الميعاد

يا كورونا، أيتها الداهية العظمى والطامّة الكبرى، هل لك أن تنجلي!

مساء الخميس متميّز عنده لأنه يحمل له بشرى بحينونة ميعاد مهمّ ظلّ ينتظره بلهفة وشوق، ها لم يبق إلى الميعاد إلا هذه الليلة، ولّى النهار، وجاء الليل بالاعتكار، لكن هذه الليلة كأنها بمدّ رواقها لا تنشر الظلام، بل تنشر النور في عالمه، وكأنها ليلة البدر التمام، كيف لا وهي تتمخض عن الميعاد!

  ولما أصبح الصباح، وأضاء بنوره ولاح، وطلعت الشمس على رؤوس الروابي والبطاح، انثنى وله فؤاد شيّق، فاغتسل، واستاك، ولبس ملابسه الجديدة، أو أطهرها، وتطيّب بما وجد، وأخذ السجادة، وانطلق نحو الميعاد، يفضّل السير ماشيا، راجيا الأجر محتسبا، يتمايل في مشيه فرحا، حتى انتهى به الطريق إلى حيث الميعاد.

على هذا جرت عادتُه، إلى أن جاء مكدّر كدّر عليه صفوه، حيث حال بينه وبين ميعاده الأسبوعي الذي كان يستمدّ منه النور والصفاء وقوة الإيمان، ويجد فيه الدافع إلى البرّ والخيرات، جاء الخميس وهو ليس كالأخمسة التي عهدها، لأنه لم يبعث فيه الفرح، بل بعث الحسرات وأسأل العبرات.

ظنّ أنه يتخّلف عن الميعاد أسبوعا واحدا، ثم تجري المياه في مجاريها والأمور في نصابها،  فانتظر الخميس الثاني على مقالي الجمر، فجاء وهو يُشبه أخاه في كل شيء، فلم يكن منه إلا أن تنهّد ولزم الوساد، وطال به السّهاد وتسلسل به الحزن.

فمنّى نفسَه وأمّلها في الثالث، علّه يبشر بالخير ويساعده على إطفاء أشواقه، إلا أن أمله خاب، ها ! لقد تعذّر اللقاء وتعسّر بعد أن كان سهلا هيّنا، فهمهم "ستُبدي لك الأيامُ ما كنتَ جاهلا" وهملت عيناه بالدموع، وجاء الليل وهو يتقلّب على مراقد البين، ويكتحل بموارد الأرق، وظلّ للنجوم نقيبا، وللظلام رقيبا وهو مع هذا يقول: "يا ليلُ طُل، يا صبحُ قِفْ لا تطلعِ" لأن مجي الجمعة يجعله تزداد به الحسرات.

يَعتبر هذا الميعاد حجّاً له على أساس ما ورد في الباب من الأحاديث، منها: ما أخرجه البيهقي عن سهل بن سعيد مرفوعا: "إن لكم في كل جمعة حجّةً وعمرةً؛ فالحجةُ: التهجيرُ للجمعة، والعمرةُ: انتظارُ العصر بعد الجمعة". وما أورده الجامع الصغير عن بن عباس مرفوعا: "الجمعة حجّ المساكين" وفي رواية لمسلم "الجمعة حجّ الفقراء".

هذه الجمعة كانت الثالثة منذ أن توقفت إقامة صلاة الجمعة بسبب انتشار كورونا، وقد جاء القرار بهدف حماية نفوس الناس من الإصابة بالفيروس والحد من تفشيه بعد أن عُرف التجمع كأكبر خطر يسبب انتشاره. وللضرورة أحكامها.

يا كورونا، أيتها الداهية العظمى والطامّة الكبرى، هل لك أن تنجلي! فقد ضاق الصدر وعيل الصبر، بالله عليك زُل، بحق البيت وزمزم والمقام زُلْ حتى تنتعش النفوس، وتنشرح الصدور وتزول الهموم، وتوقد القناديل وتضيء الشموع ليلة الجمعة في علياء مدينتا مرة أخرى.

  سيد مسعود

     رواية/ ٢ شعبان ١٤٤١

السيد مسعود

مدرّس في قسم معهد اللغة العربية بجامعة دار العلوم زاهدان- إيران
مجموع المواد : 50
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025