أنقذوا الربيع العربي!!
أنقذوا الربيع العربي!!
عبد الرحمن محمد جمال
بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطبيين، ولم یتحمل الشعب العربي المقهور ظلم الطواغيت والجبابرة، فانتفض للدفاع عن هويته وإسلاميته، وطالب بأدنى حقوقه التي يتمتع بها أي شعب حر أبي في العالم، فشكّل المظاهرات وقاطع الحكومات، وآل على نفسه إسقاط الأنظمة الديكتاتورية.
لم تَجْد الأنظمة الديكتاتورية السيف والحديد، فتزلزلت أقدامها، وسقطت واحدة تلو أخرى، ونال كثير منها جزاءها المحتوم وأصبحت حبرا على ورق. جاء الربيع العربي ليجسد حقيقة ما جرى على الشعب المقهور، ويجلي كثيرا من الحقائق المخفية عن الأنظار، ويمثّل القلب النابض والحيوية الدافقة للشعب وغيرته على الدين واستنكاره على كل ما يخالف الدين الحنيف والعقل السليم.
كان الربيع العربي إيذانا بنهاية العهد الديكتاتوري الاستبدادي المظلم وبداية العهد الديمقراطي الحر المشرق. وكان الربيع العربي إعلانا للأمم الغربية أن بضاعتكم ردت إليكم وأن الجهود التي بذلتموها لخلع الزي الإسلامي من الشعب ذهبت هباء منثورا، وأن الشعب قد عاف زيكم ومنهجكم وعقليتكم وفلسفتكم ولا يرى بديلا إلا بالإسلام الخالص النقي.
وكان الربيع العربي رسالة إنذار للطغاة والجبابرة أن ينتهوا من جرائمهم البشعة بحق شعبهم، وأن يقطعوا العلاقة والصداقة مع سادتهم الغربيين، ولا يباشروا أو ينفذوا ما يخالف العقيدة ويناهض عقلية المسلم. وكان الربيع العربي بارقة أمل لكل من استولى عليه التشاؤم وعدم الثقة، وداخله اليأس بمستقبله المجهول بعد أن ذاق مرارة الاستبداد والاضطهاد وأيقن أنه خلق ليعيش ذليلا مستكانا مقهورا.
وكان الربيع العربي فرصة ذهبية للعاملين في حقل الدعوة أن يوسعوا نشاط دعوتهم، ويبرمجوا لإصلاح الأمة ويستغلوا الثواني والدقائق لنشر الدعوة وإيقاظ الوعي الديني في الشعب بعد أن منعوا منعا باتا من أي نشاط ديني ودعوي. وكان على العلماء ألا يهملوا هذه الفرصة الثمينة، ويسيّروا الربيع نحو مساره الصحيح لئلا ينحرف ويصبح أداة بيد المتلاعبين والطغاة.
ولكن هذا الربيع لم يلبث أن قوبل منذ نشأته الأولى بعداء شديد وتحد سافر، حيث بدأت القوى الرافضة لكل تطور والمتسمة بالجمود والاستبداد مع مساندة من الطرف الغربي والصهيوني للقضاء عليه والضرب في صميمه، أو تشويه سمعته وتحويله إلى بلاء عاجل وخريف كالح وشتاء قارس كما يعبّرون.
لقد نجحوا فعلا في تحريف الربيع وتخييب آمال الدعاة وكبث الثورات وتركيع الشعب، وتكميم أفواه الصحفيين والمنادين بالحرية، وتمكنت لهم الحكومة وخضع لهم البلاد والعباد بعد قمع عنيف وقتل وتشريد واعتقال واسع. وقد لقّنوا ـ بزعمهم ـ الشعب درسا لا ينساه أن العبودية والذلة والخضوع قد كتب عليهم، ولا حق لهم بمطالبة حقوقهم، وأن الخير كل الخير في ألا ينبسوا ببنت شفة تجاه القمع والظلم والاضطهاد الذي يباح في حقهم، والعجب العجاب أن كل هذا تحت ستار الديمقراطية المزعوعة والحرية.
والسؤال المطروح هنا لماذا هذه المفاجأة الحزينة، أين رجال الربيع العربي لينقذوه من الحضيض؟ أين المنادون بإسقاط الأنظمة القمعية؟ أين الذين كانوا يعدون الشعب بإحقاق ديمقراطية حقة؟ يبدو أن رجال الربيع العربي قد أخطأوا المسار، ودخلوا الساحة من غير بابها، ويبدو أنهم لم يفكروا في احتواء الأزمّة وغرّهم تجميع دهماء الناس، وأما أن يتسلطوا على الدوائر الحكومية، وأما أن يهيمنوا على الكوادر الرئيسية فلم يفكروا في ذلك، ففوجئوا بأعنف رد فعل. فالعسكر بجميع كوادره خاضع للأنظمة الديكتاتورية، ووسائل الإعلام برمتها تتحمس لهم، وفي مجال التعليم فحدث عن الفضائح ولا حرج!.
وإذ كان كذلك فماذا يبغي الإسلاميون في إسقاط السلطة؟ فهل إسقاط السلطة وتجميع دهماء الناس ورفع السلاح أو تشكيل مظاهرات منددة تكفي لإزاحة هذه الأنظمة؟ هنا ينبغي للدعاة ورجال الربيع أن يعيدوا النظر في مخططاتهم وبرامجهم، ويبدأوا نشاطهم من جديد، يبدأوا من نقطة الصفر، يبدأوا من إصلاح المجتمع، والتوغل في العسكر والكوادر التعليمية، ويأخذوا بأزمّة وسائل الإعلام، ويطالبوا حقوقهم من خلالها، يقول العلامة أبو الحسن الندوي رحمه الله:
" إن عصر الزحف، وجرّ الجيوش، ونصر المظلوم بالسلاح قد ولّى من غير رجعة، ولا يزيد التدخل الحربي أو التهديد القضية ـ إن كان هنالك من يستطيع ذلك ـ إلا تعقدا.
يجب على المسلمين في كل بلد أن يتوكلوا على الله، ويعتمدوا على كفايتهم ومواهبهم، وقوة مقاومتهم، ومساهمتهم الغالية المخلصة في بناء الوطن وحراسته، وعلى الحقوق التي يمنحها الدستور، وتعلنها الحكومة الجمهورية العلمانية"
(مقالات في الفكر والدعوة 1/154).