الخطابة واستخدامها في تعليم مهارات اللغة العربية

 الحمد لله رب العالمين، والصلوة والسلام على رسوله الأمين، أما بعد:

مما لا شك فيه أن الخطابة لها أهمية كبيرة وبالغة مكانة مرموقة وسامية في الشريعة الإسلامية، ولها تأثير كبير في نفوس الناس. حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم:( إن من البيان لسحرا). ولهذا اهتم الإسلام منذ بزوغ فجره في إلقاء الخطب حيث جعلها ركنا في صلاة الجمعة وألزم على المصلين الاستماع والانصات لها. وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته بإلقاء الخطبة حيث نادى الناس و عشيرته تحت جبل مكة وقال: أيها الناس...

فعلى متعلمي اللغة العربية لغير الناطقين بها أن يتعلم إلقاء الخطبة باللغة العربية الفصحى، ويتقن أصولها وفنونها، ويتعلم من خلال تعلم الخطابة المهارات اللغوية الأربعة. ففي هذا البحث حاول الباحث أن يلقي الضوء حول هذا الموضوع، أي كيفية استخدام الخطابة في تعليم المهارات اللغوية الأربعة.

الفصل الأول : الخطابة، تعريفها، نشأتها

المبحث الأول:تعريف الخطابة، وفيه مطالب:

المطلب الأول:الخطبة في اللغة:

الخطبة و الخطابة مصدر, فعله خَطَب. قال الرازي في مختار الصحاح: خَطب على المنبر خُطبة بضم الخاء وخطابة ...و خَطُب من باب ظرُف صار خَطيبا.([1])

و قال في القاموس : و خَطب الخاطب على المنبر خَطابة بالفتح و خُطبة بالضم , وذلك الكلام : خطبة أيضا, أو هي الكلام المنثور المسجع و غيره. و رجل خطيب : حسن الخُطبة بالضم.([2])

و أما خِطبة المرأة للنكاح فهي بكسر الخاء. و في الحديث: ( و لا يخطب على خِطبة أخيه).

المطلب الثاني:الخطابة في الاصطلاح:

وضع العلماء عدة تعريفات للخطابة.

يقول عميم الاحسان المجددي:(كلام منثور مؤلَف يخاطب به الفردُ الجماعةَ قصد الاقناع).[3]

(فن إيصال خبر أو فكرة ما  لمجموعة من السامعين على نحو مقنع ومؤثر).   و بعبارة أخرى:

وعرَّف بعض المعاصرين الخطابة : بأنها فنّ من فنون الكلام ، يقصد به التأثير في الجمهور عن طريق السمع والبصر معا.[4]

وهذه التعريفات كلها تتعلق بالخطابة, أما علم الخطابة فله أيضا تعريفات كثيرة. ولكنني أكتفي بتعريف واحد و هو تعريف الدكتور عبد الجليل شبلي, وهو يقول فيه، علم الخطابة: هو أصول وقواعد  ترشد الإنسان إلى فن مخاطبة الجماهير بطريقة إلقائية تشمل على الإقناع و الاستمالة.[5]

المبحث الثاني: نشأة الخطابة:

الخطابة قديمة قدم الاجتماع الانساني، لأنها تمثل حاجة إنسانية اجتماعية، لا يستغني عنها مجتمع إنساني على الإطلاق. وذلك من حيث حجة النفس الإنسانية إلى التعبير عن مشاعرها وأفكارها, والإظهار عن آرائها وما يدور في نفسها،  وكذلك حاجة أفراد المجتمع الإنساني إلى تبادل الأفكار, وتوحيد الرؤى والمواقف, إذ الخطابة إحدى أهم وسائل تحقيق هذه الأهداف والأغراض.

و قد صاحبت الهداية الربانية البشرية من أول يوم، وجاء بها رسل الله سبحانه: { رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.[6]

و كان رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين روادا لأممهم وخطباء لشعوبهم. يهدونهم إلى الصراط المستقيم والطريق القويم ويبشرونهم بالفوز والسعادة و يحذرونهم من طرق الغواية والضلالة ومن مزالق الشيطان وعواقب الخسران. ولهذا بعثوا ومعهم الحجة و الحكمة وصدق الله { كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ}[7].

المطلب الأول: الخطابة عند اليونان:

علمنا أن الخطابة قديمة قدم الإنسانية, وأما علم الخطابة فإن الباحثين يرجعون تدوينه إلى اليونان, فيقولون إن أول من دون علم الخطابة وجعل له أصولا وقواعد هم اليونان.

و قد جاء بعد هذا العصر أرسطو. فجمع قواعد علم الخطابة, وضم شوارده وأودع ذلك في كتاب سماه " الخطابة "، فاتخذه الناس أصلا لهذا العلم، وصار مرجعاً في هذا الفن.[8]

المطلب الثاني: الخطابة عند العرب:

و إذا وجهنا وجهتنا إلى الأمة العربية وجدناها قد بلغت من الفصاحة و البلاغة والبيان ما لم تبلغه أمة من الأمم قبلها أو بعدها. وكان الشعراء و البلغاء هم فخر القبيلة و عزها ومجدها, إذا قالوا فقولهم كأنه التنزيل و إذا تكلموا فكلامهم رافع خافض.[9]

و كان من أشهر خطباء العرب قس بن ساعدة الأيادي خطيب عكاظ, و خارجة بن سنان خطيب داحس, و خويلد بن عمرو الغطفاني خطيب حرب الفجار, وأكثم بن صيفي و غيرهم.

ولقد بالغ بعض العلماء في نسبة التفوق في الخطابة للعرب، وجعلهم أعلى درجة فيها من سائر الأمم،ـ كما ذهب إلى ذلك الجاحظ في كتابه البيان والتبيين.

يقول الشيخ أبو زهرة في حق خطباء العرب: و في الحق إن الخطيب العربي يعد في الطبقة الأولى بين خطباء الأمم. وإن الخطابة العربية في العصر الجاهلي كانت حية ناهضة, لتوافر الدواعي إليها, ووجود ذوي اللسن والبيان , وأولئك كانوا كثيرين, خصوصا في قبيلتي عبد القيس و إياد.[10]

المطلب الثالث: الخطابة في الإسلام:

و لما جاء الإسلام رفع الخطابة إلى درجة عالية,  وأعلى شأنها إلى رتبة سامية, حيث جعلها شعيرة من شعائر الدين, و فريضة من فرائضه العظام. و فرض على الناس الحضور إلى المساجد و الجلوس المنصت, و الامتناع عن أي حركة أو صوت يشوش على الخطبة, و يشغل الحضور عن الانصات للخطيب , و في فرضية الحضور لصلاة الجمعة قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ}.[11]

أدى اهتمام الإسلام بالخطابة إلى انتشارها بين المسلمين، بحيث كثر الخطباء، وعلا شأنهم، وارتفعت درجتهم، لقداسة العمل الذي يؤدونه، فهو بمثابة الصلاة المفروضة.

 

الفصل الثاني: استخدام الخطابة في تعليم مهارات اللغة العربية:

من المعلوم لدينا أن مهارات اللغة أربعة: وهي الاستماع, التحدث, القراءة و الكتابة. فمن الممكن أن نعلم الطلاب مهارات اللغة الأربعة باستخدام الخطابة. وتفصيلها فيما يلي:

المبحث الأول: استخدام الخطابة في تعليم مهارة الاستماع

يحظى الاستماع في حياة متعلمي اللغة العربية بدور مهم، وبناء على هذه المهارة يتافاوت فهم الدروس والمحاضرات. فتنميتها أمر ضروري. ويجب على المعلم أن يهتم بهذه المهارة أكثر بكثير.

فأي مدرس للغة العربية يريد أن يعلم الطلاب مهارة الاستماع من خلال استخدام الخطب  مسجلة كانت أو غير مسجلة، عليه أن يسير درسه على النحو التالي:

  • يجب على المدرس أن يحدد أهداف الدرس بطريقة سلوكية وإجرائية, ويحدد المهارات التي يجب أن يفهمها التلاميذ وأن يتدربوا عليها من خلال هذا الدرس.
  • على المدرس أن يثير دوافع تلاميذه للاستماع الجيد بتوضيح طبيعة المادة التي سوف يلقيهاعليهم أوالتعليمات التي سوف يصدرها مبيناً لهم المطلوب مثل التقاط الأفكار أو متابعة سلسلة من الأحداث مثلاًحتى يكونون حريصين على عملية الاستماع.
  • يبدأ المدرس الخطبة أو يشغل جهاز التسجيل إذا كانت الخطبة مسجلة، بينما التلاميذ يستمعون باهتمام وتركيز إلى الخطبة.
  • وبعد الاستماع الأول يبدأ المدرس في طرح الاسئلة المتعلقة بمهارة الاستماع التي أعدها.
  • وفي نهاية الدرس يقوِّم المدرس أداء التلاميذ في ضوء الأهداف التي حددها.

المبحث الثاني:استخدام الخطابة في تعليم مهارة التحدث:

اللغة في الأساس هي الكلام أو التحدث. ومن المهارات الأساسية أيضا من مهارات اللغة. ولقد اشتدت الحاجة إلى هذه المهارة في الفترة الأخيرة، عندما زادت أهمية الاتصال الشفهي بين الناس. ولهذا يلجأون التلاميذ إلى تعلم هذه المهارة أكثر بكثير.

ويمكن تعليم هذه المهارة بتدريب الطلاب على إلقاء الخطب و المحاضرات، و يطبق المعلم أثناء القاء الطالب الخطوات والاجراءات اللازمة لتعليم مهارة التحدث.مثل :

  • تحديد الأهداف.
  • تصحيح نطق الكلمات و الألفاظ.
  • ضبط الكلمات والألفاظ .
  • التجنب من أمراض الكلام .
  • عرض الأفكار بطريقة منطقية و مقنعة.
  • و في الأخير يقوم المدرس بعملية التقويم.

وبهذا التدريب يتمكن التلميذ من حفظ التعبيرات والأمثال والحكم فيستخدمها في التحدث والكلام.

المبحث الثاث:تعليم مهارة القراءة من خلال الخطبة:

تعد القراءة المصدر الأساسي لتعلم اللغة العربية للطالب خارج الصف، وهي مهارة تحتاج إلى تدريبات خاصة ومتنوعة .

فالمدرس الذي يريد أن يعلم الطلاب مهارة القراءة من خلال الخطب يجب أن يتبع الخطوات التالية:

  • ينتخب بعض النماذج من الخطب مراعيا السهولة واليسر.
  • يعطي الطلاب فكرة عامة عن موضوع الخطبة, يحببهم في قراءتها, ولا يتطرق إلى التفاصيل.
  • يشجع الطلاب على تلخيص أجزاء من الخطبة .
  • يختار المدرس بعض الطلاب لقراءة فقرات الخطبة قراءة جهرية،
  • وفي نهاية المطاف يقوم المدرس قراءة الطلاب.

المبحث الرابع:تعليم مهارة الكتابة من خلال الخطبة:

تأتي مهارة الكتابة متأخرة بحسب ترتيبها بين بقية المهارات؛ فهي تأتي بعد مهارة القراءة . وهي من أصعب المهارات تعلما وتعليما. ولتعليم مهارة الكتابة من خلال الخطبة يجب على المعلم أن يدرب الطلاب على كتابة الخطابة من خلال بعض الخطب النموذجية، مراعيا التدرج والخطوات اللازمة لتعليم مهارة الكتابة.مثل:

الخطوة الأولى:- تشجيع التلاميذ على تسجيل الخطبة أو الأفكار و المعاني من الخطبة المسموعة على الورقة.

الخطوة الثانية:- يصحح المدرس الأخطاء المتعلقة بالكتابة، و يضع علامات الترقيم في مكانها المناسب.

الخوة الثالثة:- يطلب المدرس من الطلاب أن يكتب هذا الدرس مرة ثانية حتى تخلو الكتابة عن الأخطاء الإملائية والكتابية.

أخيرا هذه بعض الخطوات والطرائق لتعليم مهاراة اللغة العربية عن طريق استخدام الخطابة، وليس آخر كلام في هذا الباب. بل لكل مدرس طريقته للتدريس ولكل معلم أساليبه للتعليم.

و بهذا انتهيت من كتابة هذا الموضوع فالشكر كل الشكر لله سبحانه و تعالى،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

و صلى الله و سلم على نبينا محمد و آله و أصحابة و سلم تسليما كثيرا كثيرا.


 

المصادر

1-القرآن الكريم.

2- مختار الصحاح ,للرازي- دار الكتب العربية/بيروت.

3- القاموس المحيط للفيروز آباديِ,مؤسسة الرسالة,الطبعة الثانية 1407هـ/1987م.

4-قواعد الفقه لعميم الاحسان المجددي البركتي,دار الكتب العلمية,بيروت.

    5-الخطبة في الإسلام وإعداد الخطيب الداعية للدكتور مصلح سيد بيومي ، الطبعة الثانية 1408 هـ ، الناشر مكتبة المجد العربي بالقاهرة.

6-الخطابة و اعداد الخطيب لعبد الجليل شبلي,دار الشروق,القاهرة,الطبعة الثالثة1408هـ-1987م.

7-الخطابة و اعداد الخطيب للدكتور توفيق الواعي,دار اليقين,مصر,المنصورة.الطبعة الثالثة1420هـ-1999م.

8-الخطابة للشيخ محمد أبو زهرة.دار الفكر العربي,بيروت,الطبعة الثانية 1980م.

9-تدريس فنون اللغة العربية النظرية و التطبيق,للاستاذ الدكتورعلي أحمد مدكور,دار المسيرة,عمان,الطبعة الأولى1428هـ-2008م.


 

 [1] مختار الصحاح , ص (180)

[2] القاموس المحيط للفيروز آباديِ, ص (103)

[3] قواعد الفقه لعميم الاحسان المجددي البركتي,دار الكتب العلمية,بيروت.

[4] الخطابة في الإسلام للدكتور / مصلح سيد بيومي ص ( 11 ) .

[5] الخطابة لعبد الجليل شبلي ص 13.

[6] سورة النساء 165.

[7] البقرة 151.

[8] الخطابة و اعداد الخطيب للدكتور توفيق الواعي ص 18.

[9] المرجع نفسه ص 18.

[10] الخطابة لأبي زهرة ص 229.

[11] الجمعة -9.

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024