لماذاخُصّ الأنبياء برعي الغنم؟
لماذا خُصّ الأنبياء برعي الغنم؟
بالبارحة أمرتني أمي الحنونة أن أذهب بالمَعَز - وقد ابتعناها للأضحية - إلى الفضاء حتى تتمشى وتستنشق الهواء الطلق، فإنها مربوطة بالحبال في مكان ضيق بالطابق الأول من المبنى منذ الصباح، فحللت حبالها - وعدد المعز ثلاثة - فنزلت باثنتين إلى السكة بسهولة، أما الثالثة فلم تكد تطاوعني حتى أمسكتها بأذنيها ، فثغت ( أي رفعت صوتها)، وتفلتت من يدي إلى السكة، فتبعتُها، ولكن دون جدوى، فقامت بين السيارتين، فإن ذهبت لأمسكها من يمينها صارت إلى الشمال، وإن أتيت من يسارها لأتمكن منها توجهت إلى اليمين، وحاولت ذلك عدة مرات، ولكن باءت محاولتي بالفشل الذريع، عندئذ عرفت معنى الصبر والحلم، وحينئذ تبين لي بأن الأنبياء لماذا خُصّوا برعي الأغنام .....؟
فإنها قد وردت أحاديث كثيرة تدل على أنه لم يبعث نبي إلا وقد رعى الغنم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الغَنَمَ»، فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ» رواه البخاري.
وعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَجْنِي الكَبَاثَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ مِنْهُ، فَإِنَّهُ أَطْيَبُهُ» قَالُوا: أَكُنْتَ تَرْعَى الغَنَمَ؟ قَالَ: «وَهَلْ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا» متفق عليه.....قال الشراح في معنى الحديث:
“أُلْهِمَ كُلُّ نَبِيٍّ فِي صغره رِعَايَة الْغنم ليتعود سِيَاسَة النَّاسِ لِأَنَّهُ فِي الْغَنَم يَمْنَعُ قَوِيَّهَا عَنْ ضَعِيفِهَا، وَيَسِيرُ بِسَيْرِ أَدْنَاهَا، وَيَرْفُقُ بِصِغَارِهَا ،وَيُلِمُّ شَعَثَهَا فِي سَقْيِهَا وَمَرْعَاهَا ، وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ بِأُمَّتِهِ عِنْدَ نُبُوَّتِهِ” .
وربما يختلج في صدرك أنه ما هي الحكمة في تخصيص الغنم دون غيرها؟ فقد بين الإمام القسطلاني في شرح صحيح البخاري (4/ 127): "وخصّ الغنم لأنها أضعف من غيرها" أي أن راعيها يحتاج معها إلى الرفق واللطف أما رعاية الإبل ونحوها مما فيه قوة فيحتاج راعيها الى الشدة وربما استعمل معها العنف.
فبالتالي كل من أراد أن يتعلم الصبر ويتحلى بالحلم و يتحكم في سياسة الأمة وقيادتها فبإمكانه أن يشتري المعز أو الغنم للأضحية قبل أسبوع على الأقل، ويبدأ يُمشّيها في السكك، فبه تحيى سنة من سنن الأنبياء، و به يتحلى الإنسان بخصائل حميدة وسجايا عاطرة فسوف تُعلي شأوه و ترفع شأنه، ولا سيما على العلماء أن يقيموا الوزن لهذا العمل الجليل؛ فإنهم ورثةالأنبياء، وبيدهم زمام الأمة، فعليهم أن يتدربوا لها بإمساك زمام حيوانات الأضحية، وسياستها باللطف واللين من دون العنف والشدة، نسأل الله تعالى أن يوفقنا لخدمة حيوانات الأضحية و إحياء هذه السنة المهجورة، فإنه ولي التوفيق .