العربيةـــ لغة العالم
العربية ـــ لغة العالم
الشيخ الدكتور/ ولي خان المظفر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه وسلم، أمابعد:
فإنني أولاً أتقدم بالشكر الجزيل للجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد(iiui)ولبُناتهاومؤسسيها والقائمين عليهاقيادةً،إدارةً،تفكيراً ،تدريساً على ما بذلوا ولايزالون يبذلون قصارى جهودهم في التثقيف والتربية والتعليم، ولا سيما كلية اللغة العربية بالجامعةهي خير مثال ونموذج في التقدم عملياً إلى أهدافها ومقاصدها ومشاريعها البنّاءة الحيوية ،ومنها ما نرى اليوم هنا من الاحتفالات المتعددةوالمتنوعة باليوم العالمي للغة العربية. كما أشكرهم على دعوتهم إيانا لإلقاء هذه المحاضرة .سائلين الله تعالى أن يجعلها كـ :
{شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أُكُلها كل حين بإذن ربها}.
ثم أما بعد:
فإن اللغة العربية كما نحن اليوم بصدد البحث عنها ، هي ليست لغة العرب أو المسلمين فقط، بل هي لغة العالمين،والإنسانية جمعاء،لأن الإنسانية حسب أحدث التحقيقات العلمية(d n a) تشعَّبت من الجزيرة العربية ، ومن هنا انتشرالبشر في أنحاء العالم،ولأن الإيحاءات الإلهية من فوق سبع سماوات كما يثبت من بعض الروايات التاريخية كانت بالعربية،والواقع المرئي المشاهَد أن القرآن الكريم كلام الله الخالد باللغة العربية، والوحي الغير المتلو من الأحاديث الشريفة كلها بالعربية، وهي أقدم لغة حية متفاعلة في التاريخ البشري ،وإضافةً إلى ذلك هي أوسع لغة بكثير من بين اللغات العالمية وفق الإحصائيات اللغوية الحديثة في النت، وهذا كله معترف به لدى المحققين اللغويين والباحثين في اللسانيات من غير تعصب،ولأن المسلمين ربع العالم البشري هم أول ما يسمعونها حين مجيئهم إلى الدنيا أذاناً وإقامةً في الأذنين ،وبالتالي يتعلمونها توحيداً وصلاةً ودعاءً وأذكاراً وتسبيحاً وتحميداً وتكبيراً وتمجيداً و.... و.... و........ ــــــ كلٌّ حسب ظرفه وطاقته ووُسعه ــــــــ لذلك هي معترف بها رسمياً في كثير من المنظمات والهيئات الدولية،ومن المقررات الدراسية في جامعات العالم، وهي من أقوى لغات التواصل الاجتماعي في القنوات التلفزيونية والإذاعية والمواقع المتفاعلة المباشرة،كما أنها من أقدر اللغات في الإنتاج والتصدير، وإيراد الكلمات والألفاظ والأفكار والخيالات واستيرادها قديماً وحديثاً، فهي وعاء الثقافة الإنسانية،إرشاداً، وهدايةً،وأدباً وفكاهةً،وتأريخاً،وحضارةً،فهي كانت ولازالت ذخراً وفخراً للإنسانية بأسرها ، يعرفونها أم لا يعرفونها،يعلمون هذه الحقائق أم لا يعلمون.
أما العرب والمسلمون فحُقَّ لهم أن يفتخروا بها ،لأنهم ينتسبون إليها ــــ لغةً أو ديانةً ـــ كلسان عالمي، حلو،عذب،حيٍّ على ممر التاريخ ، قيِّم غير ذي عوج ،وأنا أُقسم بالله أنني وجدتها من بين تجربتي بها في حياتي ـــــــ الأعجمية النسل والأرومة والعربية أدباً وتذوقاً ـــــــ أنها لسامعيها ومتكلميها وقارئيها مثل اللبن الخالص السائغ للشاربين.
ثم إن هؤلاء المسلمون بعربهم وعجمهم يعرفون مكانتها وأهمّيتها في منظور القرآن الكريم، والسنة النبوية البيضاء التي ليلها كنهارها على صاحبها ملايين الصلوات والتسليم، وفي منظورالعلوم الإسلامية والعربية الأدبية.
وأنا دائماً أقول: أننا نُحب العربية لأنها لغة القرآن، ونُحب العرب لأنهم شعب نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ونُحب بلاد العرب لأنها مأوى الحرمين الشريفين،ومقام القبلتين ،فأين للغات والأقوام والأوطان الأخرى من استجماع هذه الصفات العليا،واستكمال هذه المزايا الواقعية في العالم.
ولكن هناك أُناس وشعوب يشُكُّون أو يشكِّكون في مكانة العرب مع اعترافهم بفضيلة لغة القرآن والسنة وبفضيلةبلاد الحرمين والقبلتين، لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فإن الذي عليه أهل السنة والجماعة: اعتقاد أن جنس العرب أفضل من جنس العجم: عبرانيهم وسريانيهم، روميهم وفارسيهم، وغيرهم، وأن قريشاً أفضل العرب، وأن بني هاشم أفضل قريش، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل بني هاشم، فهو: أفضل الخلق نفساً، وأفضلهم نسباً.
وليس فضل العرب، ثم قريش، ثم بني هاشم: بمجرد كون النبي صلى الله عليه وسلم منهم - وإن كان هذا من الفضل - بل هم في أنفسهم أفضل، وبذلك يثبت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أفضلُ نفساً ونسباً، وإلا لزم الدور. انتهى.
ويُضيف قائلاً: وهذا مما ينبغي التنبه إليه، أعني: كون العرب أفضل بأصل خلقتهم، وفي ذريتهم، وليس بشئ طارئٍ عليهم مثل: الإيمان والتقوى، "وإلا لزم الدور، ولم يبق للتفضيل معنىً.
وأصل هذه المسألة مبني على تأويل قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص: 68]، وقوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 31 - 32]، وقوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ،اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام: 53].
وقد فصَّل القول في بيان هذا وتقريرِه العلامة ابن القيم رحمه الله في صدر كتابه القيم "زاد المعاد"، فليُراجع إليه.
فإذا تقرر هذا فلابد من الإشارة إلى أمور:
الأول: إن هذا الحكم متجه إلى جنس العرب ولا يستغرق جميع أفرادهم، "فإن فضل الجنس لا يستلزم فضل الشخص، فرب حبشيٍّ أفضل عند الله من جمهور قريش".
الثاني: إن معرفة الإنسان العربي بهذا الاصطفاء والتكريم الإلهيِّ لجنسه يجب أن يحمله على استنفار المزايا الخيريّة في تكوينه القوميِّ، كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "إن الفضل: إما بالعلم النافع، وإما بالعمل الصالح، والعلم له مبدأ، وهو: قوة العقل الذي هو الفهم والحفظ، وتمام، وهو: قوة المنطق، الذي هو البيان والعبارة. والعرب هم أفهم من غيرهم، وأحفظ وأقدر على البيان والعبارة، ولسانهم أتم الألسنة ...، وأما العمل: فإن مبناه على الأخلاق، وهي الغرائز المخلوقة في النفس، وغرائزهم أطوع للخير من غيرهم، فهم أقرب للسخاء، والحلم والشجاعة، والوفاء، وغير ذلك من الأخلاق المحمودة، لكن كانوا قبل الإسلام على طبيعة قابلة للخير، معطلة عن فعله ..." .
الثالث: ومن هنا يُعلم بطلان ما ذكره العلامة المؤرخ ابن خلدون رحمه الله، في "مقدمته" من المطاعن في العرب، وقد رأيتُ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله، ذكر في بعض كتبه: أن كلام ابن خلدون إنما هو في الأعراب وليس في جنس العرب، وهذا ـ والله أعلم ـ بعيد، يأباه مجموع كلام ابن خلدون، ولعلنا نُوَفَّق لدراسة الخلفيات الفكرية لابن خلدون، والدوافع الحقيقية لكلامه.
الرابع: وليحذر المسلم من التفاخر بالأنساب والأحساب، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية، وفخرها بالآباء: مؤمن تقي أو فاجر شقي، أنتم بنو آدم، وآدم من تراب" . وقال صلى الله عليه وسلم ـ أيضاً -: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، ألا وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ألا لا فضل لأسود على أحمر إلا بالتقوى، ألا قد بلغت؟ قالوا: نعم قال: ليبلغ الشاهد الغائب" .
الخامس: وعلى المسلم غير العربي أن يدرك العلاقة الأصيلة بين العروبة والإسلام، ولا يَحملنَّه ما اقترفته الأنظمة القهرية المتسترة بالقومية العربية من ظلم وبغي وفساد على كراهية العرب، والطعن في جنسهم، فإن ذلك هو غاية أولئك الأدعياء. ولما ذكر شيخ الإسلام أن فرقة من الناس ذهبت إلى أن لا فضل لجنس العرب على جنس العجم ـ وهؤلاء يسمون الشعوبية ـ، ومن الناس من قد يفضِّلُ بعض أنواع العجم على العرب، علَّق على ذلك بقوله رحمه الله: "والغالب أن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن نوع نفاق: إما في الإعتقاد، وإما في العمل المنبعث عن هوى النفس، مع شبهات اقتضت ذلك". نعوذ بالله ـ سبحانه ـ من الشبهات المضِلَّةِ والشهوات المهلكة، إنه ولي التوفيق.( الموقع الرسمي للشيخ عبد الحق التركماني).
كماإن الدستور الباكستاني ينص في بعض مواده اتخاذ العربية كلغة رسمية للبلاد شيئا فشيئا ، وقد اُسست الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد لهذا الغرض العظيم كأمثالها في كوالا لامبور ، ودكا، وكابول، والجامعات الدينية الشخصية لمساعدة الشعب والدولة في هذا المضمار ، كالجامعة الفاروقية بكراتشي ، وجامعة دار العلوم بكراتشي ، وجامعة العلوم الإسلامية بالعلامة البنوري تاؤن ، وجامعة الدراسات الإسلامية ، وجامعة أبي بكر بكراتشي ، وجامعة الرشيد ، وجامعة المظفر العربية المفتوحة ، وجامعة اللغة العربية المفتوحة ،ومعهد الإمام أبي حنيفة بمدينة بشاور ، وجامعة بيت السلام بكراتشي ، وجامعة الحسنين بفيصل آباد ، وعلى رأسها جامعة ابن عباس بكراتشي ، كما أسس الأخ سميع الله عزيز مجمع اللغة العربية بباكستان ، وقد أبدع الأستاذ الشهيرالمفتي أبولبابة في برنامجه المعروف بـ "عربية القرآن ". والشيخ موسى العراقي والشيخ يوسف القمر والشيخ ضياء الحسين الولي ، والأستاذ الفاضل الشيخ السيد عبد العظيم الترمذي الموقر ، والشيخ هاشم الأمريكي، والقائمون بـ" شبكة الدروس العربية الحية"الإخوة أيوب جان البنوري وعثمان إبراهيم ولبيد خان المظفر ،والأخ حنظلة أمجد صاحب" شبكة المدارس"،والأخ زاهد عبد الشاهد مؤسس" عشاق العربية"، والشيخ عزيز العظيمي المؤسس المشرف على مراحل التخصص والدكتوراه بالجامعة البنورية العالمية،ولا سيما الشيخ الدكتور أحمد يوسف الدُريويش رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد، وعلى رأسهم سماحة الإمام الشيخ سليم الله خان الموقر والدكتور عبد الرزاق اسكندر ، وشيخ الإسلام المفتي محمد تقي العثماني وغيرهم من الشخصيات والإدارات لهم جهود جبارة ومساعي جميلة في نشر وترويج اللغة العربية بين الشعب الباكستاني بالعموم والعلماء وطلبة العلوم العربية الإسلامية على وجه الخصوص .
وقد صرّح الأئمة والعلماء الكبار والمشايخ العظام بتحتم اللغة العربية وفرضيتها على العلماء ووجوبها أو تسننها واستحبابها على المسلمين عامة كالحافظ ابن تيمية والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وعلماء شبه القارة الهندية كإمام الهند الشاه ولي الله الدهلوي وحكيم الأمة الشيخ أشرف علي التهانوي ، والسيد حسين أحمد المدني والعلامة البنوري والشيخ سليم الله خان وغيرهم .
وقد حرّض القرآن الكريم على اللغة العربية كما ذكرها باسمها بين جنباته مراراً وتكراراً .
وهناك روايات تدل على أن الحبيب المصطفى كان يحرّض على اللغة العربية ومن بعده أصحابه الكرام ولاسيما سيدنا عمر بن الخطاب والأمير معاوية بن أبي سفيان رضوان الله عليهم أجمعين .
فاللسان العربي كما يقول د/ رمضان فوزي بديني:
هو شعار الإسلام ومن شعائر العرب التي يُكره تغييرها حتى في المعاملات،وبه قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميّزون”. وقال أيضاً: “وما زال السلف يكرهون تغييرَ شعائرِ العربِ حتى في المعاملات وهو التكلّم بغير العربية إلا لحاجةٍ، كما نصّ على ذلك مالك والشافعي وأحمد؛ بل قال مالك:" مَنْ تكلّم في مسجدنا بغير العربية أُخرِجَ منه”.
وتعلم اللغة ضرورة لفهم القرآن، فقد قال الإمام الشاطبي رحمه الله: “من أراد تفهم القرآن فمن جهة لسان العرب يُفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمه من غير هذه الجهة”.
وإذا كان الدعاة هم ورثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في تبليغ الرسالة وتوصيلها للناس خالية من الشوائب نقية من العيوب.. فإن عليهم تعظيم شعار الإسلام المتمثل في اللغة العربية وتعلمها حتى يُحسنوا فهم النصوص فهماً صحيحاً ويبلغوها للناس بهذا الفهم دون تحريف أو تبديل. وقد قال الإمام الشافعي في معرض حديثه عن ابتداع الناس في الدين: “ما جهل الناس، ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب”.
وذهب ابن تيمية إلى أن معرفة اللغة واجب وفرض؛ حيث يقول –رحمه الله تعالى-: “اعلم أنّ اعتياد اللغة يؤثر في العقلِ والخلقِ والدينِ تأثيراً قويّاً بيّناً، ويؤثر أيضاً في مشابهةِ صدرِ هذه الأمّةِ من الصحابةِ والتابعين، ومشابهتهم تزيد العقلَ والدينَ والخلقَ، وأيضاً فإنّ نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرضٌ واجبٌ؛ فإنّ فهم الكتاب والسنّة فرضٌ، ولا يُفهم إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب”.
ولا يخفى على مراقب للواقع الحالي ما تمر به الأمة العربية والإسلامية من اغتراب ثقافي وتشظٍّ فكري، ربما يكون انعكاساً لواقع سياسي مأزوم، له أثره المباشر والواضح على اللغة العربية التي تعاني من هجران اجتماعي وتنحية لها من معظم مظاهر الحياة العامة، حتى انزوت في بطون الكتب والمراجع التراثية المقصورة على الباحثين والأكاديميين.
وحال الدعاة في التعامل مع الواقع المأزوم للغة العربية لا يختلف كثيراً عن باقي شرائح المجتمع.
وبصورة عامة يمكن تقسيم موقف الدعاة مع اللغة العربية إلى ما يلي:
أولا- فريق تشدَّدَ في تدينه ودعوته فتشدد في لغته وخطابه؛ فهو يستخدم من الألفاظ أصعبها، ومن العبارات أعقدها، ومن المعاني أبعدها عن الفهم، وكأنه في سوق عكاظ أو ذي المجاز أو المربد، أو كأنه يتحدث أمام حكام العرب في اللغة والأدب كالنابغة الذبياني أو الأقرع بن حابس.
ثانيا- فريق أراد التيسير في الدين لتحبيب الناس فيه وسرعة وصوله إلى قلوبهم وعقولهم؛ فحسنت نيتهم وساءت وسيلتهم؛ حيث تساهلوا في اللغة أيما تساهل وأغرقوا في العامية ولهجاتها؛ فنزلوا إلى حضيض المجتمع وبدل أن يرتقوا به وبلغته تأثروا به وأقروه على ما هو عليه؛ فتجد لغة أحدهم أمشاجا مختلطة من اللغة العامية وبعض الألفاظ والمصطلحات الأجنبية وبعض العبارات باللغة الفصحى وما يحفظه بالكاد من شواهد قرآنية أو أحاديث نبوية، أو إن تحسن حاله قليلا حفظ بيتاً أو بيتين من الشعر. متناسِين أن كثيراً من مدعويهم الذين نزلوا إليهم يتقنون أكثر من لغة أجنبية، وأنهم قادرون على إتقان العربية إن وجدوا منهم تشجيعاً على ذلك. وقد ساعد على انتشار هذا الأمر تنامي ما سمي بظاهرة “الدعاة الجدد”.
وربما يحاول البعض تلمس العذر لهؤلاء الدعاة بأنهم لم يتخرجوا في معاهد دينية أو لغوية حتى يتقنوا اللغة.. ولكن يُرد على ذلك بأنه كيف يفهمون معالم الدين ومقاصده دون أن يفهموا لغته التي وصل بها إلينا؟! وكيف نأمن على دعوة هؤلاء وأنهم سيحسنون توصيل الدين للناس وهم لا يتقنون لغته؟ ألا يخشى هؤلاء أن يحرفوا أو يبدلوا أو يسيئوا فهم الدين دون أن يشعروا؛ فيكونوا سببا في إضلال الكثير؟.
وكان عليهم أن يتعلموا من اللغة ما يُفهم به الدين، وما يحسن به تبليغه للناس، دون لبس أو إلباس.
ثالثا- فريق وسطي في دعوته ولغته؛ فلغته سهلة عذبة رقراقة، تصل إلى الأذن فتُطربها، وإلى العقل فتحركه، وإلى القلب فترققه، يفهمها المثقف والأمي، كما يفهما المفكر والنخبوي، يفهمها أبناء عامة الناس كما يفهمها أبناء الطبقة المخملية.
تجد أحدهم يتكلم الساعات الطوال فلا تكل ولا تمل؛ فعبارته مفهومة ولغته واضحة ومعانيه سهلة، تجد اتساقاً في كلامه بين ما ينطق به وما يستشهد به من آثار؛ فإذا استمعت له أنصتَّ وتدبَّرت؛ فالإنسان أسير الإحسان وهو قد أحسن إليك إذ لم يشق عليك بعبارته ولم يرهقك بألفاظه، وأيضا لم تجد أذنك منه نشاَّزاً ولم يُسمعك من القول عوارا.
ونتائج هؤلاء أكثر من أن تذكر وأكبر من أن يحاط بها؛ فليس أكبر ولا أعظم ممن تألفت حوله القلوب وتشنفت له الآذان وفتحت له العقول؛ فحبب الناس في دين الله فأحبوه؛ فهو يجمع ولا يفرق ويبني ولا يهدم ويبشر ولا ينفر، استوعب قول الله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)؛ فهو قد لان قلبه فلانت عبارته دون ميوعة، ورَقَّ طبعه فلم يغلظ قوله.
فما هوواجب الأمة تجاه اللغة؟ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ إذا كان على الدعاة واجب الدعوة إلى دين الله تعالى والتمسك بأخلاق الإسلام وآدابه وقيمه؛ فليعلموا أن عليهم واجباً كبيراً تجاه اللغة التي نزل بها هذا الدين والتي نعبد الله تعالى بها، وتتمثل هذه الواجبات فيما يلي:
1- اقتناع الداعية أولاً بفضل اللغة ومكانتها من الدين ودورها في نهضة الأمة وتقدمها؛ فقناعته تنعكس على موقفه وسلوكه تجاهها.
2- تعزيز الثقة باللغة العربية عند الناس؛ باعتبارها مكوِّناً من مكونات الأمة، والاعتزاز بها حفاظ على كيان الأمة، واعتبار التفريط في اللسان العربي القرآني تفريطاً في الهوية…
3- على الدعاة أن يحرصوا على أن يكون حديثهم باللغة الفصيحة السهلة الواضحة.
4- أن يحرص الداعية على أن يكون في مكونات ثقافته تعلم اللغة بالقدر الذي يسمح له بالتحدث بها دون إخلال بالمعاني.
5- حرص الدعاة على عدم إدخال مصطلحات أجنبية في أثناء حديثهم إلا ما دعت إليه الضرورة.
6- عدم اللجوء إلى اللهجات العامية إلا في أضيق الظروف كأن يروي الداعية مثلا قولاً أو حديثاً سمعه من أحد العوام وأراد إيصاله كما سمعه.
7- على الداعية أن يفرد أحاديث ولقاءات للغة العربية ومكانتها ودورها في نهضة الأمة وفضل تعلمها والاهتمام بها.
8- يحرص الداعية في أثناء لقاءاته على أن يدرب الناس على التحدث باللغة الفصيحة؛ فيجعل الحوار بينه وبينهم بالفصحى، دون مشقة أو إحراج لأحد.
9- يتوافق بعض الأئمة في مساجدهم على تخصيص أسبوع للغة العربية تكون التوصية فيه بأن يكون الحديث خلال الأسبوع كله باللغة الفصيحة حتى في حوارات الحياة العامة حتى يألف الناس اللغة.
10- على الجامعات الشرعية ومعاهد إعداد الدعاة الاهتمام باللغة العربية وحسن تحدث الطالب بها، على أن يكون ذلك بصورة عملية تطبيقية دون الاقتصار على القواعد والمتون فقط، كما هو الحال الآن في كثير من المعاهد.
11- على الدعاة في الغرب الحرص على تعليم اللغة للناطقين بغيرها عن طريق القيام ببعض الدورات التدريبية، وطباعة بعض الكتيبات المبسطة لتعليم اللغة، وتحبيبهم فيها، وتشجيعهم على تعلمها.
12- على وزارات الأوقاف والهيئات الدعوية الرسمية إجراء دورات تدريبية للأئمة والدعاة في اللغة وفروعها المختلفة بما يتيح لهم حسن التحدث بها.
13- تحفيز الشباب في الكليات العلمية المتخصصة على أن تكون من موادهم الاختيارية مادة تتعلق بالثقافة واللغة العربية، إن تيسر ذلك.
14- تنظيم حملات لأصحاب المحال التجارية وتوعيتهم بأهمية استخدام اللغة العربية في أسماء وعناوين محالهم، بدلا من الأسماء والعناوين الأجنبية.
15- تحفيز الطلاب على الاستفادة من الإجازات في إتقان الخط العربي والقواعد الإملائية؛ بحيث يوجد من يجمع بين جمال الخط العربي وجمال القواعد اللغوية.
16- الاهتمام بأن تكون أسماء الأطفال باللغة العربية المناسبة للعصر؛ فلا تكون فصحى متقعرة ولا عامية مفرطة ولا أجنبية وافدة.
17- وعلى السفراء العرب والسفراءالمسلمين أن يقوموا بنشر اللغة العربية في دول سفاراتهم عن طريق نشاطات لغوية ،والضغوط السياسية،وإجبارالعاملين في الدول العربية والحجاج والمعتمرين على تعلم حوارالعربية فيما يخصهم من الضروريات كشرط إضافي لتحصيل التأشيرة.
18-لابد من توعية فكرية ونظريةحول ضرورة وأهمية اللغة العربية ومكانتها في مجالات شتى.
19-ينبغي فتح قنوات تلفزيونية وإصدار مجلات وصحف بالعربيةفي دول العالم الإسلامي.
20-كذلك يجب على مجامع اللغة العربية تبني مشاريع متعددةلتقنين اللغة العربية لتصمد على كل الشاشات في جميع المكاتب الإدارية.
وأخيراً نُقدِّم هنا طريقةًذهبيةً سهلةً مختصرةً لتعلُّم اللغة العربية حواراً ومكالمةً وتعليمها، وهي: أن تُعلِّم أو تتعلم ثلاثة أسئلة مع أجوبتها كل يوم، فيصير لديك في آخر الشهر 90 سؤالاً و90جواباً،مجموعها180 جملةً عربيةً،وبعد ثلاثة أشهر يكون عندك270 سؤالاً و270 جواباً،ومجموعها 540 جملةً عربيةً، وقس على هذا سنةً أوسنتين.وكلما وجد إنسان لديه هذا القدر من الكلمات عن أية لغة فهو حتماً يستطيع التعامل بها كيف شاء.فهلُمُّوا وبادروا يا شباب.
وصلى الله على النبي العربي محمد وعلى آله وصحبه وسلم .