سلسلة ثلاث دقائق ، الحلقة - 1
أقدِّم إلى القراء السلسلة الأولى من «ثلاث دقائق»:
*)- جاء رجل إلى قومه، فجعلوه إمامًا لصلاتهم، وكان أكثر ما يطعمونه خبزًا وكامخًا - وطعام مصنوع من الحنطة واللبن -، فلما طال عليه ذلك .. افتتح الصلاة ذات ليلة بفاتحة الكتاب، ثم قرأ: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولا تطعموا إمامكم كامخًا، بل لحمًا، فإن لم يكن لحمًا فشحمًا، فإن لم تجدوا شحمًا فبيضًا، ومن لم يفعل ذلك فقد خسر خسرانًا مبينًا}. ثم قرأ في الركعة الثانية بعد فاتحة الكتاب: {فإن لم تجدوا بيضًا فسمكًا، فإن لم يكن سمكًا فلبنًا، ومن لم يفعل ذلك فقد ضلَّ ضلالًا بعيدًا. مأواه جهنم، وبئس المصير}. فلما فرغ من الصلاة، قالوا له: في أيِّ سورة هذا؟ قال لهم: في سورة «المائدة».!!
*)- رأى أبو حنيفة رجلا يصلي ولا يركع، فقال: يا هذا، لا صلاة لك بغير ركوع. فقال: أنا رجل عظيم البطن، فإذا ركعت ضرطت، فأيُّما خير: صلاة بلا ركوع، أو ركوع بضراط!!
*)- رأى أحدُ الصُّوفيَّةِ جنازةً قد أقبلت، فقال: «ربي وربك الله، لا إله إلا الله». فقال آخر: أخطأت، إذا رأيت جنازة فقل: «اللهم ألبسنا العافية». فتشاجرا في ذلك، فاحتكما إلى ثالث، فقال: إذا رأيتم جنازة فقولوا: «سبحان الله مَنْ يسبِّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته»!!
*)- قال الجاحظ: مررت بمعلِّم وهو يقرئ صبيًّا: {وإذ قال لقمان لابنه - وهو يعظه -: يا بني، لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدًا، وأكيد كيدًا، فمهِّل الكافرين أمهلهم رويدًا}. فقلت له: ويحك. قد أدخلت سورة في سورة. فقال: عافاك الله، إذا كان أبوه يُدخل شهرًا في شهر، فأنا أيضًا أدخل سورة في سورة، فلا أنا آخذ شيئًا، ولا ابنه يتعلم شيئًا!!
*)- سخط رجلٌ على ولدِه، فقال له: والله لا أفلحت أبدًا. فقال ابنه: لستُ أحنُثك - والله - يا أبتِ، فطِبْ نفسًا.
*)- قال رجلٌ لنسوةٍ: إنكنَّ صواحبُ يوسف. فقلن له: فمن رماه في الجُبِّ: نحن أم أنتم؟. فلم يحر جوابًا، وسكتْ.
*)- خرج رجلان من «خراسان» إلى «بغداد» في تجارة لهما، فمرض أحدهما، وعزم الآخر على الخروج، فقال له: ما أقول لمن يسألني عنك؟ قال: قل لهم: لما دخل «بغداد» .. اشتكى رأسَه وأضراسَه، ووجد خشونةً في صدره، وكبرًا في طحاله، وخفقانًا في فؤاده، وضربانًا في كبده، وورمًا في ركبتيه، ورعشةً في ساقيه، وضعفًا عن القيام على رجليه. فقال رفيقه: بلغني أن الإيجاز في كل شيء مما يستَحبُّ، فأنا أكرَه أن أطوِّل عليهم، ولكني أقول لهم: «قد مات».
*)- كان الحجَّاجُ سريعَ الجواب ظريفًا، فسأله رجل أعمى على سبيل التهكم: ما «الحرنقل»؟ فأطرق ساعة، وعرف أنه افتعل هذا من عند نفسه، ثم رفع إليه رأسه، وقال: هو الذي يأتي نساءَ العُمْيَان. فاستحيا ذلك الأعمى، وضحك الحاضرون.
*)- لقي غلامٌ أعرابيٌّ أبا العلا المعري، فقال له: مَنْ الشيخ يكون؟ قال المعري: أنا أبو العلاء المعريُّ، شاعرُكم المعروف. فقال الغلام: أهلًا بالشاعر الفحل، ذي القول الجزل، والرأي الفصل، أنت القائل في شعرك:
(وإني - وإن كنتُ الأخيرَ زمانُه - * لآتٍ بما لم تستطعه الأوائلُ)
قال أبو العلاء: نعم، أنا القائل ولا فخر. فقال الغلام: قول طيِّب، وثقةٌ بالنفس واعتداد، ولكن الأوائل قد وضعوا ثمانية وعشرين حرفًا هجائيًّا، فهل لك أن تزيد عليها حرفًا واحدًا؟ فسكت أبو العلاء. وقال بعد ذلك: والله ما عهدتُ لي سكوتًا كهذا السكوت.
*)- قال رجل - على البديهة - لصالح بن عبد القدوس: أسألك على البديهة:
(الموت بابٌ، وكلُّ الناس داخلُه * فليتَ شعرِيَ بعدَ البابِ ما الدارُ؟)
فقال صالح: وأنا بدَورِيْ أردُّ عليكَ على البديهة:
(الدارُ جناتُ عدْنٍ إن عملت بما * يُرضي الإلهَ، وإن خالفتَ .. فالنارُ)
*)- دخل أبو علقمة النحويُّ على أعينَ الطبيب، فقال له: أمتع الله بك، إني أكلتُ من لُحوم هذه الجوازل، فطسأتُ طسأةً، فأصابني وجعٌ من الوابلةِ إلى دأيةِ العنق، فلم يزل يربو وينمو حتى خالطَ الخلْبَ والشراسيفَ، فهل عندك دواء؟ فقال أعينُ: خُذ حُرْقفًا وسُلْقفًا فزَهْزِقْهُ وزقْزِقْهُ، واغسله بماء روثٍ واشربه. فقال أبو علقمة: لم أفهم عنك!. فقال أعين: أفهمتك كما أفهمتني.
*)- قال رجلٌ للحسن البصري: ما تقول في رجل تركَ أبيه وأخيه؟ فقال الحسن: قل: تركَ أباه وأخاه. فقال الرجل: فما لأباه وأخاه؟ فقال الحسن: قل: فما لأبيه وأخيه. فقال الرجلُ للحسن: أراني كلما كلمتُك خالفتني.