هل شربت شرابا مرا؛ لكنه لم يكن دواء؟
هل حدث معك ما حدث معي! إنه لن أنساه طوال حياتي، وإنه كان تجربة أولى في حياتي، فتعلمت منها شيئا جديدا لم أكن على علم بذلك، والذي حدث معي كان قبل تسعة عشر عاما، عند ما كنت صيدلانيا في صيدليتنا نحن، فعلى حد علمي كنت على السنة الحادية عشرة من عمري آنذاك..
وأمام صيدليتنا كان حانوت القماش، والبزاز الذي يجلس فيه كان مولعا بالشائ وكان كبير السن، وبما أننا كنا جاره وهو جارنا فكنا نذهب عنده مرة، وهو كان يأتينا مرة، فكنا نكرمه مرة حين قدومه إلى صيدليتنا، وكان يكرمنا حين ذهابنا إلى حانوته...
فأول مرة عند ما ذهبت إلى حانوته، قدم إلي كوب القهوة، ومعه السكريات، وبما أنه لم يسبق لي شرب القهوة من قبل، فكنت لا أدري كيفية شربه، فظننت في البداية أنه قد قدم السكريات للتناول، وفوقه تشرب القهوة، فأسرعت إلى أخذ سكريات ووضعت حبتها تحت أضراسي وكسرتها بها، فلم تمض لحظات إلا وقد ذابت في فمي، فلم يبق في فمي إلا حلاوتها لكنها لم يبق أثرها طويلا...
ثم قربت كوبي حتى أرتشف منه، لكن ما هذا؟ أول رشفة قد دوخ دماغي وكدت أن أتقيأ وأمج الشائ في الحانوت، لكني تمالكت نفسي وشربته، لكن كنت متفكرا لماذا الشائ مُرٌّ إلى هذه الدرجة، ولما ذا لم يُدْلِ هذا البزاز في الشاي شيئا من السكر، فأردت استفساره، لكني استحييت فتركته...
لكن يجب علي إكمال كوب من الشاي وإلا هو ما ذا يعتقد بي؟ فحاولت شربه رشفة واحدة وأخرى، وكأنني أشرب دواء بل لو أقول: أمر من الدواء، فلست مبالغا في كلامي. فلما أنهيت نصف كوب من القهوة فتركته قائلا: إنني لا أستطيع أن أشرب أكثر من هذا، وقدمت عذرا يعقل...
ثم لما رجعت إلى الصيدلية فأخبرت أبي عما جرى معي، فبدأ يضحك ثم يضحك قائلا: يا بني، الشاي الذي قدم إليك كان شايا أخضر وهو عادة يشرب دون السكر، لكن الذي لم يكن متعودا بدون السكر فيقدم إليه سكر على حدة وهو يضع قطعة من السكر في فمه ثم يشرب الشائ رشفة رشفة فيشعر بأنه يشرب الشائ وكأنه محلى، ففهمت فلسفة ذاك السكر الذي قدم إلي، لكني أخطأت في تقديرها حيث تناولتها مباشرة..