لماذا هذه الحملة الإرهابية البشعة في بنغلاديش؟
في الساعة التاسعة ليلا يوم السبت 26 رمضان 1437ه = 2 يوليو 2016 مـ حدثت في بنغلاديش حادثة احتجاز لم تسبق في تاريخ بنغلاديش منذ تحريرها من باكستان عام 1971 م في مطعم "هلي أرتيزان بيكري" الواقعة في منطقة دبلوماسية بغولشان الراقية، داكا حيث قامت مجموعة إرهابية خسيسة مسلحة بالاعتداء علي المطعم مما أسفر عن وقوع 20 قتيلاً أجنبياً معظمهم من الإيطاليين واليابانيين، واعتقل مسلح واحد على قيد الحياة. وأكد قادة ومسؤولون أن معظم الرهائن قتلوا بآلات حادة. وبعد اجتهاد كثير أنهت قوات الأمن في بنغلادش عملية احتجاز الرهائن، وقتلت 6 من محتجزي هؤلاء الأشخاص، وأنقذت 13 رهينة، بينهم 3 أجانب و10 من مواطني بنغلادش.
وقد تمت هذه الفعلة البشعة أثناء انشغال المسلمين بصلاة التراويح مما أصبح من السهل اقتحام المسلحين للمطعم واستخدام الأسلحة، وما إن انتشر الخبر حتى سارع رجال الأمن لانقاذ الضحايا أحياء، ولكن المسلحين قد أمطروا بالقنابل على رجال الأمن، ووقع تبادل إطلاق النيران بالبنادق والقنابل مع الشرطة خارج المطعم بعد ساعات من بدء الهجوم حتى قتل مدير مركز الشرطة ومساعد إدارة المباحثين في مقر الحادثة.
ولكن الشرطة لم تستطع إنقاذ المحجوزين ولا القبض علي المسلحين؛ بل بقي المسلحون في داخل المطعم طول الليل آمنا، وفي صباح اليوم التالي شنت فرقة الأمن حملة بغرض إنقاذ الضحايا من أيدي الغادرين؛ ولكن للاسف كانو قد فارقو الحياة، وأنقذوا بعض المحجوزين أحياء، وقد استغرقت عملية الإنقاذ حوالي ساعةإلا قليلا، وانتشر الخبر بعد ذلك بسرعة بارقة في سائر أنحاء العالم وأصبح حديث الساعة.
ولابد من الاعتراف بأن هذه الحملة الانتحارية الإرهابية مرعبة في حد ذاتها، قد أثارت القلق والخوف في نفوس الشعب، وهزت رجال الأمن والساسين، و وأخافتهم، ولكن السؤال ماهو الهدف من هذه الأعمال البشعة؟
الهدف واضح وخسيس، مثل هذه الأعمال يهدف إلى إشعال فتنة طائفية في بلد آمن، مثلما رأينا أن كثيرا من البلاد الإسلامية قد اكتوت بنار هذا النوع من الأعمال وما نتج عنها من حرب أهلية مدمرة، فهذا نوع من تعميم ونشر الخراب، رغم أنه لا يوجد شك في أن هناك قوى تشجع هذه الاتجاهات لنشر الفوضى في البلاد لتحقيق أهدافم. وقد تم القبض علي واحد من هؤلاء المجرمين حيا حتي يتم التعرف على من وراء هذا الفعل الشنيع.
ولكن المحللين يفسرون الحادثة بتاؤيلات شتى، فبعضهم كعادتهم القديمة نسبوا مسؤولية الحادثة إلى الجماعة الإسلامية، والأحزاب المعارضة السياسية، وبعضهم نسبوا إلى تنظيم "القاعدة" و"داعش" وحزب أنصار الله، وحركة المجاهدين؛ ولكن ما الحقيقة من مثل هذه الحوادث؟
والذي أراه أن خلف هذا الحادث ليس بالشرط أن تكون جماعات إسلامية أوغيرها ممن تنسب إليهم الأعمال التخريبية في البلاد؛ ولكن هناك بعض فئات الشعب الساخطين على الحكم سياسيا، من الممكن أن يكونو ا هم من قاموا بهذا الفعل الخسيس، لقد ضاق بهم ذرعا التحمل والصبر علي هذا، فإن الشعب اذا كان غاضبة على الحكومة ولايستطيعون أن يعبروا عما في أنفسهم من غضب وكراهية تجاه الحكومة، ولايجدون سبيلا للاحتجاج والمظاهرة لغضبهم ،فيختارون مثل هذا السبيل سبيل الانتحار والهجوم، ويعبرون عن غضبهم بهذه الطريقة البشعة، وهذا يدل بصراحة أن الذين قاموا بهذا العمل الشنيع ليس من الضرورة أن يكونوا من الجماعات الإرهابية المشهورة: بل يمكن أن يكونوا من السياسيين المظلومين الذين صاروا فريسة لحقد الحكومة حتى صاروا محرومين من حقوقهم الديمقراطية وحريتهم الإنسانية، فمن الطبعيى أن المظلومين ينتقمون لظلمهم من الحكومة الظالمة التي تتعامل مع الشعب بالظلم والقسوة بأي شكل يكون. وليس من البعيد أن تكون هناك طائفة متطرفة تدعي بأنها مسلمة؛ ولكن أعمالها ليست على منهاج الشريعة الإسلامية، فلابد من الحذر منها وقمعها من الدولة. و الذين يتحرضون للإرهاب الانتحاري الذي نراه اليوم وينفذوه أكثرهم شباب مغرر بهم، فهم يتجرأون على عمل لاعهد لنا به، يقومون بأعمال عنف غير مسبوقة وبأشكال لم نسمع بها من قبل، ففكرهم بائس محكوم عليه بالهزيمة، وأفكارهم التي يروجونها حمقاء.
وعلى الرغم من أننا لانلاحظ عمليات جماعات إرهابية مثل «داعش» و«القاعدة» في شبه القارة الهندية، وليس لها موطئ قدم مباشرة في بنجلادش، ولكن أيدولوجيتهم الضالة التي لاتؤيدها الإسلام تؤثر على الشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت. فالشباب المتأثرون بها الذين يتبنون الأفكار المتشددة يلتحقون بالجماعات الإرهابية المحلية. فتدفعهم عادة إلى عمليات إرهابية.
فعلينا أن نعود إلى جذور الظاهرة واقتلاعها من أساسها، والجذور هي المحرضون الذين يقومون بعمليات غسل أدمغة الشباب، وفي بعض الأحيان أنظمة التعليم التي تخرج شبابًا من السهل تطويعهم لهذه الأفكار، وهنا يجب أن نضع في الاعتبار أن مفهوم العملية الانتحارية واحد كما أن معايير الأخلاق واحدة، فلن يصلح أن نغض الطرف عن معيار لأنه بعيد عنا ونستنكر آخر، فالمعيار واضح وليس هناك أي تشريف في استهداف المدنيين الآمنين.
أخيرا، صحيح أن الظاهرة الانتحارية مخيفة لكنها ستُهزم ولا مستقبل لها، فهي ضد الطبيعة الإنسانية وضد المنطق والعقل أيًا يكن الغطاء الذي تأتي تحته سواء كان «داعش» أو غيرها، فكلها إلى زوال.
رئيس التحرير لمجلة الحراء العربية
http://www.madarisweb.com/majallah/alhira