فلا تقنع بما دون النجوم
إن من صفات وسمات الذين يحلمون مستقبلا زاهرا، ويحملون بين حنايا ضلوعهم أماني بعيدة، ويرمون إلى أهداف منشودة يرون تحقيقها في حياتهم، ويريدون أن ينجزوا أعمالا يخلّدون بها شخصيتهم علو الهمة وسمو الفكر، فإنهم لايرضون بالدون أبدا وفي أي مجال، أكانوا في تجارتهم ومعاملتهم، أو في تحصيلهم ودراستهم، أو في تعليمهم وتدريسهم، أو في نسكهم وعبادتهم، أو في معاشرتهم، ففي كل شأن من شئونهم و كل أمر من أمورهم لهم أهداف سامية، ورؤى بعيدة، وأحلام عظيمة، وأماني عالية...فهم الذين يحققون النجاحات الباهرة، ويحظون بشرافة الدنيا وكرامة الآخرة، فإنهم أعمالهم وحياتهم، وينظمون فرصهم وساعاتهم، تراهم دوما في أشغالهم، ويوميا يتقدمون نحو هدفهم، فينجزون أعمالهم بكل نشاط وحيوية، وشوق بالغ ورغبة، لايتكاسلون في الأمور، ولايتهاونون في الواجبات، بل تراهم يشحذون همم الآخرين من أصدقائهم وأحبائهم، وأخدانهم وخلانهم، كما تراهم يتخلقون بخلق عظيمة ويتحلون بسجايا عاطرة، ويعاملون الكل بلين وتواضع، ويتخلون عن مساوي الخلق وسفسافها، فإنهم يعدون ذلك كله مظهرا من مظاهر علو الهمة وسمو النفس، فلا يبيعون دينهم بعرض من حطام الدنيا الفانية وقروشها المتلاشية، بل يجعلون دنياهم مطية مذللة لتحقيق مرضات الله سبحانه وتعالى، فنعم المسير سيرهم، وحبذا الدرب دربهم، فهم دائما يتمثلون بقول المتنبي، ولله دره:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
يوسف عبدالرحمن الخلیلی
١٧/ربيع الثاني/١٤٤١ ھ