستهدَفة من فوقها ومن أسفل منها، ومن شرقها وغربها، وجَنوبها وشِمالها، ومن وراءها وأمامها، مستهدفة بحروب ساخنة وأخرى باردة، مستهدفة في أبناءها ومقدساتها، وشعائرها وأعلامها، مستهدفة من قبل أعداءها قتلاً علنياً، وخداعاً سياسياً، ومكراً ودهاءً، مستهدفة بأقلياتها وأكثرياتها، بعربها وعجمها، بعلماءها ومثقفيها وأضدادهم، مستهدفة عسكرياً وفكرياً ومادياً واقتصادياً.......حتى آن الأوان أن تُقبر موؤدة بدون ذنب...... وأن تُطمس حضارتها من على وجه الأرض بكل وقاحة .... فلا تحوُّل عن حال، ولا قوة على تحوُّل إلا بالله عزوجل.
آه........ يا أمة الإسلام !!! و آهٍ ثم آه....... على عالَم الإسلام !!!
لأي صروف الدهر فيه نعاتب ** وأي رزاياه بوتـر نطـالب
فالعالم الإسلامي جسد مصروع على وجهه، تداعى عليه الأمم الأعداء كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فحاصروه أولاً من جميع الجهات، ثم ركبوه _كالذئاب الضارية _ فوطؤه وداسوه، وتنازعوه فتجاذبوه ثم تناوشوه فمزّقوه كل ممزّق.......
وإنني لأرى هذا الجسد الصريع بأم عينيّ أمامي..... فإذا أمعنت النظر، وسرحت البصر، فتالله لم أجد فيه عضواً سالماً، فهو جريح مقطّع، وقريح مبتّر من شعر رأسه إلى أصابع رجليه، خرق وحرق في الملابس، ورشاشات من الدماء، ومضغ من اللحوم، وعبرات من الدموع...... كلها متناثرة هنا وهناك....... فعيناي تنسكبان ونفسي تذوب من همجية المنظر.
رصاصات تثقب، وخناجر تقطع، وسكاكين تذبح، وهراوات تضرب، ونيران تُطلق، وقذائف تقذف، وطائرات تقصف، وصواريخ ترمي، ودبابات تفور، ومدفعيات تصيب....... والهدف ليس إلا واحداً.... وهو جسد العالم الإسلامي الصريع، فما بالك بحاله في هذه العمليات كلها ؟ فيا سبحان الله !!!
مصـائب شتى جمِّعت في مصيبـة ** ولم يكفها حـتى قفتها مصائب
فلا نذهب بعيداً، حتى نحكي لكم ما يدور على الأمة في ولايات، وأقاليم، ومناطق، وجمهورياتٍ كانت تحت وطأة الاستعمار الروسي الغاشم، أو نخبركم بعثور البوسنيين على المقابر الجماعية يوماً فيوماً إلى الحين، أو بما هو يجري في أفغانستان، أو فى فلسطين من المجازر بأيدي اليهود والنصارى، والسيطرة على المراكز الحكومية والمكاتب الرئاسية في كلتا الدولتين ( كدار أمير المؤمنين ومكتب السيد ياسر عرفات )، وما تُجرح من أعضاء هذا الجسد، الملقى على فمه في سائر أرجاء المعمورة.....بل هلمَّ بنا لنذهب إلى الهند المجاورة لنرى فيها ما ذا يُفعل بالأمة، لا أعني بها كشمير.... بل أريد أن نتدخل أكثر..... لنشاهد جماهيرية هذه الجمهورية الكبرى..... فتعالَوا نسأل عن واحد من الكتَّاب الهندوس عن المجازر والمذابح التي وقعت في هذا الشهر ( مارس ) من قبل الهندوس في حق المسلمين حول قضية المسجد البابري ومعبد راما في ’’ غجرات ‘‘ فاستمعوا إلى ’’ هرش مندرجي‘‘ الكاتب الهندوسي الذي قام بدورة المناطق المنكوبة يقول عن جهاز ’’ انترنيت‘‘.
1: شاهدت في مخيم واحد ثلاثة وخمسين ألفاً من اللاجئين في حالة سيئة جداً.
2: كانت من بينهم مرأة، كانت تحمل جنيناً في بطنها لثمانية أشهر، استرحمت الهندوس الإرهابيين، فإجابة لاسترحامها شقّوا بطنها، وأخرجوا الولد، وقطعوه أمامها.
ألا موت يبـاع فأشتريـه ** فهذا العيش ما لا خير فيه
3: عساكر الهجوم والغارات كانوا مجهزين بكل عتاد من السيارات والتلفونات الجوالة والأسلحة الفتاكة، وقارورات المياه الباردة، والقنبلات البارودية المحرقة، وشاحنات مملوءة من أسطوانات الغاز، وكانت بأيديهم قائمات وفهارس لبيوت المسلمين في ’’ أحمد آباد ‘‘ فبعد قتلٍ منظم ومنسق كانوا يُحرقون البيوتات بأسرها.
4: و كأن المنكوبين كما تكلمتُ معهم ما كانوا يتكلمون بألفاظ وحروف بل يلفظون قيحاً وصديداً ودماءً.
5: شفتُ بيتا من البيوت، جُمع فيه تسعة عشر مسلماً إنساناً، أرسلت المياه عليهم من الفوق مع تيار كهربائي، فماتوا طائشين في المياه محترقين، منخنقين.
6: استمعت في ’’ جوهوباره ‘‘ إلى طفل ابن ست سنوات قُتل أمامه أبواه وأشقاءه ونفسه هو، ولكن الحياة كانت بيد الله تعالى، أن ظنه القتلة ميتاً، وهو كان مدهوشاً...... فما ذا ترون..... الذي مر بهذا الولد ؟
7: كما علمتُ أن في ’’ نروراباتيا‘‘ أضل أحد الشرطة، ناسياً منصبه العظيم امرأةً مسلمةً مع طفلها ابن ثلاثة أعوام وانتهى بهما إلى القتلة، فقتلوهما بأبشع ما يمكن.
8: سمعت في مخيم ’’ أمان جوك ‘‘ إلى الفتيات المسلمات اللائي كن أُصبن في عفافهن وأعراضهن..... بالذي لا آذان سمعت، ولا عين رأت، ولا، ولن، ولم يخطر على قلب بشر.
9: ولو يتفكر هناك أحد حول خدمات المنظمات الغير الحكومية من بين الفرق الإغاثية (NGO’S) لكان يتصور كأن لم تكن، لعلها لا توجد أية منظمة أو فرقة للهندوس أبداً في قائمة هذه المنظمات !!!
10: وما أحرقوا من المصاحف، والكتب الإسلامية، والمساجد والمدارس فهو كما رآه الكثيرون على شاشات التلفاز، وعلى أوراق الصحف والمجلات علنياً جهاراً.
هذا غيض من فيض الغير المبالَغ فيه، لأنه مقال لكاتب هندوسي يكتب ما رآه..... وإلا فالآلام والجروح كثيرة، تناولتُ منها ما كان قريباً منا شيأً بالتفصيل.
ومن المعلوم أن الذي حدث بالهند، أو ما يحدث في فلسطين وأفغانستان والدول الأخرى، ما حدث صُدفةً أو فجأةً، بل هو برنامج مدروس، ومشروع مخطط من قبل الحركات، والمنظمات، والحكومات، والدول المعادية للإسلام والمسلمين.
فالهندوس المشركون الوثنيون عبدة الأصنام حفدة أبي جهل وسائر مشركي مكة يريدون إقامة ’’ الهند الكبرى‘‘ ويدّعون بامتلاك الكعبة المشرفة ديانةً كمعبد هندوسي كان لعبادة الأصنام، فهم يرومون إعادتها إلى المعبد، كما أنهم أرسلوا وفوداً إلى إسبانيا ليتلقَّوا ويستفيدوا دروساً منها في إنهاء النسل الإسلامي عن الهند متماشين على دأب إسبانيا.
واليهود يريدون تأسيس دولة ’’ إسراءيل الكبرى ‘‘ وامتلاك المسجد الأقصى والبقعة المباركة لبناء الهيكل المزعوم فيفعلون ما يفعلون ضد الفلسطينيين ما لا حاجة إلى بيانه هنا.
ألا ترى إلى اليهود الذين كانوا دائماً يحرِّضون أعداء الإسلام ضد المسلمين كما فعلوا في جميع الغزوات والسرايا لا سيما في غزوة الأحزاب.
فمرة أخرى اجتمع اليهود والهنود (المشركون ) ضد الإسلام وأهله عالمياً حتى فازوا بإقامة النصارى الصليبيين في طابور أعداء المسلمين، المحاربين بهم في أرجاء الدنيا، ولا يزالون يخططون ضد الإسلام، ويحرضون الأقوام والشعوب ضد المسلمين، حتى زُلزل المسلمون لدساءسهم ومؤامراتهم ودهاءهم.
في حمى الحـق ومن حول الحـرم ** أمـة تُـؤذى وشعـب يُهتضـم
فـزع القـدس وضـجت مـكة ** وبـكت طيبـة مـن فـرط الألم
رب هـل قــدّرت أن لا ينجلي ** ما أصاب الشرق من خطب عمم
وأثناء هذا الكل نداءات ودعوات من بعيد...... آه.... دعوات من الصحافة المتحضرة الراقية المزدهرة في العالم.... هي ليست بنداءات ودعوات بل هي صرخات وصيحات، ما هي ؟؟ هي صيحات تصيح بها أهلوها وصرخات تصرخ بها ذووها، إلى القيام من القرناء السوء بشق قلب ذلك الجسد الصريع، وإصابة فؤاده بقنبلة نووية.... فيالله.... ويا للعجب....ولضيعة الإسلام!!!
أو تعرفون قلبه ؟ وهل تعلمون فؤاد ذاك الجسم المكلوم ؟ وما أدراكم بقلبه ؟ ثم ما أدراكم بفؤاده ولبه ؟؟...... ألا إن فؤداه وقلبه هو ما يسمى بمكة المكرمة..... نعم لا يريدون النيل من أطراف العالم الإسلامي، ولا من أبناء الأمة الإسلامية فحسب، بل يقضون عليه بكاملها ولا سمح الله بذلك ولا قدّره.
آه..... فالعالم الإسلامي في حصار قارّياً ودولياً، فكرياً واقتصادياً، محاربةً ومؤامرةً....... تكالبت عليهم الأعداء كالكلاب لايهمهم إلا القضاء على الإسلام وأهله وأرضه، والمسلمون صغاراً وكباراً، أفراداً وجماعاتٍ، شعوباً وحكوماتٍ، حيارى تائهين يعمهون، لا يستطيعون أن يُقدِموا، لأن الإقدام للجهاد أشد إهلاكاً حسب الظاهر، لما أن العدو مسلح بجميع أنواع الأسلحة الفتاكة وسائر وسائل استعمالها واستخدامها، وتوفر الذرائع طُرّاً، مع تحالفاتعهم العالمية ضد المسلمين..... أما المسلمون فهم مصيدة تشتت وتفرق، مع فقدان ما يقابل وسائل الكفرة الفجرة كما لا يستطعون أن يتخلفوا عن مواقفهم في الشؤن والمعاملات والنزاعات المنطقية والقارية والدولية لأنهم ضحّوا في سبيلها بكل أغلى وأرخص منذ سنوات عديدة وأعوام مديدة كفلسطين وكشمير وأفغانستان......و......و...... والرزية فوق الرزية حول بعض المسلمين عواماً وخواصاً كما يقول المتنبي:
أرى المسلـمين مـع المش ** ركين إما لعجز وإما رهب
فهذا هو الموقف الحرج، وهذه هي الداهية العظمى، التي يُمتحن فيها العباقرة العمالقة النوابغ، فالعبقري هو الذي يمهِّد طريقاً، ويعبِّد سبيلاً في غابات ومفاوز وقيعان وأودية وجبال........ لا يمكن للآخرين أن يفكروا حولها فضلاً عن الإتيان إليها والقيام بتمهيدها وتعبيدها حسب قول الشاعر الحماسي تأبط شراً:
إذا المرأ لم يحتل وقد جـد جده ** أضاع، وقاسى أمره وهـو مدبر
ولكن أخو الحزم الذي ليس نازلا ** به الخطب إلا وهو للقصـد مبصر
فذاك قريع الدهر ما عـاش حُوَّل ** إذا سُـدَّ عنه منخر جـاش منخر
فالأمة وقعت في أخطر منعطفاتها التاريخية فأقل شيء من حركتها يمكن أن تتسبب في إنقاذها أو محوها من على وجه المعمورة...... فإما هنا وإما هناك...... فهي بأمس حاجة إلى نابغة مغمور بالفراسة الإيمانية حاكماً كان أو ملكاً، رئيساً كان أو وزيراً، صحفياً كان أو داعيةً، مجاهداً كان أو مفكراً يُخرج الأمة والعالم الإسلامي من هذا الحصار الغاشم الذي كاد أن يوقعهما في الهوة الهاوية، بل وتحتاج إلى نوابغ، لا إلى نابغة واحدا، ليقود كل واحد منهم الأمة في ميدانه الخاص به، سياسةً وسيفاً، ودعوةً، وجهاداً، رمحاً وقلماً، كما ينبغي لها أن تُعيد نظرها في قضاياها الأهم فالأهم بها، إما تقدماً وإما تركاً وتخلفاً، والإعداد بأبناءها قبل قيامهم بإرهاب الأعداء كما قدم القرآن الكريم الإعداد على الإرهاب،ومن الواجب عليهم الاهتمام باللغة العربية التي هي لغة ترابط إسلامي عالمي.
وأن تخطط مشاريع حول تصنيع شخصيات ورموز وأيقونات عالمية وكذا إدارات عالمية ومنظمات و هيئات دولية بعيدة المدى والصلاحية، وأن تُبرمج لها برامج طويلة الزمن لاتتغير أهدافها ومقاصدها بتغيرمدراءها ومسؤوليها والقائمين عليها مستفيدةً في هذا من الدول والمنظمات والهيئات الكبرى العالمية التي نجحت لأجلها في مقاصدها في هذه الحياة الدنيا، كما يقول الدكتور فتحي يكن: ’’ ولابدمن معرفة مشاريع الآخرين أصدقاء وأعداء والتجارب التغييرية المختلفة، واستكشاف أسباب نجاحها إن نجحت أو فشلها إن فشلت ‘‘، كما ينبغي للأقليات منها (وخاصة الأقلية الإسلامية في الهند، التي ليست بأقلية من حيث العدد، لأنها زهاء ربع المليار) أن تستميت في الدعوة والتبليغ في مجتمعاتهم التي يسكنون فيها مع التسلح بالتجارة والأعمال الخيرية بعد أن يتسلحوا بأعلى وأرقى ما لديهم من العلوم الجديدة والقديمة والتقنية مكان أن يتخلصوا أو يتحرروا بمناطقهم وأقاليمهم وولاياتهم من تلك المجتمعات، وليكن عملهم هذا كله بالحكمة التامة والموعظة الحسنة، لأن التجارب تُثبت أن التحرر باسم الإسلام والمسلمين بدون الاستعداد إدارياً وقيادياً مضر أكثر، ومؤدٍّ للمسلمين إلى انقسامات عرقية منطقية، فالإسلام عالمي، والعالم كله للمسلمين، بدون تفريق بين العالم الإسلامي والعالم اللاإسلامي.
هذا مما خطر ببالي وألتمس إلى الإخوة الكتّاب المسلمين في جميع أكناف الدنيا، أن يكتبوا حول طرق الخلاص وأسباب النجاة من هذه المحاصرة التي يقول فيها الشاعر:
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ** إن كان في القلب إسلام وإيمان!
الشيخ ولي خان المظفر
الأمين العام للمجمع العالمي للدعوة والأدب الإسلامي