جمهورية السودان في خطر
جمهورية السودان في خطر
هل تفكيك السودان وتقسيمه على المدى البعيد أمراً واقعياً في ظل اكتراث الحكومات الإسلامية ؟ سؤال لو درج إلى حيز التنفيذ لا قدّر الله يشكل تهديداً لوجود العرب والمسلمين ومصالحهم في المنطقة. ومنشأ السؤال ما نراه من تكالب القوى الغربية وانقضاضها على دار فور (غرب السودان) وجوبا (جنوب السودان) عبر تصريحات تندد " بتطهير عنصري عرقي " و " إبادة جماعية "، وتصف الوضع " أسوء كارثة إنسانية شهدها العالم في الوقت الحالي " تستوجب الطوارئ وتستلزم التدخل الدولي، بالإضافة إلى ما يروجه الإعلام الغربي ويصوره من: صور القرى المحرقة، وآثار التدمير والقتل، وتشريد النساء والعجزة، ونظرات الأطفال التائهة في مخيّمات اللجوء..... كلها مشاهد تتناقلها أجهزة الإعلام العالمية من صحافة وإذاعة وقنوات ومواقع على الويب على أوسع نطاق، محاولةً منها لتبرير من ينطوي عليه صدور القوى الاستعمارية من حملة شرسة وهجمة همجية على إقليم يشتهر أهله بأنهم حفظة للقرآن، بل يحتلون المراكز الأولى في مسابقات حفظ القرآن، وهم من أكثر الأقاليم تديناً في السودان.
يعتبر المحللون والمراقبون للوضع عن كثب أن كلاً من الإدارة الأمريكية والأمم المتحدة والإتحاد الأوربي أخذ الذريعة " الإنسانية " بدل " أسلحة الدمار " لتفكيك السودان ولتمرير نواياهم الاستبدادية، مع أن الأزمة الإنسانية في دار فور لا تعدو عن كونها احتراباً قبلياً على أما كن الرعي ومصادر المياه، خاصةً مع وجود حالة من الجفاف التي ضربت السودان لفترات طويلة.
ومن أبلغ الدلائل على نفي تهمة الاضطهاد وممارسة تطهير عرقي في دارفور ما كشفته بعثة أطباء مصريين ذهبت لمساعدة اللاجئين حيث قال الطبيب منظور حسن رئيس البعثة: إن الوفد الذي التقى بمجموعة كبيرة من السيدات في المخيّمات وقام بإجراء فحوص طبية على حوالي 17 ألف مريض، لم تصادفه أية حالة اغتصاب كما لم يتقدم أي فرد للشكوى من وقوع شيء كهذاله.
وقبل التطرق إلى جوهر الصراع ومعالم الخطة الأمريكية يجدر بنا قراءة تاريخ دار فور التي تتشكل فيها الأحداث والمؤثرات.
تبلغ مساحة دار فور (1510 ألف كم) بما يعادل خمس مساحة السودان، ويقترب عدد سكانها من ستة ملايين نسمة هي خمس إجمالي سكان السودان أيضاً، وتقع في أقصى الغرب مع ليبيا وتشاد وإفريقيا الوسطى، وتقسم إدارياً إلى ثلاث ولايات هي شمال وجنوب وغرب دارفور. تضم دار فور أكثر من مائة قبيلة جرت العادة على تقسيمها إلى مايعرف (بالقبائل الأفريقية) التي تحترف الزراعة، ومنهاقبائل الفور والزغاوة والمساليت والميدوب، وإلى (القبائل العربية) التي تمتهن الرعي مثل الرزيقات والهبانية والجوامعة والمهيريا والمعاليا.
لقد حكمت (سلطنة الفور) الإسلامية هذا الإقليم من عام 1650 م وحتى 1873 م حين دخلت في سلطان الدولة العثمانية الذي لم يدم إلا بضع سنين، ثم استمرت (السلطنة) من زوال الدولة المهدية عام 1898 م وحتى سقوطها بيد الإنجليز عام 1916 م كآخر منطقة تنضم لدولة السودان.
لم تشهد منطقة دار فور في تاريخها الحديث هدوء اً واستقراراً معتبراً، بحروب الزبير باشا على المنطقة عام 1883 م، ثم الثوراث المتتالية على حكمه. وثورة أبي جميزة على الدولة المهدية في سبتمبر 1888 م، ثم ثورات الفكي عبدالله السحيبنى عام 1921 م، والسلطان هارون بجبل مرة ومادبو بالضعين والبقارة ضد الحكم الإنجليزي، حتى إن الجنرال الإنجليزي غوردون باشا اقترح في مؤتمر برلين عام 1883 م ضم إقليم دار فور للمستعمرات الفرنسية، ثم انتفاضة دار فور على حكومة مايو 1921 م، انتهاءً بالتمرد الذي قادة المهندس يحيى داؤد بولاد على حكومة الإنقاذ في 1991 م، هذا فضلاً عن النزعات القبلية والانفلات الأمني والصراعات الإقليمية.
هناك العديد من الأسباب والدوافع المحركة وراء افتعال الأزمة والتحرك الأمريكي تجاه السودان بدافع " الشعور الإنساني " ألا وهي ممارسة استراتيجية بعيد المدى التي أحكمت حلقاتها بعد الحادي عشر أيلول، وهي:
إضعاف العالم العربي.
تهديد مصر وتطويقها من الخلف بصور أكثر تأكداً.
ومن أن تضع الصهيونية حذاءها على العتبة الجنوبية لمصر.
بالإضافة إلى إعادة رسم الخريطة في المنطقة.
أما عن الأفعى الصهيونية فهي تتربص بمصر صباح مساء، ويبدو أنها عازمة على تنفيذ مخططها إلى مداه البعيد، وإن كانت أقدامها في قلب إفريقيا القارة السوداء إلا أن عينها على النيل بعد أن وطئت الأقدام دجلة والفرات.
ففي هذا الوضع المحير ووسط تكالب الأعداء من كل حدب وصوب المطلوب هو تدخل إسلامي وعربي واضح ومحدد في ما يجري في السودان عموماً ودارفور خصوصاً. وإذا تركنا السودان اليوم وتجاهلنا أبعاد مؤامرة الصهيوأمريكية فإننا نكون قد مهَّدنا الطريق لضحية جديدة قادمة.
والمطلوب أيضاً أن تبادر منظمات الإغاثة والهيئات الخيرية الإسلامية والعربية للتدخل بقوة في كل أنحاء السودان، خصوصاً الغرب والجنوب، وإعادة كفة التوازن مع عشرات المنظمات الإغاثية التبشيرية الغربية ذات الصلات الواضحة مع أجهزة المخابرات الغربية، وعدم ترك الساحة للغربيين يعبثون فيها لتحقيق مصالحهم على حساب العرب والمسلمين.