يومياتي في الحظر: الحلقة الأخيرة (84)

إن موقف اليوم لن أنساه طوال حياتي، وقد ترك لي موقف اليوم أمورا كثيرة، وكتبت في هذه المقالة حول هذا الموقف، وجعلت هذه المقالة حلقة أخيرة من سلسلة حلقات يومياتي في الحظر، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتقبل كل ما كتبته في أيام الحظر، وأن يجعله نافعا ومفيدا للجميع...

      إن سلسلة الحلقات بعنوان: "يومياتي في الحظر"، تنتهي اليوم، والحلقة التي أكتبها اليوم هي آخر حلقة من سلسلة حلقات يومياتي في الحظر، وخلال فترة أيام الحظر كتبت مقالات قصيرة حول مواضيع مختلفة، ومتنوعة، ووضعت جميع المقالات تحت عنوان" يومياتي في الحظر"، والمدة التي كتبتها كانت أكثر من شهرين، والجميع كانوا محصورين في هذه المدة في بيوتهم بسبب الحظر من قبل السلطات، ولذلك اخترت هذا العنوان لمقالات كتبتها في أيامه، وقد كتبت مقالات من هذه السلسلة أكثر من ثلاث وثمانين، وقد اكتفيت بها اليوم ولكن الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة هي مبنية على الحقيقة...

      منذ أن أصبت بحادث مرور بقيت عدة أيام في المستشفى، ثم جئت منه إلى البيت، وبقيت فيه، حتى حل شهر رمضان المبارك، وقد وفقت للصيام والقيام، فكنت أصوم نهارا، وأقوم بالليل، حيث كنت أصلي التراويح مع أخي، ومنعته من الذهاب إلى المسجد ليصلي معي في البيت، حتى أحصل ثواب الجماعة، وقد فعل ما طلبته، ومضى شهر رمضان المبارك بخير وعافية وسلامة، وكانت صحتي فيه على ما يرام...

      فمثل هذا الموقف قد أنساه في حياتي، ولكن موقف اليوم لا أعتقد نسيانه أبدا، وهو أن اليوم كان يوم عيد الفطر، فمن الصباح الجميع كانوا يستعدون لأداء صلاة عيد الفطر، فأحدهم يرتدي ملابس جديدة، والثاني يلبس قلنسوة جديدة، والثالث يعطر نفسه بعطر، وكنت جالسا على السرير دون أن أفعل شيئا، لأني لم أكن قادرا على الحركة بسبب كسر وقع في عظم فخذي اليمنى قبل ثلاثة أشهر، ومنعني الطبيب الحذر إلى أربعة أشهر، ثم يسمح لي بتحريك قدمي، ومن الممكن أجد إذنا عاما للمشي أيضا، فكنت متفكرا في هذا اليوم...

      ذهب الجميع ليصلوا صلاة العيد، وأنا بقيت في البيت، ثم بعد ما أدوا عادوا، وهنأوني بمناسبة عيد الفطر، وأنا أيضا بادلتهم بنفس التهنئة، ولكن الوضع من داخلي لم يتغير، والموقف الذي كنت أمر به في تلك اللحظة لم يكن موقفا يسيرا، بل كان صعبا، وقد ثبت ذلك الموقف في دماغي، وترك أثرا جريحا على قلبي، فتفكرت بأن مثل هذا الموقف لم يأت في حياتي ولو مرة إلى يومنا هذا، وهذه أول مرة جاء في حياتي، فهل أكون قادرا على نسيان هذا الموقف! وهل يمحى أثر ذلك الموقف الذي تركه على قلبي! مثل هذه الأسئلة أحاطتني من كل جانب، وأخذتني أتفكر فيها، ولكن ألم ذلك الموقف لم يخفف، بل كلما كنت أتفكر فيه يزداد ألما، حتى لحظة واحدة صمت تماما، وكأنني جامد، ثم تذكرت الحادثة التي وقعت قبل الأمس في مدينة كراتشي، وهي تحطم طائرة الركاب قبل وصولها إلى مدرج الهبوط بدقيقة واحدة، وقد هلك جميع ركاب تلك الطائرة إلا اثنين منهم، فهما نجوا بأعجوبة، أما الآخرون فكلهم استشهدوا في تلك الحادثة...

      فكيف يكون وضع أقرباء أولئك الوفيات في تلك الحادثة، فهم أيضا واجهوا موقفا غريبا في حياتهم، وقد فقدوا أحبتهم وأقرباءهم، والبعض فقدوا أبنائهم وآبائهم وأمهاتهم، وهم أيضا يحتفلون بعيد الفطر اليوم، فلما تفكرت من هذه الزاوية تخف الألم، وعلمت أن موقفي أمام موقفهم لا شيء، فشكرت الله ـ عز وجل ـ على أنه منحني حياة، ووفقني بالصيام والقيام في شهر رمضان المبارك...

      فكتبت هذه الكلمات كذكريات للأيام القادمة، وجعلت كتابة اليوم حلقة أخيرة من سلسلة يومياتي في الحظر، وهذا ليس بمعنى أني لا أكتب بعد اليوم، بل أكتب كل يوم، وفي موضوع جديد، ولكن موضوع "يومياتي في الحظر" قد انتهى اليوم، والسبب في ذلك أن الحكومة خففت الحظر ، وسمحت الكثيرين من التجار أن يتاجروا، ولكن بحذر، وكأن الحظر قد انتهى اليوم، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتقبل كل ما كتبته في أيام الحظر، وأن يجعل كتابتي هذه في ميزان حسناتي يوم القيامة، وأن يجعل هذه السلسلة كلها نافعة للجميع، ومفيدة للقارئين... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

حررت هذا النص في تاريخ: الأول من شوال المكرم عام 1441هـ الموافق 24 من مايو عام 2020م، يوم الأحد.. يوم عيد الفطر...

أ.د.خليل أحمد


مجموع المواد : 506
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024