نبذة من حياة الدكتور أمجد أحسن علي رحمه الله تعالى، مؤسس مدرسة ابن عباس رضي الله عنهما، كراتشي
كان الفقيد الدكتور - رحمه الله - رجلا هزيلَ الجسم عظيم الهمة، نحيل البدن قوي العزم والقلب والإرادة. شيخ يعلوه الوقار والبهاء، ويجلوه التواضع والسكينة، مطمئن النفس والبال، هادئ الطبع خَلُوق، المتواضع في مشيته وجلساته، المصمم في أقواله وأهدافه، المتمسك بالسنن في جُلِّ أفعاله وأعماله، المتعمم عمامة بيضاء ساطعة، المرتدي لباسا يوافق السنة، المنصت للصغير والكبير، المهتم بالغريب والقريب، جميل المظهر وسيم، صامد مثل الجبل الشامخ، فخورٌ بما عنده من الديانة والدين، الزاهد عن الدنيا والراغب في الآخرة، رجل لا يعرف الخيبة والهزيمة، مؤمنٌ بربه وراض بقضائه، وفي جلِّ أعماله الإخلاص...
رجل ما رأتْ عينايَ مثله في عزائمه وإراداته، لو قلتُ لم أكن مبالغا: لقد كان ألمعي زمانه وعبقري دهره وفريد عصره.
عاداتُه وصفاته:
رجلٌ مهتمٌّ بالعبادات والطاعات، وطالبٌ شغوف بالعلم والرياضات البدنية والروحية، وأذكر لكم حياته التي قضاها عندما كان طبيبا في إحدى المستشفيات الكبيرة بكراتشي المعروفة باسم (لياقت نيشنل).
أيامَ كان طبيبا في المستشفى تلك؛ لم يرضَ بالقعود والقناعة بما عنده من علم وعمل؛ بل كان يتلو من كتاب الله ما قُدِّر له كسورة يسين ورحمن كل صباح، ويُرشد الناس ومرؤوسيه إلى دين الله المتين؛ فكان يقوم بالدعوة إلى الله، ويرغب النساء في الحجاب، ويزور العلماء في مساجدهم لتلقي علوم الشريعة حتى نال من علومهم ما نال، وتخرج سنة 1986م في جامعة العلوم الإسلامية، وهذا يدل على شغفه بالعلم، وحبه الخاص للعلوم الدينية، واستمر على هذه الصفات حتى سنة 2013م حيث تقاعد عن شغله في المستشفى.
ومما يدلُّ على بساطته وعدم رغبته في الدنيا؛ أنه لم يعتدِ المكيَّفات في بيته ولا في غرفته الخاصة بالمدرسة، ولم يستخدم السيارات الفاخرة، وكان يسوق السيارة بنفسه، فلم يتَّخذ لخدمته السائق ولا لحراسته الحُرَّاس، كان يحبُّ الجلوس على الأرض والاستراحة على الحصير، وكان يسافر بالقطار مع الشعب العام.
وأنا بدوري كمسؤول لفرع ابن عباس (كاتهور) جالستُ الدكتور - رحمه الله - كثيرا منذ سنتين في مشورات كانت تنعقد بـ(كاتهور)، فرأيته عن قرب، وكان أول ما يسأل عنه حين قدومه المدرسة أحوال الطلاب:
- هل الطلاب يتهجدون؟
- هل هم يمارسون الرياضة البدنية؟
- هل الطلاب يهتمون باللغة العربية؟
- هل الطلاب يدعون الناس إلى الله بعد العصر يوميا؟
فكنت إذا شرعت في الإجابة؛ رأيت من إصغائه والتوجه التام نحوي؛ كأنه والد شفيق يريد أن يطَّلع على أحوال أبنائه، أ هُمْ في راحة فيرتاح براحتهم ويطمئن لطيب إقامتهم، أم هم في مشقة فيدعو الله لهم بالعافية والقبول، ويتدبر لهم بأقصى ما يمكن من تدبير، وعند معرفة أي معاناة يعانيها الطلاب كان يحزن ويغتم، وكان يهتم بحل معاناتهم.
خدماتُه الجليلة:
لم يكن لِيحرمَ الأمة الميراثَ النبوي ولغة الضاد؛ التي أُنزل بها الوحي من فوق سبع سماوات، فكان من أعماله الجليلة التي عورض لأجلها معارضات شديدة؛ لكنه كما عُرف من عزمه المصمم وإرادته القوية الصامدة صمود الجبال هو:
مدرسة عائشة رضي الله عنها للبنات
من خدماته الجليلة إنشاء مدرسة البنات عائشة سنة 1988م، فقد فآتت أٌكلها وأُنبتت نباتا حسنا، وقد رزقها الله القَبول، ومن ثم تفرعت فروعها وتشعبت، وانتشرت داخل باكستان وخارجه.
مدرسة ابن عباس رضي الله عنهما للبنين
ولم يكتفِ بهذا القدر من الخير، فأسَّس معها مدرسة البنين سماها "مدرسة ابن عباس" سنة 2000م، التي أُسست على ركنين متينين:
- الدعوة والتبليغ.
- تعليم العلوم الشرعية باللغة العربية ونشرها في العالم.
فاختار لها العلماء الدعاة والمهرة في تعليم اللغة العربية الفصحى من داخل البلد وخارجه، فكانت الدراسة من اليوم الأول باللغة العربية، ولا يخفى على المُلم الخبير خيراتُها ونفحاتُها التي سرتْ في مشارق الأرض ومغاربها؛ ولا تزال تؤتي ثمارها، ثم توسعت هذه الدائرة فتفرَّعت إلى فرع في إسلام آباد وفرعين في كراتشي بأورنكي وكاتهور، ما عدا الأقسام التي اكتنفتها كقسم الروضة في بهادر آباد، وقسم التحفيظ للأطفال، وقسم الحفاظ للذين يحفظون الأحاديث المتفقة من كتابي البخاري ومسلم.
إنشاء مكتبة البشرى.
ومن أجل أعماله إنشاء مكتبة البشرى التي امتازت بطباعة كتب المقرر الدراسي في أجمل حلة وأنفس طباعة وأرخص قيمة، استفاد منها طلاب وعلماء في داخل البلد وخارجه، وأُعجبوا بها إعجابا مذهلا، ولا تجد مدرسة من مدارس باكستان تخلو من كتبها.
العلاج بالحجامة والأغذية المسنونة:
الدكتور - رحمه الله - لم يكن ليدع العمل بالسنن في حياته العادية حتى في علاجه للناس، فكان ينصح الناس بالعلاج المسنون، ويرشدهم إلى ما فيه صلاحهم، فإذا أتاه آت بالتحليلات المكثفة والأشعة السينية المتراكمة لم يكن ليتأثر بها أو يتنازل عن رأيه في العلاج بالأغذية والحجامة، فكان يصف لهم العلاج بالحجامة وهو على يقين به، فاستفاد منه خلق كثير، لقد كان الشيخ الدكتور - رحمه الله – محييا لهذه السنة المهجورة، وله في طريقة العلاج بالحجامة كتاب بالأردية والعربية، يجب أن يقتنيه العوام والخواص، اسمه "الحجامة".
العلاج بالصلاة:
كان يقول في أكثر كلماته "من صحت صلاته صح جسمه"، فقد عالج الكثير من الناس الذين اشتكوا آلام ظهورهم، فكان يرغب في أدعية الصلوات المأثورة في قيامها وركوعها وسجودها، وكان يستدل بأحاديث صحيحة، وبالفعل؛ أنشأ بيئة في محيط المدرسة وفروعها، فأصبحت الصلوات شبه طويلة وأقرب إلى السنة بكثير؛ بحيث استطاع المصلي أن يهتم بالأدعية المأثورة في القومات والجلسات.
الرحلة إلى دار الآخرة:
لقد وافاه اليقين وهو في خمس ثمانين من عمره ليلة الإثنين بتاريخ 27 من أغسطس سنة 2023م، أسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته وفضله ويدخله فسيح جناته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
هذا ما تذكرته من حياته؛ وكان أكثر ما يقول:
إذا سألتم فاسألوا الله تعالى ولا تسئلوا شيئا من المخلوق.