ما درجة الحديث: لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا

إباحة ركوب البحر

س : حدثنا سعيد بن منصور حدثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشر أبي عبد الله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : {لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز فى سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا}. ما درجة هذا الحديث، وهل هو نهي عن ركوب البحر إلا لحاجة؟.

الجواب حامدا ومصليا:

تخريج الحديث: أخرجه أبو داود في سننه (3/6 ، رقم 2489) ، والبيهقى في السنن الكبرى (6/18 ، رقم 10861) ، وسعيد بن منصور في سننه (2/186 ، رقم 2393).

حكمه : حديث ضعيف لجهالة رواته والاضطراب فيه. أما الاضطراب فقال المنذري : في هذا الحديث اضطراب روي عن بشير هكذا , وروي عنه أنه بلغه عن عبد الله بن عمرو , وروي عنه عن رجل عن عبد الله بن عمرو , وقيل غير ذلك . أما جهالة رواته فقال أبو داود : رواته مجهولون . قال الحافظ في التقريب في ترجمة بشر و بشير : مجهولان . وذكره البخاري في تاريخه , وذكر له هذا الحديث وذكر اضطرابه , وقال : لم يصح حديثه . وقال الخطابي : وقد ضعفوا إسناد هذا الحديث . قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 240) : وهو حديث ضعيف مظلم الإسناد ، لا يصححه أهل العلم بالحديث، لأن رواته مجهولون لا يعرفون. قال ابن الملفن في البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير (6/ 30) : قال أحمد : هذا حديث غريب. قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/ 485) : قال أبو داود : رواته مجهولون. وقال الخطابي : وقد ضعفوا إسناده. وقال البخاري : ليس هذا الحديث بصحيح. ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وفيه ليث بن أبي سُلَيم وهو ضعيف. قال العيني عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 176) : هذا حديث ضعيف، ولما رواه الخلال في ( علله ) من حديث ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر يرفعه قال : قال ابن معين : هذا عن النبي منكر.

شرحه:

وقال الخطابي : تأويله تفخيم أمر البحر وتهويل شأنه , وذلك أن الآفة تسرع إلى راكبه ولا يؤمن الهلاك عليه في كل وقت , كما لا يؤمن الهلاك في ملابسة النار ومداخلتها والدنو منها. انتهى . فإن راكبه متعرض للآفات المهلكة كالنار والفتن المغرقة كالبحر إحداهما وراء الأخرى فإن أخطأت ورطة منها جذبته أخرى بمخالبها فمهالكها متراكمة بعضها فوق بعض لا يؤمن الهلاك عليه وقد احترقت سفينة في زماننا واحترق جمع كثير من أهلها وغرق بعض منهم وقليل منهم نجو بمحن شديدة. وقيل : هو على ظاهره ، فإن الله على كل شيء قدير ، ويؤيده حديث البحر من جهنم على ما رواه الحاكم والبيهقي عن أبي يعلى، ويقويه قوله تعالى: وإذا البحار سجرت، التكوير أي أحميت وأوقدت أو ملئت بتفجير بعضها إلى بعض حتى تعود بحرا واحدا وتصير نارا. (قاله الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (11/ 484).

الحكم الشرعي لركوب البحر:

قال ابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد (1/ 240): وأكثر أهل العلم يجيزون ركوب البحر في طلب الحلال إذا تعذر البر وركب البحر في حين يغلب عليه فيه السكون وفي كل ما أباحه الله ولم يحظره على حديث أم حرام وغيره إلا أنهم يكرهون ركوبه في الاستغزار من طلب الدنيا والاستكثار من جمع المال، وبالله التوفيق.

قال العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (21/ 176) : وقال سعيد بن المسيب : كان أصحاب النبي يتجرون في البحر منهم طلحة وسعيد بن زيد وهو قول جمهور العلماء إلا عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنهما فإنهما منعا من ركوبه مطلقا، ومنهم من حمله على ركوبه لطلب الدنيا لا للآخرة، وكره مالك ركوبه للنساء مطلقا لما يخاف عليهن من أن يطلع منهن أم يطلعن على عورة ، وخصه بعضهم بالسفن الصغار دون الكبار.

وقد بسط أبوبكر الجصاص القول في إياحة ركوب البحر في أحكام القرآن (1/ 250) وقال : باب إباحة ركوب البحر ، وفي قوله تعالى : التي تجري في البحر بما ينفع الناس دلالة على إباحة ركوب البحر غازيا وتاجرا ومبتغيا في لسائر المنافع، إذ لم يخص ضربا من المنافع دون غيره. وقال تعالى : الذي يسيركم في البر والبحر. وقال: ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله. وقوله: من فضله قد انتظم التجارة وغيرها كقوله تعالى : فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله. وقال تعالى : عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم. وقد روي عن جماعة من الصحابة إباحة التجارة في البحر، وقد كان عمر بن الخطاب منع الغزو في البحر إشفاقا على المسلمين، وروي عن ابن عباس أنه قال: لا يركب أحد البحر إلا غازيا أو حاجا أو معتمرا، وجائز أن يكون ذلك منه على وجه المشورة والإشفاق على راكبه، وقد روي ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا محمد بن بكر البصري قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا إسماعيل بن زكريا عن مطرف عن بشر أبي عبيدالله عن بشير بن مسلم عن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يركب البحر إلا حاج أو معتمر أو غاز في سبيل الله فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا، وجائز أن يكون ذلك على وجه الاستحباب لئلا يغرر بنفسه في طلب الدنيا، وأجاز ذلك في الغزو والحج والعمرة إذ لا غرر فيه، لأنه إن مات في هذا الوجه غرقا كان شهيدا. وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود حدثنا سليمان ابن داود العتكي حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس ابن مالك قال حدثتني أم حرام بنت ملحان أخت أم سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نام عندهم فاستيقظ وهو يضحك قالت فقلت يا رسول الله وما أضحكك قال رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة قالت قلت يا رسول الله أدع الله يجعلني منهم قال فإنك منهم قالت ثم نام فاستيقظ وهو يضحك قالت فقلت يا رسول الله ما أضحكك فقال مثل مقالته قلت يا رسول الله أدع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين قال فتزوجها عبادة بن الصامت فغزا في البحر فحملها معه فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها فصرعتها فاندقت عنقها فماتت.اه.

قال الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في فيض البارى شرح صحيح البخارى ، باب التجارة في البحر (4/ 369 ) وقد ورد الحديث: بأن تحت البحر نارا، مع وجود حاجة السفر فيه. وفي مثله تتعارض الأدلة، وتتجاذب الأطراف، فيرد النهي والإباحة كلاهما. أما النهي، فنظرا إلى المخاوف والمهالك، وأما الإباحة، فبالنظر إلى الحاجات. ولذا بوب البخاري بجواز التجارة فيه.

هذا وصلى الله على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ويارك وسلم.

أبو الخير عارف محمود الجلجتي

دار التصنيف بالمدرسة الفاروفية بجلجت 5جمادى الثاني 1441هـ / 31 يناير 2020م.

شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024

التعليقات

يجب أن تكون عضوا لدينا لتتمكن من التعليق

إنشاء حساب

يستغرق التسجيل بضع ثوان فقط

سجل حسابا جديدا

تسجيل الدخول

تملك حسابا مسجّلا بالفعل؟

سجل دخولك الآن
المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2024