مقال: زيادة الثقة أو مخالفته
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إخوتي الأعزاء وطلاب المجتمع فها أنا ذا بموضوع جديد أزفها إليكم مجهزة كما تجهز العروسة إلى عروسها. لقد وقع الكثير من طلاب العلم في خطأ عظيم لطالما نبه عليها العلماء الأجلاء ولنبدأ حديثنا بعبارة ذكرها حافظ الحديث شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني في نزهته، حيث قال: نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ت الرحيلي (ص: 82) [زيادة الثقة وأقسامها] وزيادة راويهما، أي: الصحيح والحسن، مقبولة، ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة؛ لأن الزيادة: 1 - إما أن تكون لا تنافي بينها وبين رواية من لم يذكرها؛ فهذه تقبل مطلقا؛ لأنها في حكم الحديث المستقل الذي ينفرد به الثقة ولا يرويه عن شيخه غيره. 2 - وإما أن تكون منافية، بحيث يلزم من قبولها رد الرواية الأخرى؛ فهذه التي يقع الترجيح بينها وبين معارضها؛ فيقبل الراجح ويرد المرجوح. واشتهر عن جمع من العلماء القول بقبول الزيادة مطلقا، من غير تفصيل، ولا يتأتى ذلك على طريق المحدثين الذين يشترطون في الصحيح أن لا يكون شاذا، ثم يفسرون الشذوذ بمخالفة الثقة من هو أوثق منه. والعجب ممن أغفل ذلك منهم، مع اعترافه باشتراط انتفاء الشذوذ في حد الحديث الصحيح، وكذا الحسن! انتهى حديثه رحمه الله.
وبعد النظر الدقيق في هذه العبارة نستنبط أنه ليس كل الزيادة من الثقة مقبولة، وإنما يشترط لقبول هذه الزيادة أن لا تكون مخالفة لرواية من هو أوثق منه ولا تتعارض مع روايته، فيؤدي إلى رد رواية الأوثق، فإن كانت هذه الزيادة مخالفة لرواية الأوثق أو تتعارض معه، فهذا ما يسمونه شاذا، والشاذ من أقسام الضعيف، وهاهنا وقع الكثير من الأجلاء، فمنهم من جعل الشاذ (وهي الزيادة التي تؤدي إلى المخالفة أو المنافاة بين الروايتين) من زيادة الثقة واعتمده، ومنهم من أخطأ فجعل زيادة الثقة (وهي الزيادة التي لا تتعارض مع الرواية الأخرى ألبتة) من قبيل الشاذ ورده. وقد قيل بالمثال يتضح المقال، فلذا أقدم إليكم مثالا ذكره إمام أهل السنة الشيخ سرفراز خان صفدر رحمه الله (1430هـ) حيث قال: (والظاهر أن الذهبي : قد وهم في تضعيف هذا الحديث، ولعله قابله بحديث آخر فجعله منكرا، ولكن ذلك الحديث لا يخالفه أيضا. وسنده كالتالي: «حدثنا هداب بن خالد وشيبان بن فروخ، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني وسليمان التيمي، عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أتيت [وفي رواية هداب] مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو قائم يصلي في قبره))»[1]. ومفهوم هذا الحديث أن موسى عليه السلام كان قائما في قبره يصلي، وحديث الحجاج بن الأسود لا ينافي هذا المعنى ولا يخالفه، لأن صلاة الأنبياء عليهم السلام في قبورهم لا تنافي صلاة موسى عليه السلام في قبره، ولا العكس. فإذا صح ثبوت صلاة موسى عليه السلام في قبره، وثبت أنها لا تخالف أي عقيدة قطعية، فكذا صلاة غيره من الأنبياء عليهم السلام لا تخالف النقل ولا العقل، ولا منافاة بين هاتين الروايتين بل أحدهما تؤيد الآخر. إلا أن رواية الحجاج بن الأسود فيه زيادة الثقة[2]، [وهي زيادة صلاة الأنبياء عليهم السلام على صلاة موسى صلى الله عليه وسلم] وزيادة الثقة مقبولة عند المحدثين[3]. انتهى كلامه رحمهم الله جميعا.
راجي الدعاء: محمد يعقوب خالد حسين البلياوي [1] صحيح مسلم (صـ 927)، مسند أحمد (19/484)، و(21/215). [2] زيادة الثقة: أن يتفرد الراوي بزيادة في الحديث عن بقية الرواة عن شيخ لهم. [3] يقول الحاكم في (المستدرك): «هذا حديث صحيح على شرطهما فقد احتجا جميعا بمالك بن سعير، والتفرد من الثقات مقبول». (المستدرك، صـ 30)