بقلم :
الإدارة
يمكنك القراءة في 24 دقيقة و 12 ثانية
أبو سليمان، إسحاق بن محمد أفضل بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن منصور بن أحمد بن محمد بن قوام الدين العمري الدِّهلوي
اسمه ونَسَبه:
هو أبو سليمان، إسحاق بن محمد أفضل بن أحمد بن محمد بن إسماعيل بن منصور بن أحمد بن محمد بن قوام الدين العمري الدِّهلوي، هكذا ساق نسبه في "نزهة الخواطر" (7/59)، ورفع عبد الستار الدهلوي بقيته في "الفيض" (1/120) إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه.
وأمه هي عائشة ابنة الشاه عبدالعزيز بن الشاه ولي الله بن عبدالرحيم بن وجيه الدين بن معظم بن منصور المذكور.
المولد والنشأة والطلب:
قال في "نزهة الخواطر": "وُلد لثمانٍ خلون من ذي الحجة سنة ست، وقيل: سبع وتسعين ومائة وألف بدهلي[1]، ونشأ في مهْدِ جده لأمِّه المذكور، وقرأ الصَّرْف، والنحو إلى "الكافية"؛ لابن الحاجب على الشيخ عبدالحي بن هبة الله البدهانوي، وقرأ عليه "المقامات الهندية"، وأخذ عن مولوي رشيد الدين.
وقرأ سائر الكُتُب الدراسية على الشيخ عبدالقادر بن ولي الله الدهلوي، وتفَقَّه عليه، وأخذ الحديث"، قلتُ: ومن ذلك قرأ وسمع عليه الكُتُب الستة والشمائل[2].
وقال النوشهروي في "تراجم علماء أهل الحديث في الهند" (1/136): إنه أخذ المعقول والمنقول على الشاه عبدالقادر، والشاه رفيع الدين.
الأخذ عن جده لأمه الشاه عبدالعزيز وبداية العطاء:
قال الحسني في "النزهة": "ثم أعاد قراءة كُتُب الحديث على جده لأمه عبدالعزيز المذكور، وكان بمنزلة ولده، واستخلفه الشيخ المذكور، ووهب له جميع ماله من الكُتُب والدور، فجلس بعده مجلسه، وأفاد الناس أحسن الإفادة".
قلت: جلس مجلس جدّه بعده وفي حياته أيضًا، وكان الشاه عبدالعزيز يحيل عليه الطَّلَبة آخر عمره، وقال لأحد من أراد القراءة عليه[3]: "فوّضتُ إلى قائم مقامي ابن بنتي الشيخ إسحاق، فإنَّ أخذَكَ عنه كمَأخذِكَ عني"، وهذه شهادة رفيعة بحقِّه.
قال الحسني في ترجمة الشاه عبدالعزيز (7/299): "وأما سبطه إسحاق بن أفضل العمري، فإنه كان مقرئه، يقرأ عليه كل يوم ركوعًا من القرآن وهو يفسره، وهذه الطريقة كانتْ مأثورة من أبيه الشيخ ولي الله، وكان آخر دروس الشيخ ولي الله المذكور،: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}، ومن هناك شرع عبدالعزيز، وآخر دروسه كان: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ}، ومن هناك شرع سبطه إسحاق بن أفضل، كما في مقالات الطريقة".
وصار الطلبة يتوافَدُون عليه من أنحاء الهند، وانفرد برئاسة الحديث خصوصًا، والعلم عمومًا في الهند بعد جدِّه، وهو الذي أمَّ الناس في جنازته.
وقال النوشهروي: "قال الشاه عبدالعزيز فيه: أخذ مني إسماعيل - يعني الشهيد - أُسْلوبي في المحاضرة، وأخذ رشيد الدين الكتابة، وأخذ إسحاق التقوى، وعيَّنه إمام الناس في الصلاة، وكان يؤمهم وعلى رأسه قلنسوة دون العمامة؛ لنشر السنة، ولكي يعرف الناسُ بأن الصلاة تجوز بدون العمامة، فاشتكى الغلاة عدة مرات إلى الشاه عبدالعزيز بأنه يصلِّي بالناس دون العمامة، فقال جده يومًا: الآن يصلي بالقلنسوة، ولكني سأقول له فيما بعد ألاَّ يلبسها، ويلزم الناس أن يقتدوا به، وكان الشاه عبدالعزيز إذا رأى ابن أخيه الشاه محمد إسماعيل الشهيد وحفيده محمد إسحاق يتلو هذه الآية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39]، وبدأ التدريس في حياة جدِّه لأمه، ودرس سنوات في وجوده، وبعد وفاة جده صار مقامه. انتهى المراد منه معرّبًا.
موقفه من حركة أحمد عرفان:
لما قامتِ الحركة الإصلاحيَّة بقيادة أحمد عرفان ومحمد إسماعيل - وهما من تلامذة جده - ورفعت راية الجهاد ضد السيخ والإنجليز: كان الشيخ محمد إسحاق من أبرز العلماء الذين ناصروها وبايعوها، وكان لهذه الدعوة الأثر الكبير في الهند، وقامتْ لهم دولة إسلامية تحكم بالكتاب والسنة.
ولكن قُتل المصلحان أحمد عرفان ومحمد إسماعيل الشهيد في معركة بالاكوت بتاريخ 24/11/1246 [4] وكان للمترجم دور قيادي في الحركة، ولقبه: الصدر الحميد[5].
رحلته للحرمين:
سافر المترجم له إلى الحرمين الشريفين سنة إحدى وأربعين ومائتين وألف[6]، وأدى فريضة الحج، وأبرز من لقي في مكة الشيخ عمر بن عبدالكريم العطار (ت 1247)، فقرأ عليه وأجازه، ولقي محمد حياة السندي، وعبدالحفيظ العجيمي.
ثم رجع إلى الهند، ودرَّس ببلدة دهلي ست عشرة سنة، أخذ فيها عنه الكبار.
وفي شوال سنة 1258 أزمع المترجم له على الرحيل للاستقرار في الحرمين مع أخيه يعقوب وأهل بيته، يقول النوشهروي: فمكث في نظام الدين بدهلي ثلاثة أيام، وطلب منه أكثر العلماء وأشراف دهلي أن يبقى ويترك السفر، حتى طلبه مسؤول كبير، ولكنه لم يَثْنِه عن قصده، وأخذ المفتي صدر الدين والسيد نذير ميان منه شهادة الإجازة هنا. انتهى.
واستخلف المترجم له تلميذه الكبير السيد نذير حسين مكانه في التدريس، وهاجَرَ إلى مكة المشرَّفة، وحج، واستقر هناك إلى آخر حياته، مع إقراء وتدريس مَن يأتيه، وأقرأ في المسجد الحرام (على ما في "أعلام المكيين" 1/438) والمسجد النبوي، وهناك كان بينه وبين رئيس علماء مكة عبدالله سراج محبة عظيمة.
من أخباره:
قال النوشهروي: قال السير أحمد خان: كنتُ أحضر وعظ الشاه إسحاق، فيزدحم الناس خارج البيت، وتزدحم النساء داخل البيت، وكانت مراكب (الهودج) كثيرة لا تُعَد، وتحضر الأميرات، ويرسل الأمراء الطعام الفاخر بأنواعه، وتقول له الأميرة: يا أيها الشيخ، الطعام حاضر، فيقول الشاه: وزِّعيه، فكانتِ النساء يوزعن الطعام إلى الطلبة والرجال أولاً، ثم يوزعن بينهن، فإذا زاد الطعام تقول الأميرة: يا أيها الشيخ، بقي الطعام، فيقول: يا بنتي، لم يبقَ الطعام لي، اتركيه.
وكانتِ النسوة الفقيرات يأتين من أنحاء المدينة[7]، ويسكنَّ الأسابيع في بيت الشاه؛ كأنهن في بيت والدهن، ويذهبن عند إراداتهن، وكان نفس الشيء في مكة المكرمة حينما كان الشاه هنا.
من الثناء عليه:
قال الشيخ شمس الحق العظيم آبادي في "تذكرة النبلاء" - كما في "نزهة الخواطر" -: "إن الشيخ عبدالله سراج المكي كان يقول بعد موته عند غسله: والله إنه لو عاش وقرأت عليه الحديث طول عمري ما نلت ما ناله".
وكان شيخه الشيخ عمر بن عبدالكريم - رحمه الله - يشهد بكماله في علم الحديث ورجاله، وكان يقول: قد حلَّت فيه بركة جده الشيخ عبدالعزيز الدهلوي[8].
وكان جدُّه الشيخ عبدالعزيز كثيرًا ما يتلو هذه الآية الكريمة: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39].
وكان شيخنا نذير حسين يقول: إنِّي ما صحبت عالمًا أفضل منه، وكثيرًا ما ينشد - رحمه الله -:
برائي رهبري قوم فساق دوباره آمد إسماعيل وإسحاق
وتقدم نقلُ كلام الشاه عبدالعزيز: فوَّضتُ إلى قائم مقامي ابن بنتي الشيخ إسحاق، فإنَّ أخذَكَ عنه كمَأخذِكَ عني.
وقال شيخه عمر بن عبدالكريم العطار في إجازته الكبرى له: الشيخ الفاضل السابق في حلبة الفضائل، الباذل في تحصيل العلوم الشرعية الجهد، المشمر في اقتناصها عن ساعد الجد، مولاي العلامة الفَهَّامة المولوي محمد إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي، جَعَلَهُ الله من أئمة المتقين، ونفعه ونفع به المسلمين.
وقال في إجازة ثانية: العلامة الفهامة التقي الناسك مولانا وسيدنا.
وفي إجازة ثالثة: العَلاَّمة ذو الأخلاق المرضية، والفهامة المتَّصف بالشمائل السنية.
وقال تلميذه الكبير السيد نذير حسين في إجازته للمولوي عبدالله المعروف بغلام رسول (خ): الشيخ الأورع البارع، المختص بالمآثر الجلية والمفاخر العليَّة على الإطلاق.
وقال في إجازته للمولوي منهاج الدين (خ): الشيخ المكرم، الأورع البارع في الآفاق.
ووصفه في إجازة أخرى له (خ): بمسند الوقت في الآفاق.
وقال في إجازته لعبد الجبار الغزنوي (خ): الشيخ الأورع، والزاهد الأفقه، المشتهر في الآفاق، الشيخ محمد إسحاق، جمعنا الله وإياه في دار كرامته يوم التلاق.
وقال عبدالقيوم البدهانوي في إجازة لأيوب الفلتي (من مشيخة العطار 15/أ): شيوخي أولاهم وأفضلهم عندي الشيخ محمد إسحاق.
وقال عالم علي المراد آبادي في إجازته لمحمد علي أكرم الآروي (نقلها العطار في مشيخته 90/أ): الشيخ المحدِّث الأكمل، والفاضل الأجل الأبجل، الجامع بين العلم والعمل، مولانا ومرشدنا وهادينا المشهور في الآفاق.
وقال عبدالرحمن الباني بتي في إجازته لأحمد العطار (من مشيخته 66/ب): من أجل مشايخي مولانا المولوي محمد إسحاق الدهلوي ثم المكي.
وقال يعقوب خان البريلوي في إجازته لأحمد العطار (من مشيخته 187/أ): شيخي المعظم، مرشدي الزاهد الورع، مولاي محمد إسحاق المهاجر إلى بيت الله.
فهؤلاء بعض كبار أصحابه.
وقال عبدالحي الحسني في "نزهة الخواطر" (7/59): الشيخ الإمام العالم المحدِّث المسند.
وقال عبدالرحمن المباركفوري في إجازته للمولوي محمد بن نور أحمد (خ): العلامة المشتهر بالفضائل في الآفاق، ووصفه في إجازته لمحمد بن إبراهيم آل الشيخ (خ)، وفي إجازته لعبدالجبار الجيفوري أيضًا (خ): بالشيخ المكرم الأورع البارع في الآفاق.
وقال في مقدمة تحفة الأحوذي (1/51) بعد أن عدد أشهر تلامذة الشاه عبدالعزيز: واختص من بينهم بكثرة العبادة والرياضة، ومزيد الورع والتقوى، والتبحُّر في العلم والفضل، والسعي في الإصلاح والإرشاد وحسن الإفاضة: ابن بنته الكريمة، الشيخ العلامة الشهير في الآفاق، الشاه محمد إسحاق المذكور، فجلس بعده مجلسه، وأفاد الناس بعلومه، وانتهتْ إليه رياسة الحديث في عصره، وتخرجت عليه جماعة كبيرة، منهم الشيخ الأجلُّ، مسند الوقت، السيد محمد نذير حسين الدهلوي... إلخ، ووصفه في نفس الصفحة بالمحدِّث البارع في الآفاق.
وقال عبدالوهاب الدهلوي في "النفحة الدهلوية" (ص15): كان عالمًا كبيرًا ومحدثًا جليلاً، كان زعيمًا للنهضة الهندية.
وقال أحمد الله الدهلوي في إجازته للقرعاوي (1/أ): الأورع الأتقى المشهور في الآفاق.
وقال عبدالله مرداد في "نشر النَّوْر والزهر" (1/127 مختصره): العالِم الفقيه الصالح المحدِّث.
ووصفه أبوبكر خوقير في ثبته (37): بعالم الهند المحدِّث الشهير، ووصفه في بعض إجازاته (كما في "فيض الملك" 3/2055): بعالم الهند ومكة.
وقال محمد الترهتي في "اليانع الجني" (60 بهامش "كشف الأستار"): الشيخ الأجل المحدث أبو سليمان إسحاق، ابن بنت عبدالعزيز، أخذ عن جده عبدالعزيز، وجلس بعده مجلسه، ورقع من معاوز فقده، وأفاد الناس أحسن الإفادة، وأفاض عليهم من سجاله، وكان معروفًا بالعلم والورع، وغير ذلك من الفضائل... إلخ.
وقال (ص76): كان بعض الناس يقول فيه: إنه وُلد على التقوى.
وقال محمد شفيع العثماني في الازدياد السني: مُسند العلم والعلماء في عصره، مدار الإسناد والتحديث في وقته، حضرة مولانا الشاه محمد إسحاق الدهلوي.
ووصفه عبدالحي الكتاني في "فهرس الفهارس" (1/178 و179) بأنه ممن أحيا الله بهم الحديث والسنة بالهند بعد مواتهما، وأنه كان من الأئمة في الدين، الدعاة إلى صراط مستقيم، وأنه لذلك لا أحلى عنده ولا أجل من السند الذي هو فيه، عن جده لأمه الشاه عبدالعزيز عن أبيه ولي الله.
وسألت شيخنا العلامة عبدالقيوم الرحماني - رحمه الله -: هل تعتبر رواية شيخك أحمد الله عن نذير، عن الشاه محمد إسحاق، عن جده، عن ولي الله، مثل رواية مالك عن نافع عن ابن عمر؟ فقال بلا تردد: نعم.
كتبه ومؤلفاته:
قال عبدالستار الدهلوي في "نثر المآثر" (61/ب): له تآليف، منها مائة مسائل، ومسائل أربعين.
وقال الترهتي في "اليانع الجنيُ (ص77): ترجمةُ المشكاة له معروفةٌ مرغوبٌ فيها، ويُنسب إليه بعض[9] كُتُب وقعت فيه [كذا] أوهام في النقل يتعالى عن مثلها.
ونسب العلامة محمد زكريا الكاندهلوي في مقدمة "لامع الدراري" (156) للمترجم له أربعين حديثًا في فضائل الحج والعمرة، وقال: ذكرها صاحب "الإتحاف".
وذكر له النوشهروي - مع الأربعين والمائة - "تذكرة الصيام".
تنبيه: سها عبدالستار الدهلوي في كتابه الآخر "الفيض"، فقال: "وله تآليف، منها: "جامع التفاسير"، ومظاهر حق "شرح المشكاة"، وظفر جليل (ترجمة الحصن الحصين)، و"جامع الحسنات"، و"تحفة الزوجين"، و"تحفة الأحباب"، و"سراج القلوب"، و"مانعة الزنا"، و"الوظيفة المسنونة"، وغير ذلك".
وهذا سهو في النقل[10].
وفاته وذريته:
قال في "نزهة الخواطر": "توفِّي بمكة المكرمة في الوباء العام - وكان صائمًا - يوم الاثنين لثلاث ليال بقين من رجب، سنة اثنتين وستين ومائتين وألف، فدفن بالمعلاة عند قبر سيدتنا خديجة - رضي الله عنها".انتهى.
بينما قال عبدالستار الدهلوي المكي في "الفيض": "توفِّي بمكة في خمس وعشرين من رجب سنة 1262هـ، اثنين وستين بعد المائتين والألف، وأرَّخ وفاته مؤلف "خزينة الأصفياء" بقوله: كفت إسحاق شيخ آفاق است سنة 1262هـ".
وهكذا أرَّخه مرداد في "نشر النور والزهر" (1/127 مختصره)، وذكر أنه خلّف ثلاث بنات.
وهن: خديجة، وأمة الغفور، وأمة الرحيم (زوج عبدالقيوم البدهانوي).
شيوخه في الرواية:
1) عبدالقادر بن ولي الله الدهلوي (ت1230): قرأ عليه الكُتُب الدرسية، وتفقَّه عليه، وقرأ عليه في الحديث السِّتَّة وغيرها، مثل الشمائل، كما تقدَّم.
2) جده لأمه الشاه عبدالعزيز بن ولي الله الدهلوي (ت1239): قرأ وسمع عليه الكثير، من ذلك أنه أعاد ما أخذه على أخيه عبدالقادر، كما صرح عبدالرحمن الباني بتي فيما كتبه للعطار (من مشيخته 65/أ).
وأورد العطار (89/ب) إجازة المترجم لمحمد عالم علي المرادآبادي، وفيها أنه تلقى عليه الستة، والموطأين، والآثار، والمشكاة، وغيرها، ثم قال: "وحصل لي الإجازة والقراءة والسماعة لهذه الكُتُب من الشيخ الأجل الأبجل الجامع بين العلم والعمل الشاه عبدالعزيز المحدِّث الدهلوي".
وقوله: "وغيرها"، بيّن بعضًا منه المجاز المذكور في إجازته للآروي (في مشيخة العطار 89/أ): فزاد على الكتب المذكورة: "الجامع الصغير"، و"الشمائل"، و"الرسائل الثلاثة للشاه ولي الله"، و"الحصن الحصين"، ثم نقل عن الشاه إسحاق قوله: "وحصل لي الإجازة والقراءة والسماعة لهذه الكُتُب منَ الشيخ المحدِّث الأعلم، والفاضل الأمثل الأكرم، الشاه عبدالعزيز الدهلوي"، وهذا النَّقْل يَظهر أنه مِن إجازة أخرى منَ المترجم له؛ لاختلاف العبارة.
وذكر المترجم في إجازته المكتوبة لنذير حسين (خ) "الكتب الستة"، و"كنز العمال"، و"الجامع الصغير"، ثم قال: "وإني حصّلت القراءة والإجازة والسماعة لهذه الكتب من الشيخ الأجل عبدالعزيز المحدث".
وكذلك صرَّح بقراءته الستة على جده في إجازته لمحمد يعقوب خان البريلوي (خ).
ومن مقروءاته عليه "موطأ مالك" بالبحث والتحقيق، كما نص عبيدالله بن الإسلام السندي في تعليقه على "المسوى شرح الموطا" (61 العلمية).
والأمم للكوراني، كما في الوجازة للعظيم آبادي، والجوائز والصلات للخانفوري.
والأصل في مثله ممن طالتْ ملازمتُه لشيخه وأكثر عنه: حَمْلُ قراءته وسماعه لهذه الكُتُب على إطلاقه ما لم يأتِ ما يقيده، والله أعلم.
3) عمر بن عبدالكريم العطار المكي: قرأ عليه المترجم له في مكة عند حجته الأولى سنة 1241 المسلسل بالأولية، والمسلسل بالمصافحة، وجملة وافرة من صحيح البخاري، وشيئًا من صحيح مسلم، والأوائل السنبلية، وكتب له ثلاث إجازات، ذكرها أحمد أبو الخير العطار في مشيخته (67/ب-68/ب): وساق أكثر الإجازة المطولة، ومنها قوله: "فقد التمس مني الشيخ الفاضل السابق في حلبة الفضائل، الباذل في تحصيل العلوم الشرعية الجهد، المشمِّر في اقتناصها عن ساعد الجد، مولاي العلامة الفهامة المولوي محمد إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي، جعله الله من أئمة المتقين، ونفعه ونفع به المسلمين - الإجازة فيما تجوز لي روايته، بعد أن سمع مني الحديث المسلسل بالأولية، وسمع علي جملة وافرة من الجامع الصحيح لذي القدر الرجيح محمد بن إسماعيل البخاري، وشيئًا من صحيح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري، وأوائل جملة من الكتب الحديثية، فأجبته إلى ذلك.. "، وتاريخها سلخ ذي القعدة سنة 1241.
قال العطار: "ورأيتُ له منه إجازة أخرى بخطه في آخر نسخة أوائل الشيخ محمد سعيد سنبل، قال فيها: قد سمع علي جميع هذا المؤلَّف العلامة الفهامة التقي[11] الناسك مولانا وسيدنا الشيخ محمد إسحاق بن مولانا محمد أفضل الدهلوي، سبط مولانا المولوي عبدالعزيز العلامة الشهير، بقراءة غيره عليّ وهو يسمع، وقد أجزته بجميع ما أومأ إليه هذا التأليف من التصانيف والتآليف، بحق روايتي له عن شيخنا العلامة محمد طاهر بن العلامة الشيخ محمد سعيد سنبل، عن والده محمد سعيد سنبل المذكور مؤلف هذا التأليف بسنده داخله[12]، بل وأجزت المذكور مولانا محمد إسحاق المذكور بكل ما ثبت عنده أن لي روايته، والله ينفعه وينفع به، ويجعل[13] الجميع من حزبه، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، حرر في 13 ذي الحجة الحرام سنة 1241"، وختمها بخاتمه المنقوش في سنة 1239.
ورأيت له منه إجازة ثالثة بالقرآن العظيم خصوصًا، وبجميع مروياته أيضًا، وكتب في آخرها بخطه ما صورته : "وقد سمع مني الفاتحة وسورة الصف العلامة ذو الأخلاق المرضية، والفهامة المتصف بالشمائل السنية، مولانا المولوي محمد إسحاق بن محمد أفضل الدهلوي، أجزته بهما وبسائر القرآن العظيم، وبكل ما يجوز لي روايته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، حرر بتاريخ 26 في شهر ذي الحجة الحرام سنة 1241... إلخ"[14].
ونقل العطار (65/أ) من مكتوب عبدالرحمن الباني بتي - أحد كبار أصحاب المترجم في الهند ومكة - قوله: "لما حج الشيخ إسحاق الدهلوي أخذ بمكة الإجازة العامة والمصافحة وغيرها من الشيخ عمر المكي".
4) محمد حياة الحنبلي الدهلوي ثم المدني (كان حيًّا سنة 1241):
نقل العطار من مكتوب شيخه الباني بتي الآنف قوله عن المترجم: "وللشيخ رواية وإجازة عن الشيخ محمد حيات أيضًا"، وفي الهامش: الدهلوي الحنبلي.
ونقل عبارته عبدالستار الدهلوي في "الفيض" (1/847)، ومحمد حياة مترجم في "نزهة الخواطر" (7/168)، ولم يذكر له رواية حديثية.
5) عبدالحفيظ بن درويش بن محمد بن حسن العجيمي (ت1245):
نص العطار في مشيخته (51/أ) أنَّ الشاه محمد إسحاق صافح عبدالحفيظ بن درويش العجيمي، وروى من طريقه عنه مسلسل المصافحة المعمرية من طريق أبي سعيد مدعي التعمير والصحبة، وقال (59/ب): "لما حَجَّ الشيخ إسحاق حجته الأولى سنة 1241 اجتمع بمكة بالشيخ عبدالحفيظ العجيمي، وروى عنه المصافحة".
وقال عبدالله مرداد في "نشر النور والزهر" (1/127 مختصره): "أخذ عن العلامة عبدالحفيظ عجيمي، وأجازه بسائر العلوم".
6) لما قرأ المترجم له المسلسلات على جده الشاه عبدالعزيز اختل شرط الأولية الحقيقية، ورواه بالإضافة، ثم روى عنه الأولية الحقيقية عن رجل من ولاية كابل، عنه بشرطه.
فهؤلاء من وقفت عليهم من مشايخه في الرواية.
من تلامذته:
ممن قرأ عليه الستة: السيد محمد نذير حسين الدهلوي (مع كتب أخرى كثيرة)، ومحمد بن عبدالرحمن الأنصاري السهارنفوري، وأحمد علي السهارنفوري (كلاهما قرأها في مكة، ومما قرأه الثاني أيضًا: تيسير الأصول، والشمائل، وموطأ محمد، وغيرها)، وفضل الرحمن بن أهل الله الكنج مرادي آبادي، وعبدالرشيد العمري الدهلوي، وعبد الرحمن الباني بتي (قرأ عليه أيضًا: القرآن، والموطأين، والمسلسلات، والنوادر، والحصن الحصين، وأكثر المشكاة، وأول كنز العمال، وغيرها)، ومحمد عالم علي المراد آبادي (ومما سمع عليه أيضًا: المشكاة، والآثار، والمسلسلات، والنوادر، وتراجم البخاري، والسنبلية)، وعبدالقيوم البدهانوي (صهر الشيخ، قرأ عليه في الهند وفي الحرمين)[15].
ومن تلاميذه أيضًا:
إبراهيم النكرنهسوي، وأحمد بن عبدالله المرغني، وأحمد الدين البكوي، وأحمد الله الأنامي، وإمام الدين الطوكي، وإمداد الله التهانوي، وإمداد العلي الأمروهي، وأيوب بن قمر الدين الفلتي (وروى عنه مسلسل المد)، وبهاء الدين الدكهني، وتاج الدين السهسواني، وجمال الدين الدهلوي (سمع منه مسلسل الفاتحة والصف)، وجمال الدين (مدير المهام في بهوبال)، وحفيظ الله الدهلوي، وذكاء الله الأكبر آبادي، ورستم علي خان الدهلوي، ورشيد الدين الدهلوي، ورضي الدين الكاكوروي، وسخاوت علي الجونفوري، وسراج أحمد السهسواني، والسير سيد أحمد خان، وصبغت الله، وصدر الدين الكشميري ثم الدهلوي، وظهور محمد الكالبوري، وظهير أعلى البنغالي، وعالم علي المراد آبادي، وعبدالجليل الكوئلي، وعبدالخالق الدهلوي، وعبدالرحمن بن محتشم الدهلوي (مما قرأ عليه المسوى شرح الموطا)، وعبدالعزيز بن إلهي بخش الدهلوي (قرأ عليه البخاري)، وعبدالغني بن أبي سعيد الدهلوي (قرأ وسمع عليه البخاري)، وعبدالله الصديقي الإله آبادي، وعبداللطيف الويلوري (أجازه في مكة)، وعبدالمحسن الإله آبادي، وعبدالهادي الجهومكوي، وعبيدالله السندي، وعلي أحمد الطوكي، وعناية أحمد الكاكوروي، وغلام نبي الدهلوي، وقطب الدين الدهلوي (ومما أخذ عنه الأوائل السنبلية)، وكرامة العلي الإسرائيلي الدهلوي (صاحب السيرة)، وقاري حافظ كرم الله الدهلوي، وكل الكابلي، ومحمد بن أحمد الله التهانوي، ومحمد جميل البرهانبوري، ومحمد جونفوري الدهلوي، ومحمد سبحان بخش شكارفوري، ومحمد عرف راجشاهي، ومحمد بن علي إبراهيم، ومحمد عمر بن إسماعيل الشهيد (ومما قرأه عليه: الشمائل)، ومحمد فاضل السورتي، ومحمد مظهر النانوتوي، ومحمد بن ناصر الحازمي (لقيه في الحج، وسمع منه الأولية)، ومشيئة الله البنغالي، ومظفر حسين الكاندهلوي، ومملوك علي النانوتوي، ومنظر علي الكاكوري، ونصير الدين الدهلوي (صهر المترجم له)، ونوازش علي الدهلوي، ونور الحسن الكاندهلوي، ونور علي سهراواني، ويار علي الترهتي، ويعقوب علي خان البريلوي (قرأ عليه صحيح مسلم، وكثيرًا من البخاري، وأطرافًا من الأربعة)، ويعقوب بن محمد أفضل الدهلوي (أخو المترجم).
وكذلك بناته الثلاث.
وأكثر هؤلاء مذكورون في "نزهة الخواطر"، و"مشيخة العطار"، و"فيض الملك"، و"حاشية عبيد الله السندي على النفحة الدهلوية"، وكتاب "النوشهروي".
قال في "نزهة الخواطر": وخلق آخرون، وأكثرهم نبغوا في الحديث، وأخذ عنهم ناس كثيرون، حتى لم يبق في الهند سند الحديث غير هذا السند، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقال شيخنا الفريوائي في "جهود مخلصة" (84): كان لتلاميذ محمد إسحاق الدهلوي دور مهم في ميدان العلم والثقافة والدعوة والإصلاح - رحمه الله رحمة واسعة.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] كذا قال، ورأيت في مشيخة أحمد العطار (67/ب): أنه وُلد في دهلي لعله في أول القرن، يعني الثالث عشر، ثم ضرب عليه، وكتب بخطه أنه في: "بدهانة في ثامن شهر ذي الحجة الحرام سنة 1198 تقريبًا، كما أَخْبَرَنِي بذلك شيخنا عبدالقيوم زوج ابنته".
وقال عبدالستار الدهلوي في "فيض الملك الوهاب المتعالي" (1/120): "وُلد في بدهانة 8 ذي الحجة سنة 1197 -أو 1198- سبع وتسعين بعد المائة والألف، كما أخبر زوج ابنته".
وذكر مرداد في "نشر النور والزهر" (1/127 مختصره) مثله، وقال: "أخبرني بذلك صاحبنا الشيخ عبدالستار المكي، عن زوج ابنة الشيخ".
قلت: أغلب أن عبدالستار نقله منَ العطار، فهو كثير الاستفادة منه، وأستبعد إدراكه الأخْذ عن عبدالقيوم البدهانوي، وقد أرَّخه في "ذيل نثر المآثر" باليوم والشهر المذكورين سنة 1197 جزمًا.
وأرخه عبدالوهاب الدهلوي في "النفحة الدهلوية" (ضمن مقدمة "المسوى شرح الموطا" ص15) سنة 1197 كذلك، وهو أكثر الأقوال وأوسطها.
وأرخه النوشهروي في "تراجم علماء أهل الحديث في الهند" (1/136) بالأرقام: 1192، ومعلوم أن 2 تشبه كتابة 7 في رسمهم، فلعله خطأ طباعي.
[2] أفاد العطار في مشيخته (15/أ): أنه أخذ الستة قراءة وسماعًا على عبدالقادر المذكور، ونص (67/ب) أنه قرأ عليه البخاري والترمذي والشمائل، ونص عبدالستار في الفيض: أنه قرأ عليه الستة.
[3] قال العطار في ترجمة شيخه فضل الرحمن المرادآبادي (122/أ): "ثم حضر لدى الشيخ العلاَّمَة المحدث حضرة الشيخ عبدالعزيز، وكان قد كُفَّ بصره، وأخبره من عنده، فأسمعه أولاً الحديث المسلسل بالأولية، فاستأذنه المترجم له أن يملي عليه بعض ما يتعلق بشرح الحديث، فأذن له، فأملى عليه مما منحه الله من العلوم، وأفاض على قلبه ساعتئذ فأحبه الشيخ عبدالعزيز، وقال: لولا أني ضعُفت لأقرأتُك، ولكني فوَّضتُ... إلخ"، وذكر أنه قرأ لمدة شهر على الشاه إسحاق، ثم لَمَّا أراد أن يرحل من دهلي استجاز الشاه عبدالعزيز، فأجازه شفاهًا.
ولهذا قال العطار في ترجمة الشاه إسحاق (67/ب) إن جدَّه: "أقامه مقام نفسه في حياته، واستقر خليفته، وكبير عشيرته وأعظم مدرسي مدرسته بعد مماته".
[4] انظر كتاب: الإمام المجدد المُحَدِّث الشاه ولي الله لمحمد بشير السيالكوتي (221)، وغيره.
وهنا أسطّر بأَلَم: أن أشد ما ضرب هذه الحركة السلفية الإصلاحية هو عداوة المتعصِّبين والخرافيين لها، وخذلانهم في أحلك الظروف، قال الحسني في ترجمة أحمد عرفان في "نزهة الخواطر" (7/37): "أحيا كثيرًا منَ السنن المماتة، وأمات عظيمًا منَ الأشراك والمحدثات، فتعصب أعداء الله ورسوله في شأنه وشأن أتباعه، حتى نسبوا طريقته إلى الشيخ محمد بن عبدالوهاب النجدي، ولقبوهم بالوهابية، ورغبوا إلى الكفار، وصاروا أولياءهم في السر، حتى انحازوا عنه في معركة بالاكوت، فنال درجة الشهادة العليا، واستشهد معه كثير من أصحابه".
ونتيجة لهذه المعركة تَقَهْقَرَ المسلمون في الهند كثيرًاَ، وفَقَدُوا فرصة قيام دولة قويَّة لهم في ذلك الوقت، ولم تعد لهم سيطرة إجمالية على الهند بعدها كما كان الأمر لقرون.
[5] قال عبيدالله بن الإسلام السندي في تعليقه على "النفحة الدهلوية" (ضمن مقدمة "المسوى شرح الموطا 14 العلمية): "رئيس تلك الحكومة الشرعيَّة كان أمير المؤمنين السيد أحمد الدهلوي (الأمير الشهيد)، وصدارة وزرائها تستند إلى مولانا عبدالحي الدهلوي (الصدر السعيد)، والأمور الحربية والسياسية كانت موكولة إلى مولانا محمد إسماعيل الدهلوي (الصدر الشهيد)، أما الأمور التي تشبه الداخلية من جمع الأموال وحشد الرجال وغيرهما، فكان وكيلها في دهلي مولانا محمد إسحاق الدهلوي (الصدر الحميد)".
قلتُ: والكل من تلامذة الشاه عبدالعزيز، وبين المترجم له وبين محمد إسماعيل، وبين عبدالحي البدهانوي قرابة أيضًا.
[6] نصَّ الحسني في "نزهة الخواطر" والنوشهروي أنه عام 1240، ونقل العطار وعبدالستار: أن كرامت علي الإسرائيلي أرخ في سفينته خروجه في غرة ربيع الأول منها، ولكن رجّح العطار أنه سبق قلم؛ لأنه رأى أصول إجازات الشاه إسحاق من شيخه عمر المكي مؤرخة في حج 1241، وتأتي.
[7] يظهر لي أنه يقصد مدينة دهلي.
[8] ونقل عبدالستار الدهلوي في "نثر المآثر" (17/ب) قول السراج والعطار.
[9] في هامش الكتاب هنا - وهو من تعليقات مؤلفه الترهتي؛ كما يؤخذ من مخطوطة عبدالجليل برادة (38/أ): "كتاب الأربعين والمائة كلاهما يُنسب إليه، وقع فيه أشياء من قبيل الخطأ في النقل وغيره، أخبرنا بعض المشايخ: أنه كان في أصحابه رجال سوء، وكان هو يحسن الظن بهم، فإذا رُفعت مسألة دفعها إلى من حضرها منهم، فربما كانوا يدسُّون في جوابها بعض ما يوافق أهواءهم، ثم جُمعت تلك المسائل واشتهرت نسبتها إليه، وفيها أمور تعقبها فضل الرسول الأموي البدايوني".انتهى.
قلت: هذه شنشنة معروفة من متعصبة الهند وغيرها، إذا جاءهم ما لا يوافق أهواءهم وخرافاتِهم، طعنوا في ثبوته وشككوا فيه، وما أكثرَ ما حرفوا الحقائق والتواريخ بالافتراء أو بمجرد التشهي والتمني، فضلاً على أن الترهتي أبهم من نقل وادَّعى تلك الدعوى، وهذا المجهول الذي جاء بالقصة لعله لم يتنبه أنه طعن بها فيمن زعم تنزيهه، ورماه بالغفلة المُسقطة.
وقد جاء في مواطن من كتاب الترهتي - عفا الله عنا وعنه - ما يُظهر تعصبه، ونفرته من أهل الحديث، ووصفهم بالوهابية، وطعن في كتاب تقوية الإيمان أو رد الإشراك؛ للعلامة السلفي محمد إسماعيل الدهلوي، وغير ذلك.
ولذلك رد عليه العلاَّمة صديق حسن خان في "أبجد العلوم" (3/246)، وذكر أنه استقى من شيخه فضل حق الخير آبادي، وهذا كان بعيدًا عن الكتاب والسنة، ونقل معناه وأقره الحسني في "نزهة الخواطر" (7/69)، وانظر ترجمته له (7/412-415).
ولمعرفة من هو البدايوني - الذي استشهد برده الترهتي واعتضد - أنقلُ ما قاله العلامة المؤرخ المنصف عبدالحي الحسني الحنفي ضمن ترجمته في "نزهة الخواطر" (7/416): "كان فقيهًا جدليًّا مناظرًا، شديد التعصُّب في المذهب، دائم الخصومة للعلماء، أبعدَ خلق الله عن السنَّة، منتصرًا للبدعة، رادًّا على أهل الحق بخرافاته، محبًّا للدُّنيا، وكان يكفّر الشيخ إسماعيل بن عبدالغني الدهلوي، ويرمي بالنصب والخروج الشيخ ولي الله المحدث... إلخ"، وذكر قبل أنه كان يتردد ويجالس الأمراء وينال جوائزهم، كما ذكر أنه شرح فصوص الحكم فيما قيل، فرد مثله على الشاه محمد إسحاق شهادة له بالكمال.
ورسالة "مائة مسائل في تحصيل الفضائل بالأدلة الشرعية وترك الأمور المنهية"، جمعها الشيخ أحمد الله الصديقي الأنامي، قال في "نزهة الخواطر" (7/55): "جمع فيها مسائل من مُحَررات شيخه إسحاق، وألَّفَها سنة خمس وأربعين ومائتين وألف"؛ أي: في حياة شيخه، وقبل دهر من وفاته، وقال في ترجمة الأنامي في الموضع المذكور: "الشيخ العالم الفقيه المحدِّث، أحد العلماء الصالحين"، فقارن وتأمَّل.
وأما كتاب "الأربعين" للمترجم له فقد أثار عليه المتعصبة أيضًا لدعوته السلفية، وممن رد عليه: أحمد سعيد المجددي الصوفي، قال الدهلوي في ترجمته في "الفيض" (1/118): "ألَّف كتبًا كثيرة؛ منها في رد الفرقة الوهابية، سماها: "الحق المبين في رد الوهابيين"، وهو رد على كتاب شيخه الشيخ إسحاق، المسمى بـ"المسائل الأربعين"؛ ولذا ترك الرواية عنه أيضًا، وبمعناه في مشيخة العطار (10/أ)، مع أن المجددي هو القائل عن شيخه؛ كما على ظهر نسخته من "السنبلية": "قرأتُ هذا الكتاب من أوله إلى آخره على الشيخ الكامل والعالم العامل مولانا محمد إسحاق"، نقله العطار في مشيخته (9/ب) من خطه المؤرخ في ربيع الثاني سنة 1248.
ولأحمد سعيد أيضًا "رد على المسائل المائة"، كما في "نزهة الخواطر" (7/49).
وليُعلم أن لمواقف المتعصِّبة هذه دورًا ظاهرًا في صَدِّ الناس عنِ الاستفادة من المترجم له، ولا سيما لَمَّا استقر في الحجاز، فمنَ النادر أن ترى أحدًا من أهلها أخذ عنه مع كونه عالمَ وقتِه في الحديث، بل من أخذ عنه هناك يُجمعون لقلتهم، وبعضهم ممن عُرف باتباع السنة، كالحازمي، ومحمد بن عبدالرحمن الأنصاري، رحم الله الجميع، وحصل مثل ذلك بعده لتلميذه السيد نذير حسين، واستطال المتعصبة، وألَّفوا في وُجُوب إخراج الوهابية من المسجد الحرام.
وقد أوذي في السُّنَّة عدد مِن أصحاب المترجم له، منهم الأنصاري المذكور قريبًا، أُخرج من مكة مرارًا، وكذا نذير حسين، أوذي وسُجن في الهند وفي مكة، وتطاولوا عليه بالتكفير والتبديع، وهو الإمام في السُّنَّة، وكذا أوذي عبدالهادي الجهومكوي.
وأنبّه أن الشاه محمد إسحاق - رحمه الله - كان قد تلقى طريقة التصوُّف من جده، ولكن لم أرَ في إجازاته التي وقفتُ عليها الإجازة بالطريقة، حتى لتلاميذه المكثرين ممن كان عنده بعض تصوف؛ مثل: عبدالقيوم البدهانوي، وفضل الرحمن، لم أر تلقيهم الطريقة منه، على ضوء ترجمة العطار الموسعة لهما، بل عند عبدالستار الدهلوي في "نثر المآثر" (61/ب) مفهوم صريح أنه لم يتلقَ الطريقة من المترجم له.
ولم أرَ مَن نقل عنه غلوًّا أو إيغالاً في التصوف إن كان عنده، وإنما رأيتُ أنه أعطى الطريقة لتلميذه الباني بتي - كما نقل العطار - مخبرًا له أن إعطاءه كان بعد أن استوفى ما عنده مما تلقاه عن جدِّه، فكأنه أعطاها له من جهة التوسُّع في الإسناد وحسب، ويُفهم من النقل المذكور أنه كان لا يشتغل بها عادة، وعلى كلِّ الأحوال فقد كان في أصول السنة على منهج السلف الصالح، وكبار تلامذته منهم رؤوس أهل الحديث، واستفادتهم منه، وتخرجهم عليه، وكثير ممن لم يكن محسوبًا على اتجاههم ترى في سيرته الاعتدال، وهكذا في وصاياه وإجازاته الحث على اتباع السنة واجتناب البدعة، كما عند فضل الرحمن، والباني بتي، وغيرهما، ولا بدَّ للباحث مِن مراعاة ظُرُوف الزَّمان والمكان فيهم وفي أمثالهم، وتدرج الاتجاه عندهم نحو السُّنَّة، رَحِم الله الجميع، وجزاهم عن السنة وأهلها خير الجزاء، فهم من أحيا الحديث والعمل به، واهتم بتحصيل أصوله وخدمته ونشره، في الوقت الذي كان غائبًا شبه مندثر عند غيرهم منَ الأقطار الإسلاميَّة.
[10] وتابعه عليه مرداد في "نشر النور والزهر" (1/128 مختصره)، وهو آخذٌ من عبدالستار، وفي هامشه كتب الشيخ المؤرخ عبدالله غازي ما لفظه: "جامع التفاسير"، و"شرح المشكاة" كلاهما تأليف قطب الدين تلميذ الشيخ إسحاق، لا من تأليف المترجم له".
قلتُ: وفي ترجمة قطب الدين في "نزهة الخواطر" (7/425) نسبة الكتابين له مع ظفر جليل أيضًا، وبالتأمُّل يظهر منشأ الوَهْم، وهو أنَّ الشيخ عبدالستار كتب ترجمة الشاه محمد إسحاق أولاً في "ذيل نثر المآثر" (61/أ)، ثم نقلها "للفيض"، فالترجمتان متشاكلتان، ولكن في الأول ساق تلامذته ومنهم قطب الدين، وقال عقبه: وله تآليف منها: "جامع التفاسير"، و"مظاهر حق"... إلخ، فلما نقلها "للفيض" ظنَّ الضمير قبل الكتب عائدًا لصاحب الترجمة الشاه إسحاق، فنقلها في ترجمته سهوًا، وحقها أن تكون في ترجمة قطب الدين، ولم يذكرها في موضعها في "الفيض" (3/1302).
وأما ترجمة المشكاة فعزاها له الترهتي أيضًا، وعنه صديق حسن خان في "أبجد العلوم" (3/246)، فالله أعلم.
[11] وبخط عبدالستار الدهلوي: "المتقي"، نقلها في مجموعة إجازات بخطه في مكتبة الحرم المكي (ص45).
[12] بخط عبدالستار: "وأصله".
[13] سقطت كلمة: "ويجعل" في نسخة عبدالستار.
[14] أوردها بكمالها عبدالستار الدهلوي في مجموعة الإجازات آنفة الذكر (ص47 - 49)، وتليها إجازة الشاه إسحاق لمحمد قطب الدين في القرآن، وفي المجموعة عدة إجازات تتعلق بهما.
[15] نص البدهانوي في إجازته لأيوب الفلتي (من مشيخة العطار 15/أ-ب) أنه قرأ الجلالين والشمائل وابن ماجه والنسائي وغيرها على محمد يعقوب أخي المترجم، وسمع الشمائل على المترجم له بقراءة محمد عمر بن إسماعيل الشهيد، وجزءًا من الترمذي، وجزءًا من أبي داود، وجميع مسلم على حسن علي، وشيئًا من المشكاة وغيرها على نصير الدين الدهلوي، ثم قال: "وسمعت صحيح البخاري على الشيخ محمد إسحاق، قراءة عليه، إلا يسيرًا، قرأتُ عليه مرة أولى في دهلي، وسمعت الشمائل وجزءًا من الترمذي، وشيئًا يسيرًا من الكتب المذكورة من لسان الشيخ المذكور، وقرأتها عليه، وأجازني الشيخ إجازة عامة مرات، أولاها بدهلي، وثانيها بالمدينة المنورة، وثالثها بمكة المعظمة، وقد قرأ علينا الشيخ مرة بالمدينة المنورة في المسجد النبوي عن [الشيخ عبدالعزيز]، ونحن نسمع جميع صحيح البخاري، وشيئًا من صحيح مسلم، وأجازني أيضًا قراءة عليه، وأنا أسمع شيئًا من أول المصنف لابن [أبي] شيبة، والمستدرك للحاكم، والدارقطني، والدارمي، وجامع الأصول، وشيئًا منَ البيهقي، ومشارق الأنوار، وشيئًا من الحصن الحصين، وشيئًا من أول موطأ الإمام محمد، وشيئًا من آثاره، وسمعت شيئًا من موطأ مالك – أي: رواية يحيى - وشيئًا من الجامع الصغير – أي: للسيوطي - قال: وأجازني قراءة عليه وأنا أسمع: جواهر الأصول، والنخبة، والعجالة النافعة جميعها، وشيئًا من الانتباه، وبستان المحدثين، وقرأتُ عليه: الكنز، وشرح الوقاية، والهداية إلى كتاب الإجارة، وسمعت من لسان الشيخ محمد إسحاق المذكور حزب البحر، وأجازني، وسمعت عليه القول الجميل بتمامه، وشيئًا كثيرًا من الفوز الكبير، والمسلسلات للشيخ ولي الله قراءة عليه وأنا أسمع، مع المصافحة وغيرها".
نقلته بطوله لأهميته، وأما ما جاء من قراءة الدارمي وغيره فأراه كاملاً، لأمرين: أنه نص أمام الكتب التي قرأ وسمع بعضها: بقوله: "وشيئًا من.."، ثم قد أطلق عبدالستار الدهلوي في ملحق "نثر المآثر" (61/ب) سماع الدارمي والدارقطني والمستدرك.
وجاء عند العطار في موضع آخر وعند غيره أن البدهانوي سمع السنبلية على المترجم له.