أين الخلل؟
إذن، فالأهم في موضوع غزو الهاتف الذكي ردة فعل رجال التربية والتعليم إزاءه، وأحسبه أكبر تحدٍ نجم عن هذا التطور التكنولوجي...، ولكنه لم ينَل الاهتمامَ المستَحق من الدراسة والتحليل بعدُ !
ومثل أي تطور تكنولوجي آخر، فإنهم انقسموا في مواجهة هذا التحدي إلى اثنين:
١.فريق تبنّى سياسة الاستسلام والخضوع المطلق لإملاءات الهاتف. وهي السياسة التي تبنّتها معظم المدارس العصرية، وكانت لها آثارها السلبية الهائلة على مستوى التعليم وتدنّي مستواها.
٢.وفريق ثانٍ ، حاولت تبنّي سياسةَ الحظر المطلق وأرادت الوقوفَ في وجه تأثيراته والحدَّ من انعكاسِها على عملية التعليم وسلوك الطلاب وتفكيرهم.
حتى لم يرَ البعض منها بأسًا في التوعّد بكسرِها إذا وُجدت في يد طالب. بينما اكتفى الآخرون باحتجازه ثم ردّه إلى صاحبه بعد حين دون تأديب إضافي إلا في حالات استثنائية.
وككُلٍّ، فقد اختلفت فيها سياسات المدارس وقراراتها بعد اتفاق صُنّاعها على حظر استخدامه في المحيط المدرسي.
وهذه السياسة لها فوائُدها وثمراتُها في التقليل من شيوع استخدامه، وهي نابعةٌ في الواقع عن اهتمام رجال التربية بمصلحة الطالب العلمية، إعتقادًا منهم بأن: "العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلّك". وبطبيعة الحال، فإن هذا الكلام يفرض مصداقيتَه هنا مائة في المائة. فإن التحصيل الدراسي-ولاسيما العلم الشرعي- يتطلّب التركيز الكامل والانقطاع المطلق.
وأي شاغل داخليّ وخارجيّ ينغّص على الطالب تركيزَه الذهني والبدني والقلبي وحتى الوجداني- يستحقّ الحظر الباتّ بكل معنى الكلمة.
وقد بات ثابتًا بالتجربة المستمرة أن أعظم ما يشغل على طالبِ علم بالَه وعقله وقلبه هو هذا "الهاتف الذكي".
يبقى فقط أن نفعّل دور هذه السياسة في الواقع العمليّ أو الميداني للتعامل مع الجوال، والتي تبدو ولَكأنّها تعاني نوعًا من الارتجالية أو فقدَ التخطيط وعوز السياساتِ التربوية الحكيمة الأكثر تأثيرًا، ومن ثمّ فإن جهودَ الحظر الشديد التي يبذلها رجالُ التربية والمراقبة في محيط المعاهد قلّما تحقّق ثمراتِها المطلوبة، الأمر الذي يجعلهم في وضع صعبٍ وفي أخذٍ وردٍّ أمام هذا التحدي ! .
هذا لا يعني بالطبع أن جهودهم تذهب هباءً، أبدًا، إنها تستحق كل تقدير ولهم أجرها عند ربهم بقدر إخلاصِهم.
نعم، قد يكون هنا أو هناك خللٌ يحتاج إلى معالجة حكيمة، ولكن أين هذا الخلل؟ السؤال موجَّه إلى أهلِه من خُبراء التربية والتعليم ولستُ منهم في شئٍ.!
(للمقال صلة)
✍️عبدالوهاب
٣ربيع الثاني ١٤٤٤ھ