كتاب الحياة!
مهما أنستَ بالكتب، عائشاً في رحابها، سابراً أغوارها، فإنّ هناك كتابا لا تغنيك عنه كتبُ الدنيا كلها، فهو لا يشبهها، كما أن النشوة التي تصادفها فيه لا تضارع ما تجده في غيره.
إنّك بإكثارك القراءة في كتاب سوف تملّه! إلا هذا الكتاب فتجد راحتك في الإكثار منه. كتاب مهما بهرك الأدباء بأساليبهم وسحروك بأقلامهم، يبدّد سحرهم، ويُسربلك بسحره، فيجعل أعظم الأدباء يتصاغر في عينيك!
قد يحدث لك سؤالٌ يُجهدك البحث عن جوابه في الكتب، ورغم ذلك تخرج منها في النهاية والصدر غير منشرح، ثم تفتح هذا الكتاب فيزوّدك بالجواب كاملا وافيا لا مزيد عليه، فتخرج منه وأنت طيب النفس، منشرح الصدر، قرير العين. ولا تجد كتابا سواه يجيب عن كل سؤال، إنه كتاب لم يفرّط في شيء، إذ قد وضعه مَن أحاط بكل شيء علما.
لا يشقى من اتخذه أنيس وحدته، وجليس خلوته، وصاحبه في ضيقه وطيبه، ومكرهه ومنشطه، وصحته ومرضه، ورفيقه في سفره وترحاله، كتاب يتعطّر به اللسان، وتنقى الروح، ويرتاح الجسد.
كلما أبحرتَ في أعماقه جلبتَ دُررا جديدة، وكلما غصت في أغواره غنمت لآلئ يتيمة، كل سورة فيه عبرة، وكل حرف فيه أجرٌ وثواب، وكل آية فيه ما يريح القلب والعقل والوجدان، ظاهره أَنيقٌ وباطنُه عميقٌ، لا تَفْنى عجائبُه، ولا تنقضِي غرائبُه، ولا تُكشف الظلمات إلا به.
عندما يهجم عليك اليأس ويكتّفك الإحباط وتشتد الحلقات، وتظن أنك لا محالة هالك، تسمع هناك نداءً مُنعشا، يردّ اليأس بكل ما له من جنود على أعقابه، معيدا إليك نور الأمل، إنه نداء القرآن: "مَا ودَّعكَ رَبُّك وما قَلى" يبثّ فيك معاني الصبر واليقين، ويشحنك إيجابيا، ويجعلك تطمئنّ وترتاح، ويحفّزك إلى الانطلاق من جديد ! "ما أنزلنا عليكَ القرآنَ لتَشقَى".
كم ظلمنا هذا الكلام حينما عاملناه وكأنه صالح للمآتم والمصائب فقط، حتى كاد أن يصبح بيننا رمزا للمصيبة بحيث كلما سمعنا آياته تتعالى في مكان علما أن هناك حلّت مصيبة ! إنه جفاء ليس بعده جفاء ! كيف جعلنا كتاب التفاؤل رمزا للتشاؤم ! وكتاب الحياة أمارة للموت ؟! إنه ربيع القلوب ونور الصدور، إنه كتاب الحياة.
سيد مسعود
إشراقة/ ٢٧ رمضان ١٤٤١