لماذا هذا التساھل الفاشي في المرور بين يدي المصلي؟

قد فشا في الناس المرور بين يدي المصلِّي من دون تنُّبهٍ وتوقُّفٍ واستعظامٍ لحرمة المرور، ويُخيَّل إلى الرائي كأن ليس بالمرور أيُّ بأس، وكأنَّ تعجُّله للحاجة أو لأمرٍ أعظمُ وأكبرُ من تعدِّي حرمات الله، وذلك شائع من دون تفريق وامتياز من الكبير والصغير، فلا أدري أذلك للجهل عن أوامر الله، أو للاستخفاف بحدود الشريعة.

وقد دلَّ على خطورة هذا الأمر غيرُ واحد من الأحاديث والآثار، فأخرج الإمام مالك في الموطأ عَنْ أَبِي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلى الله عَلَيه وَسَلم، قَالَ:

إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ۔[1] وأخرج عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ كَعْبَ الْأَحْبَارِ، قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي، مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يُخْسَفَ بِهِ، خَيْراً لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ[2].

وأخرج الدارمي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

«لَأَنْ يَقُومَ أَحَدُكُمْ أَرْبَعِينَ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي» قَالَ: فَلَا أَدْرِي سَنَةً أَوْ شَهْرًا أَوْ يَوْمًا.[3]

والسَّنَةُ هو المتعيَّن، لما روي الطحاوي في مشكل الاثار: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:

" لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ مُعْتَرِضًا وَهُوَ يُنَاجِي رَبَّهُ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مَكَانَهُ مِئَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَا "

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ مِنَ الْأَعْوَامِ لَا مِمَّا سِوَاهَا مِنَ الشُّهُورِ وَمِنَ الْأَيَّامِ وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا هُوَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الزِّيَادَةَ فِي الْوَعِيدِ لِلْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي وَالَّذِي فِي حَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ التَّخْفِيفُ وَأَوْلَى الْأَشْيَاءِ بِنَا أَنْ نَظُنَّهُ بِاللهِ تَعَالَى الزِّيَادَةُ فِي الْوَعِيدِ لِلْعَاصِي الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا التَّخْفِيفُ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُ فِي مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي[4].

وجاء في مصنف عبدالرزاق عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، كَانَ يَقُومُ حَوْلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي سُتْرَةٌ»[5].

نعم، يجوز المرور وراء الحائل كإنسان، أو جدار، أو عمود، أو سترة، ويشترط في السترة أن يكون بقدر ذراع طولاً(واحد ونصف قدم) وفي غلظ الأصبع عرضًا[6]، ولا يجوز بغير ذلك[7].

وإن كان المسجد كبيرا يساوي أربعين ذراعًا جاز فيه المرور بين يدي المصلِّي مما لا يبلغه نظرُه إن كان موضع سجوده، وقُدِّر ذلك بالصَّفَّين سوى صفِّه الذي يصلِّي فيه، وليُعلم أنَّه لا يجوز إلَّا في المسجد الكبير، أو الميدان الكبير، أو السَّاحة الكبيرة، ولا يجوز في المسجد والميدان الصَّغيرين.

فيُفرض على منظِّمي المساجد ما يلي:

  • وضعُ السُّتَر بين الصُّفوف، فإن شقّ ذلك فبين ساحتين.
  • تعليق اللَّوحات بمرأى العامة، تُذكر فيها بالحروف الجليَّة خطورةُ المرور بين يدي المصلِّي، والإنذارُ الشَّديد اللَّذي ورد به الأحاديث
  • التَّلقين من إمام المسجد وبيان أهمِّيَّة الأمر.

وينبغي للمصلي إن  مرَّ أحد بين يديه وهو يصلِّي فليسبِّح أو يٌشِرْ بيده أو يأخذ بطرف ثوبه من غير مشي ومعالجة شديدة[8].

فالحاجة ماسة إلى التنبيه حول هذا الأمر المهم، فإن الأمر الشرعيَّ متى تجاهله الناس أو تناسوه، وقلَّ فيه كلام العلماء، أصبح نسيا منسيًّا لدى الجيل القادم، حتى إذا أخبر أحدهم بذلك تعجب وتحيَّر، حيث لم يوجَّه إليه مدي عمره، وطول فتوَّته. 

 هذا ما أردت لفت النَّظر إليه، والله هو المستعان.

__________

[1]  موطأ مالك رواية أبي مصعب الزهري (1/ 159)

[2] عن موطأ مالك ت الأعظمي (2/ 216)

[3] سنن الدارمي (2/ 888)

[4] شرح مشكل الآثار (1/ 84)

[5] مصنف عبد الرزاق الصنعاني (2/ 20)

[6]  فتوى نمبر: 144202200327

[7] [(سُتْرَةً بِقَدْرِ ذِرَاعٍ) طُولًا (وَغِلَظِ أُصْبُعٍ) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (1/ 637)]

[8]  بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (1/ 217)

 

حارث كسباتي


مجموع المواد : 3
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025