ولاء سياسي ضيق!
إذا وجدتَ شخصًا وهب نفسَه وعقلَه وحتى قلبَه لحزبٍ سياسي ويرى فيه قبلتَه التي يتّجه إليها في كلّ ما موقفٍ ومناسبةٍ ! وإذا وجدتَه قداتخذ حزبَه الذي والاه مقياسَه الذي يقيس به كلَّ شىئٍ، وحتى أقرباءَه وأصدقاءَه ومعارفَه، ويزنهم في ميزان التحزّب لحزبه، ولا يرى أي بأس في إدارة الظهر حتى لأبيه أوأخيه إذا لم يشاركه الانتماء لحزبه، ولا في التخلي عن صديقه إذا لم يشاطره الرأي لصالحه ! وإذا وجدتَه قد اتخذه دثارَه وشعارَه، وجعلَه حديثَ النهار وحلم الليالي. وإذا وجدتَه ينافح عن قدوته السياسية ولَكأنه وليُّ نعمته الأوحد الذي أسدَى إليه أعظمَ معروفٍ في حياته مع أن المسكين -في واقع أمره- لم يستحق بعدُ أن يمسّ بيده الوسخة يدَه الطاهرة لِينال "شرَف مصافحته"! إذا وجدتَ شخصًا بهذه المواصفات فاقرأ عليه وعلى عقله السلامَ العريضَ! نعم، اقرأ عليه السلام لأنه لم يعُد الآن "إنسانًا طبيعيًّا"، وإنّما تحوّل خلقًا آخر ! كلُّ ما تستطيع أن تبذلَ له من معروفٍ أن تشفَع له بالالتحاق بإحدى "مستشفيات المجانين" ! المستشفى التي تعجّ بآلاف المرضى النفسيّيين من أمثاله.
الكل منا ابنُ بيئته ومدرسته، وطبيعي أن ينشأ على حبّها وتقديرها!
والكلّ منا له الحق في الولاء لأي حزب سياسي يخدم قناعاتِه الايديولوجية الخاصة.
وله الحق أيضاً أن يقدّر رموزَه ويحترم قادتَه !
ولكن أن يبلغ بك ولاءُك لأي حزب إلى حد "التقديس".. ! لترى الحق حكرًا على حزبك، وليذهب المارق عنه إلى الجحيم، لأنه "خائن" أو "عميل" أو "فاسق" !
فلا !
إنه التعصب الممقوت !
ظاهرة الولاء لجماعة سياسية أو حتى دينية معينة وقياداتها إلى حد "التقديس" قد بدأت تنتشر مثل النار في الهشيم وسطَ الشباب.
وطفِقت تطال مُعظمَ بلاد العالم الإسلامي بما فيه وطننا الغالي باكستان وأخواتها من الدول ذات الموروث الديني والطابع الثوري العاطفي !
إنها (الظاهرة) ترجع إلى حكم العاطفيّة، منها تخرج وإليها تعود!
والعاطفة تُحمَد إذا وضعَها صاحبُها موضعَها الصحيح ولم يتجاوز وظيفتَها لتحلّ محلّ التفكير المتزن والعقلانية الحكيمة !
أما إذا وضعَ القلب مكانَ عقله، وحماسَه مكانَ تدبّره، وعاطفتَه مكان تفكيره، فهذا يعني أن موازين أبسط قواعد الإنسانية مختّلة لديه، وبالتالي لم يعُد قادرًا على الرؤية الصحيحة للأشياء والأفكار والمفاهيم، لِتوظفيه الأدواتِ الخاطئة في الوصول إلى الحقيقة.
هذا النوع من الناس يُعطون العقل وظيفةَ القلب، ويظمون العقلَ ويبخسونَه حقَّه من التفكير العقلي المتدبّر الحكيم في تقييم الأحزاب والأشخاص وعامة الأشياء.
وبالتجربة، فإنهم وبسببِ هيمنة المشاعر الحزبية وغيابِ الوعي لا يحسنون الاستماع لأي نصيحةٍ تُعيدهم إلى نصابهم الطبيعي!
فخيرٌ لك إذا أحببتَ التخلص من ويلات تحزّبهم وتعصّبهم وولاءاتهم الضيقة أن تقرأ عليهم السلام العريض! وكفى .
✍️عبدالوهاب سلطان الدِّيروي
١٤٤٤/٤/١٠