ذكرتني هذه الصورة أيامي الماضية: من سلسلة يومياتي بقلمي.
إنني اليوم كنت أفحص صفحتي على فيسبوك، فخلال فحصي إياها وقع بصري على صورة أعجبتني، فأحببت أن أنقل رأيي إليكم عن طريق كتابتي. فالصورة التي شاهدتها هي التقيت في سوق على حد علمي، فكانت بجنب طريق عربة الفواكه، وبجوارها رأيت بعض الصغار جالسين منتظرين لحافلة ما، وقد يريدون السفر إلى مكان، لأنهم كانوا حاملين أكياسا فيها أثوابهم وأشياءهم وعلى رؤوسهم قلانس بيضاء وكأنهم طلاب العلم.
في الحقيقة أنا حائر في سذاجتهم حيث لا يبالون شيئا، جالسين على الأرض منتظرين لمجيء حافلة، مريدين بالذهاب إلى مدرسة، ناظرين يمينا وشمالا. فذاك منظرهم قد جلب انتباهي وقد جذب انتباه المارين على ذلك الطريق. فأحد المارين عند ما رآهم بهذه الكيفية لم يصبر على نفسه حتى أخرج جواله, وصور هذا المنظر المدهش، ونشر صورتهم هذه على صفحته فيسبوك. وكتب عليها تعليقا كان ينبغي أن يكتب بماء الذهب والفضة إن كان متوفرا حيث إن تعليقه هذا عظم هؤلاء الطلاب الصغار، ولم يحقرهم. فمثل هذه التعليقات ندر وجودها في عصرنا هذا. فكل واحد عند ما يخرج من بيته غاضبا فإنه يفرغ جام غضبه على هؤلاء الطلاب المساكين والعلماء العظام، فلا يجد عملا غير هذا. فلذلك قلت: إن هذا التعليق كان ينبغي أن يكتب بماء الذهب والفضة.
ولقد أرجعتني هذه الصورة إلى ماضيي حيث إنني مررت على هذه اللحظات فإنني لما كنت صغيرا كنت أخرج من البيت إلى موقف الحافلات منتظرا لمجيئها، ناظرا يمينا وشمالا، متأسفا على مغادرتي بيتي ومدينتي وزملائي، فهذا الفراق لا يكون سهلا، بل كان يترك ألما كبيرا في قلبي، ولكنني كان يجب علي تحمله حتى أكمل دراستي، فلله الحمد والمنة أنني أكملت دراستي. فنسيت تلك الآلام التي عانيتها في سن صغري، ولكن لا ولن أنسى ذلك المنظر والأيام التي قضيتها في ذلك السفر العلمي.
ويناسبني إخبار الإخوة أن العالم لا يكون عالما وهو جالس في بيته، بل إنه يتحمل الآلام والمشاكل، ويفارق أسرته وزملاءه ومدينته حتى يكمل دراسته. وقد لا يجد مبلغا يصرفه على نفسه، ولكنه لا تضعف همته، بل تقوى وتعلو، حتى يكمل سفره. وللأسف الشديد على بعض الإخوة الذين دائما يحقرون العلماء ويعلقون عليهم تعليقات غير مناسبة. فإنهم إما لا يدرون ما يتحمل العلماء في أسفارهم العلمية، وإما يتجاهلون؟ المهم إن عملهم هذا غير مناسب، ويجب عليهم اجتنابها.