رسالة عيد الفطر
انسلخ شهر رمضان بما فيه من جلائل النعم الروحانية ، ومن مظاهر قرب العباد إلى الله ، ومن معالم الإيمان الجياشة.... وأعقبه الله سبحانه وتعالى بنعمة العيد الذي هو رمز للفرحة والبهجة ، والمودة والسرور ، والذي يمثل الشكر لله على جزيل عطاءه وجليل نعمائه ، والذي يتضمن الحمد للرب - جل سبحانه - على ماهدانا لها من أداء العبادات وابتغاء مرضات الله تعالى بالصالحات والطاعات.
إن العيد عيدان : عيد يعود علينا وعلى الأمة الإسلامية مرات تلو الكرات ، والأمة تتلقاه كل عام بالابتسامات ، وتستقبله استقبالا حارا بوجوه طلقة مستبشرة ، يؤدي المسلمون فيه صلاة العيد ، يكبرون الله تعالى فيه ويهللون ، يتعانقون فيه بالأدعية والتهنئة ،
يتبادلون فيه برسائل التبريك ، يتلاقون فيه ويتزاورون ، يأكلون فيه ويتمتعون ، يتهادون فيه ويتعاطون ، يصلون به الأرحام ويوطدون علاقات الحب والقرابات ...... وهذا النوع من العيد يحتفل به المسلمون منذ أن شرع الله سبحانه وتعالى إلى عيدنا هذا.
وهناك نوع آخر من العيد ، عيد العالم بأسره ، ليس عيدي وعيدك- أيها الغالي- أو ليس عيد المسلمين في البلاد فحسب ، بل إنه عيد كل من يعيش في هذا الكون ، وكل من يسكن في هذه الكوكبة ، وإن لهذا العيد من الخطورة والموقع ما يجل عن الوصف ، وله من الأهمية والمكانة ما يفوق البيان.
إنه العيد الذي يترتب على اصطباغ المسلمين بصبغة الإسلام ، و هو عيد يحل بعودتهم ورجوعهم إلى تعاليم الشريعة الغراء .... نعم ، هذا هو العيد الحقيقي الذي حرم منه العالم قاطبة منذ أيام ، ومنذ شهور ، ومنذ سنوات بل إن العالم محروم من هذا العيد الحقيقي منذ قرون ، بأن يتشبث المسلمون بأذيال هذا الدين ، ويمثلون هذا الدين بأروع النماذج ، ويقدمونها للعالم ، لتعرف الأمم الأخرى كذلك حقية هذا الدين ،فيتجلى لهم ما في هذا الدين الحنيف من شرف ومكرمة وعز ورفعة ، وليعرفوا ما لهذا الدين من ميزات و فضائل ، فيعتنقون الإسلام ويدخلون في هذا الدين أفواجا ، ويستريحون بتعاليمه المليئة بالعدل والرحمة والطمأنينة ، عندئذ يكون العيد الحقيقي للعالم كله قاطبة ، وما أحوج العالم إلى هذا النوع من العيد الذي يترتب على صلاح المسلمين ؛ فإنهم اليوم يعانون بأزمات شتى ، أزمة الخلق الرفيعة ، أزمة الصفات الإنسانية ، أزمة الخدمة لخلق الله ، أزمة الأمن القومي والسلام العالمي ، أزمة ذكر الله والخشية منه ، أزمة الصدق والأمانة في المعاملات, أزمة العدل في المحاكم ، أزمة المصلين الخاشعين في المساجد إلى غير ذلك مما لايخفى على أحد ممن له إلمام بأحوال المسلمين ..... وأعياد الأمم الأخرى اليوم إنما تمثل الطقوس والألعاب فقط ، وهي ليست إلا عبارة عن الأكل والشرب واللهو واللعب، مجردة بعيدة عما عليه الأمة الإسلامية من العبادة التي تتضمن سكون القلوب وبهجة الضمائر ، والفرحة الحقيقية القلبية التي يفتقدها العالم الإسلامي منذ قرون كثيرة.
فعيدنا اليوم يوجه إلينا رسالتها بأن المسلمين عليهم أن يستغلوا تلك التربية التي قام بها شهر رمضان لهم بتدريبه إياهم للصبر عن أذى الناس ، و الصبر عن محارم الله تعالى ، وتعويده إياهم على البر والمواساة مع خلق الله ، و التشرف والاعتزاز بطاعة الله ، وعليهم أن يبذلوا قصارى جهودهم للحصول على العيد الحقيقي الذي يتوقف على صلاحهم وعودتهم إلى الإسلام مرة أخرى ، وتهافتهم على تعاليم الإسلام السمحة من جديد, والله ولي التوفيق.